الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف والشئون الإسلامية، إنه لا يؤيد غلق المطاعم والمقاهي في نهار شهر رمضان، لخدمة أصحاب الأعذار وغير المسلمين، محذراً في حواره ل "دين ودنيا" من التوظيف السياسي للدين في دور العبادة في شهر الصيام، رافضا السلوكيات الخاطئة التي لحقت بالشهر الفضيل من شيوع الكسل وقلة الإنتاجية والانشغال بالتوافه، مؤكداً أن شهر رمضان يجب أن نستفيد منه في تكثيف العمل وزيادة الإنتاجية، وفيما يلي نص الحوار: • ونحن في أول أيام شهر رمضان المبارك، ماذا يعني "أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار"؟ - أوله رحمة، لأنك في الأول لم تقدم شيئا كثيرا بعد، وبالتالي فأنت ترجو ماذا؟ رحمة الله طبعا، فلذلك بدأ بالرحمة لأن الرحمة من ذاته يتقبل القليل ويعطي الكثير، ثم بعد ذلك مع هذه الرحمة التي يكون منها تكفير السيئات ومضاعفة الحسنات، تكون مغفرة الذنوب، ثم في نهاية الأمر وأقصي ما تصل إليه الأمنية والآمال أن يعتقك الله عز وجل من النار، وأن يجعلك من أهل الجنة، وكل ذلك للتأكيد علي أن في هذا الشهر من الفضل، ولتقريب تدفق الرحمات فيه، تبدأ بالرحمة المطلقة، ثم يتبعها تكفير السيئات، ثم بعد ذلك يأتي فضل الله بالعتق من النار، وهكذا فإن في هذا الشهر الكثير من الفيوضات والرحمات والبركات. • السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان مثل السهر لمتابعة المسلسلات والفوازير، واستغلال حاجات الناس بزيادة الأسعار، والانفعال علي الخلق لأتفه الأسباب بحجة الصيام.. ماذا تقول عنها؟ - هناك نقطة مهمة جداً حتي لا يتهمنا أحد بأننا نحرِّم ما أحلّ الله، فمشاهدة الأعمال الدرامية أو التاريخية أو الاجتماعية، أي عمل في الدنيا تستخدمه بإسراف وبرعونة وبلا تأمل وبلا عقل يأخذك في الاتجاه السلبي، فإذا كانت هذه الأعمال جادة وهادفة كتلك الأعمال التي تحمل قيما إنسانية أو أخلاقية أو اجتماعية، أو أعمال تاريخية نستخلص منها العظة والعبرة فلا حرج ولا ضيق طالما أن ذلك لن يؤثر لا علي وقت العمل أو الراحة أو العبادة. فحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: "الصوم جُنّة"، وينبغي أن يكون "جُنّة" ووقاية من المعصية، ولابد أن يتمسك المؤمن بصيامه أمام أي "استفزاز" ويلتزم بآداب الصيام، فلا يغضب أو يرد علي أي مستفز أو شتّام، بل يرد كما جاء في الحديث النبوي "إني صائم.. إني صائم". فالإسلام مفروض أنه يهذب الأخلاق، وإذا حقّق لك الصوم الوقاية في الدنيا من الغضب، والسباب، والشتائم، والفسوق، والعصيان، وأكل الحرام في الدنيا، كان وقاية لك من العذاب يوم القيامة، لكن صائما يأكل الحرام، ويغتاب خلق الله، ويرتكب الغيبة والنميمة، الصوم هنا لم يهذب سلوكه. أما السهر بلا داع، ولغير طلب العلم، ولغير التعبُّد، ولغير العمل، ولغير قضاء حاجات الناس، كلها سلبيات يجب اجتنابها تماما، فبعض الناس يتخذون من رمضان شهر نوم وكسل وبطالة وعدم إنتاج وتعطيل لحركة الحياة. وأيضا من السلبيات الإسراف في الطعام والشراب، فالناس تجعله شهر أكل وشرب وطعام ويزيد الاستهلاك فيه، فرمضان ليس شهرا لزيادة الاستهلاك، وإنما هو شهر للتعبُّد والقربات إلي الله، والإحساس بمشاعر الفقراء، فهو شهر للترشيد وليس شهرا للإسراف، وقد نهي الإسلام عن الإسراف والتبذير، وقال سبحانه:}إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين{ الإسراء: (27). • ما هي درجات الصيام؟ قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله: "الصوم ثلاث درجات، صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص"، أما صوم العموم فهو الإمساك عن الطعام والشراب من أذان الفجر إلي أذان المغرب، أما صوم الخصوص فهو الإمساك عن ذلك مع الإمساك عن معصية الله فتصوم العين عن النظر إلي ما حرّم الله، والأذن عن سماع ما حرّمه الله، واللسان عن النطق بما حُرِّم، واليد أن تُمد إلي ما حرم الله، والفم أن يُدخل ما حرّم الله، والقدم أن تسعي إلي ما حرّم الله، والفرج عن أن يقع فيما حرّم الله، وهو ما سُمِّي بصيام الجوارح أو صيام الحواس، أما صوم خصوص الخصوص أو صيام خواص الخواص فهو صوم النفس عن الهمم الدونية، والشواغل الدنيوية، والإقبال علي الله عز وجل بالكلية. • هل تؤيد فتح المطاعم والمقاهي في نهار رمضان أم تطالب بإغلاقها؟ - طبعا إذا بُليتم فاستتروا، ولابد من المحافظة علي مشاعر المجتمع، نحن نريد أن يلتزم الناس أخلاقياً واجتماعياً وإنسانياً، وما إذا كانت المطاعم تعد للبيع في نهار رمضان فهذا لا حرج فيه، وقد يكون هناك المسافر، أو أصحاب الأعذار، أو غير المسلمين، فأنت لا تستطيع أن تأخذ قرارا بالإغلاق، وإنما مع مراعاة الآداب العامة. •كيف ترون أحوال العالم الإسلامي في رمضان هذا العام؟ - أسأل الله أن يجعله عام يمن وبركة علي العالم الإسلامي ويحمي كل العالم من التشدد والتطرف، والمتشددين والمتطرفين، بل ومن الأفكار المتطرفة، وشهر رمضان فرصة كبيرة للعمل علي نشر الفكر الإسلامي الوسطي في مواجهة كل ألوان التطرف والتشدد والإرهاب. • ما هي الإجراءات التي ستتخذها الأوقاف لمنع استغلال المساجد في رمضان لبث أفكار محدّدة نعرفها جميعا؟ - لن نسمح بالتوظيف السياسي للدين في دور العبادة، وأهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق، وأهل الحق من علماء الأزهر وأئمة الأوقاف متمسكون بحقهم، صامدون وأكثر حزما وصمودا في مواجهة كل تيارات التشدد، ولن يمكِّنوا أحدا من المتشددين أو غير المؤهلين والمتخصصين من اقتحام المساجد بإذن الله تعالي. • ظاهرة التديُّن "الشكلي" في رمضان بالصوم والعبادات فقط، دون الالتزام بباقي سلوكيات الدين، ماذا تقول فضيلتك عنها؟ - إذا كان التديُّن شكليا كتجارة بالدين سواء كانت تجارة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهذا يضر صاحبه، ويضر بشكل الإسلام، لأنه ينفُّر الناس من الدين، إذا وجد الناس رجلا يذهب إلي المسجد ويأخذ بمظاهر الإسلام، ثم يكذب أو لا يفي بالعهد أو الوعد، كلها صور سلبية لا تليق بشكل الإسلام، وقد حذّرت من مخاطر التديُّن السياسي، والتديُّن الشكلي، المتاجرة بالدين سياسياً، أو نفاقاً اجتماعياً، أو بأي صورة من الصور. بدون شك ظاهرة التديُّن الشكلي، وظاهرة التديُّن السياسي تعدّان من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية، سواء من هؤلاء الذين يركزون علي الشكل والمظهر ولو كان علي حساب الجوهر، وإعطاء المظهر الشكلي الأولوية المطلقة، حتي لو لم يكن صاحب هذا المظهر علي المستوي الإنساني والأخلاقي الذي يجعل منه القدوة والمثل، ذلك أن صاحب المظهر الشكلي الذي لا يكون سلوكه متسقا مع تعاليم الإسلام يعد أحد أهم معالم الهدم والتنفير، فإذا كان المظهر مظهر المتدينين مع ما يصاحبه من سوء المعاملات، أو الكذب، أو الغدر، أو الخيانة، أو أكل أموال الناس بالباطل، فإن الأمر هنا جد خطير، بل إن صاحبه يُسلك في عداد المنافقين. وكذلك من يحصر التديُّن في باب العبادات والاجتهاد فيها مع سوء الفهم للدين، والإسراف في التكفير وحمل السلاح والخروج علي الناس به، كما حدث من "الخوارج" الذين كانوا من أكثر الناس صلاة وصياما وقياما، غير أنهم لم يأخذوا أنفسهم بالعلم الشرعي الكافي الذي يحجزهم عن الخوض في الدماء، فخرجوا علي الناس بسيوفهم. • ماذا عن برنامج وزارة الأوقاف طوال شهر رمضان المبارك؟ - أولا تفعيل المسجد الجامع الذي يُعني بالدروس والندوات وتحفيظ القرآن الكريم، وجوانب البر طوال شهر رمضان، والأمسيات الدينية التي سيشهدها علماء ومبتهلون علي مستوي الجمهورية، وستتضمن أيضا الاحتفالات بغزوة بدر وفتح مكة، فضلا عن الاحتفال بلية القدر بالإضافة إلي القوافل الدعوية عقب دروس العصر والتراويح، وستكون ضوابط الاعتكاف بنفس ضوابط العام الماضي، ولابد أن يكون تحت إشراف إمام من وزارة الأوقاف، بالشروط والضوابط المحددة المعمول بها، أيضا دروس التراويح وسط الصلوات لا تزيد عن عشر دقائق، ودعاء القنوت يكون في حدود المأثور، وألا يكون فيه مبالغة شكلا أو مضمونا، وألا يكون متضمنا شعارات أو أدعية سياسية، وإنما الدعاء الديني المأثور عن الرسول صلي الله عليه وسلم، وعدم السماح لغير المتخصصين، وغير المؤهلين لإعطاء أي دروس في المساجد وفي أي وقت.