شعار الإسلام هو الحل يثير لغطاً على الدوام لا كرامة لنبي في وطنه، ولا مكان لأحلام الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح بين الإخوان المسلمين.. القيادي الإصلاحي الأشهر علي الإطلاق في الجماعة، صاحب التأسيس الثاني لها، والذي يرجع إليه الفضل في اختيار وصنع الغالبية العظمي من الأسماء الإخوانية الرنانة علي الساحة المصرية الآن، يتلقي طموحه الرئاسي الطعنة تلو الأخري من أقرب الناس إليه، أبناء جماعته، وبالتحديد من صقور مكتب الإرشاد الذين اعتبروا إعلانه خوض سباق الرئاسة دون رضاهم فتنة تزلزل كيان الجماعة، ويجب التعامل معها بكل حسم. محاولات الجماعة لإجهاض تحركات أبوالفتوح صوب قصر العروبة جاءت تارة "لينة وهادئة" بدعوته للتراجع عن نيته خوض غمار ماراثون انتخابات الرئاسة القادمة، وتارة أخري "أشد حزماً" بتشكيل لجنة "ثلاثية" حسب توصيات اجتماع مجلس الشوري العام الأخير لملاحقته والتحقيق معه ومع غيره من أبناء الإخوان ممن باتت تسميهم الجماعة حالياً بالخارجين عليها وعلي منهاجها وقرارها وإجماعها العام كما أكد المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، قبل أن يصل الموقف الإخواني المعادي لأبوالفتوح لأقصي مدي بالتضييق علي أعمدة حملته الانتخابية من شباب الإخوان والتحقيق مع بعضهم، بل وترهيبهم والتهديد بفصلهم وطردهم نهائياً من جنة الإخوان، ما وصفه أبو الفتوح نفسه بأنه "عمل غير أخلاقي لو حدث".. ورغم قسوة المواجهة مع الجماعة ومع قيادتها، وما يمكن أن يترتب عليه ذلك من نتائج ستكون بلا شك موجعة لأبوالفتوح، إلا أنه لا يبدو قلقاً، وكأنه قد استفاد من تراث المواجهات والضربات التي طالما عاشها أو تلقاها من صقور الإخوان ومن قطبييهم وأنصار العمل المحافظ والسرية بالجماعة طيلة السنوات العشر الأخيرة كضريبة مباشرة لآرائه المنفتحة المجددة، وانتقادته "الخجولة" لآليات العمل السياسي والعام في الجماعة.. فأبوالفتوح الذي عبر ببسالة مأزق الهجوم الشرس الذي تعرض له بعد زيارة تاريخية لأديب نوبل، نجيب محفوظ، في وقت كانت تنظر فيه معظم قيادات الجماعة للأدب والفن باعتبارهما نوافذ للكفر والإلحاد، هو ذاته الذي كان يتحمل مرارة التهميش المتعمد له والتجاهل التام لأطروحاته من قبل صناع القرار في الإخوان، حتي أنه وفي أحيان كثيرة لم يكن بمقدوره نشر مقال يحمل اسمه في أحد مواقع الجماعة الإلكترونية، فيما أن المرات التي حجبت فيه مقالاته من علي نوافذ الجماعة في فضاء الإنترنت لا يمكن حصرها بسهولها.. هذا إلي جانب عمليات السلب المتعمد لكافة الملفات التي كان يتولاها في الجماعة وأهمها علي الإطلاق ملف النقابات المهنية، إضافة للطريقة الفجة التي أقصي بها من مكتب الإرشاد الأخيرة قبل عام ونصف. كل هذه المواقف العصيبة، وكل عمليات الضغط المنظم تلك، كانت كفيلة بتحطيم أكبر قامة إخوانية ودفعها للانزواء والابتعاد (الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد السابق ليس ببعيد) لكنها بدت وللعجب محفزاً للدكتور عبدالمنعم أبوالقتوح للسباحة ضد تيار الصقور ولانتقاضة "متأخرة نوعاً ما" - وفق بعض رموز الإصلاح والمعارضة الإخوانية ومن بينهم القيادي السكندري المستقيل المهندس هيثم أبوخليل- ضد جمود التنظيم في الجماعة، ومن ثم أعلن قراره "المبدئي" بالترشح مستقلاً لانتخابات الرئاسة القادمة بعيداً عن الإخوان وبعيداً عن أي تيار أو حزب أو كيان سياسي آخر، بكلام آخر بعيداً عن أي حسابات سياسية ضيقة. غير أن رهان أبوالفتوح علي جماهيريته الضخمة بين قواعد الجماعة وبالأخص بين شبابها فضلاً عن آيات القبول والاحترام التي يحظي بها علي الساحة السياسية والحزبية في مصر لن يكون حامياً له علي طول الخط من بطش قيادات مكتب الإرشاد، خاصة إذا ما اصطدمت طموحات أمين اتحاد الأطباء العرب الرئاسية مباشرة مع خطط الجماعة في المستقبل القريب.. في تلك الحالة ستتم التضحية حتماً به وبشكل يرهب كل من يحاول أن يسير علي نهجه فيما بعد، الجماعة ستفعل ذلك بقسوة وبدون تردد مستندة إلي مجموعة من المبررات، كأن يقول مهدي عاكف، المرشد السابق، ومن بعده يردد الإخوان: "عندنا لوائح ومبادئ داخلية ماشيين بيها واللي مش هيلتزم بيها مش هيبقي مننا".. أو كما يقول الدكتور محمد مرسي المتحدث الرسمي للجماعة، رئيس حزب الحرية والعدالة الإخواني: "لا يمكن لأي صاحب مشروع أن يؤسس مشروعا آخر ينافسه".. ناهيك عن مطالبات قيادات برلمانية إخوانية كصبحي صالح لأن "يكبر –أي أبوالفتوح- للجماعة".. والاكتفاء بالانتماء لها الذي هو "أهم وأرفع مقاماً من الترشح للرئاسة"، فضلاً عن أحاديث الإفك والفتن التي دشنها بالفعل الدكتور جمال حشمت بالإشارة إلي أن ترشيح أبوالفتوح للرئاسة سيضرب مصداقية الجماعة في الشارع وسيعيد "نغمة" لعبة الأدوار في الإخوان، وعليه أن يستبق أي خطوة يقوم بها بتقديم استقالته من الإخوان. وعلي ما يبدو أن أبو الفتوح يستشعر بالفعل الخطر الذي يحدق به، وبدا أنه قد شرع "ولو بعد أن أهدر وقتاً طويلاً" في التعلم من أخطاء الماضي، فودع سنوات من الاستكانة ورفض توجيه أية انتقادات علنية وصريحة لصقور الإخوان مطالباً بإلغاء انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة وإعادة إجرائها وفق الواقع المصري الجديد بعد ثورة 52 يناير.. كما بدأ في التحدث بشكل علني عن ضرورة فصل العمل الحزبي عن الدعوي في الإخوان، منتقداً تعيين الجماعة لرئيس حزب "الحرية والعدالة" وأمينه العام ونائب الرئيس، واصفاً ذلك بالخطأ الذي يجب أن يتم تداركه، بحيث يكون لأعضاء الحزب الحق في اختيار قياداتهم، موجهاً ضربة قاصمة لقادة الجماعة بالحديث عن غياب أي وضع قانوني للجماعة منذ تعديل قانون الجمعيات في ستينيات القرن الماضي داعياً الإخوان للتحول لجمعية تربوية وفق أحكام القانون ووفق الشرعية المجتمعية، ناهيك عن دعوته لأهمية تخلي الإخوان عن إلصاق أنفسهم بما يعرف بالتنظيم العالمي" هذا التنظيم وهمي ولا محل له من الإعراب". إن كل الدلائل تشير إلي تفاقم أزمة أبوالفتوح مع الجماعة وتصاعد حدة المواجهة بين الطرفين في الأيام القادمة، خاصة بعد أن انطلقت الحملة الانتخابية له فعلياً من أمام الأزهر الشريف وقيام عدد من شبابها بتوزيع "آلاف البوسترات والكتب الدعائية له" في المنطقة المحيطة بالمسجد، إضافة لجمع الآلاف من توقيعات التأييد له (ضمت التوقيعات أعضاءً عاملين بالجماعة، منهم أعضاء بمجلس الشوري العام يعملون سراً مع الحملة وفق كلام أحمد أسامة المتحدث الإعلامي باسمها) وكذلك الانتهاء من فيلم تسجيلي عن دور أبوالفتوح وإسهاماته في العمل الإسلامي علاوة علي النشاط الملحوظ والمضاعف للحملة علي موقعي فيس بوك وتويتر.. ورغم ذلك فإن بعض شباب الإخوان "الحالمين" وليس غيرهم لايزال يداعبهم حلم الحفاظ علي أبوالفتوح في جسد الجماعة وعدم حمله علي الخروج منها ومن ثم خروج أنصاره ومريدوه فينفرط جزء مؤثر منها وتحدث فتنة غير مسبوقة في تاريخها. من هؤلاء الشباب أحمد الجعلي الذي وضع سيناريو لوأد الفتنة في مراحلها الأولي يرتكز علي إعلان الجماعة دعمها لأبوالفتوح وفي الوقت نفسه طرح اسم توافقي من داخل الجماعة للترشح في انتخابات الرئاسة القادمة، الأمر الذي قد يجبر أبوالفتوح علي الانسحاب ليفسح الطريق أمام مرشح الإخوان، مع ضرورة أن توكل كل الأمور المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي القادم لحزب الجماعة باعتبار أن الأمر سياسي بامتياز، وأخيراً إعلان الجماعة بوضوح أنها ستقف علي الحياد في الانتخابات ولن تدعم أي مرشح مطروح في بورصة الترشيحات علي غرار قرارها الشهير في انتخابات 5002.