الجيل الجديد، جيل الإنترنت، الجيل الذي اعتاد منذ طفولته علي استخدام الماوس والكيبورد والجلوس لساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر، هذا الجيل فتحت أمامه أبواب المعرفة من أوسع أبوابها، توفرت له آفاق علمية ومعرفية لم تكن متاحة للأجيال التي سبقته، ولكن هل هذا معناه أن هذا الجيل "الديجيتال" سيكون أذكي من سابقيه، وهل سيستطيع تحقيق إنجازات لم تكن علي البال أو الخيال؟ هناك عدد كبير جداً من الشباب يقضي ساعات طويلة جداً من يومه أمام شبكة الإنترنت. وتشير الأبحاث إلي أن الأجيال الجديدة تقضي 03٪ من وقت الترفيه الخاص بها علي الكمبيوتر، فهل غير الإنترنت بالفعل من طريقة تفكير البشر؟ .. بالفعل هذا مايعتقده كثير من متخصصي المخ والخلايا العصبية وعلماء النفس الذين ضاعفوا من أبحاثهم في السنوات الأخيرة للتأكد من هذه الفرضيات. هناك فارق كبير بين راءة هذا المقال علي صفحات المجلة وقراءته علي موقع آخر ساعة علي شبكة الإنترنت. في الحالتين تعمل عيون القارئ علي التعرف علي الرموز والحروف في المقال. تقرأ من اليمين إلي اليسار وتنظر من أعلي إلي أسفل. لكن الفرق أنه في حالة استخدامنا للإنترنت، يكون عقلنا مزدحما بالمعلومات، وذلك دون أن ندري. فهناك عشرات الآلاف من الإشارات السمعية والبصرية، مثل تلك التي تسمعها عندما تستقبل رسائل إلكترونية، أو رسائل علي الفيس بوك. وكلها أشياء تثير انتباهنا كلما جلسنا أمام الكمبيوتر والكيبورد. وعلي عكس الكتب الورقية التقليدية يقدم الإنترنت إجابات سريعة للأسئلة التي تطرحها. وهو مايشبهه الباحثون بنوع من المكافأة يشجع مستخدم الإنترنت علي الجلوس مدة أطول أمامه. فيكفي أن تبحث عن كلمة لاتعرف معناها علي جوجل، لتظهر لك في ثانية آلاف من النتائج البحثية التي تجيب عن تساؤلاتك. هذه إذاً هي الكيفية التي استطاع بها الإنترنت أن يجذبنا لحد الإدمان. فهذه الكمية المهولة من الرسائل والأصوات والصور والفيديوهات تجعل مخ الإنسان في حالة انجذاب وانتباه مستمر. ولكي يتعامل المخ مع كل هذا الكم من المعلومات، ليس أمام المخ من خيار، سوي أن يسرع من نشاطه. ومن خلال تجربة أجريت علي 42 شخصا، 21 منهم من محترفي شبكة الإنترنت و21 من المبتدئين، قاموا بإجراء بحث علي موقع جوجل، لاحظ عدد من الباحثين الأمريكيين من خلال مراقبة الأنشطة الدماغية للمشاركين أن مناطق كثيرة في المخ لدي المتمرسين علي شبكة الإنترنت كان بها نشاط أكبر من المستخدمين الجدد للإنترنت. وبعدها بأسبوع بدأ نشاط المخ لدي المبتدئين يزداد مما يؤكد أن الإنترنت من الممكن أن يكون وسيلة لتمرين المخ وزيادة نشاطه. بل ومن الممكن استخدامها لمكافحة شيخوخته أيضاً. بالتأكيد لن يتسبب الإنترنت في تنشئة جيل خارق الذكاء لكنه سيكون جيلاً مختلفا، فمثلاً ردود أفعال الأجيال الجديدة وإدراكها للأشياء التي تتحرك حولها سيكون أسرع. ومن اكتشف ذلك هو شون جرين الباحث بجامعة روشستر الأمريكية والذي توصل لهذه النتيجة بالصدفة البحتة. ففي عام 0002 أجري شون بحثاً علي مشاركين من المصابين بالصم والبكم، وكان عليهم أن يتعرفوا علي أشكال معينة علي شاشة الكمبيوتر تظهر في أقل من ثانية، وكانت نتيجة الاختبار 001٪ رغم أن النتيجة النظرية من المفترض ألا تتعدي ال 05٪ وبعد أيام من التحقق اكتشف شون السر أن جميع المشاركين في التجربة من هواة الألعاب الإلكترونية، وبعد عدة مقارنات بين هواة الألعاب الإلكتروينة وآخرين لايهوونها، وجد أن الأوائل لديهم قدرة علي الملاحظة السريعة للأشياء التي تمر بمجال رؤيتهم، بسبب نشاط الخلايا المخية المتعلقة بهذه الجزئية. إذن فلكي يتعامل المخ مع فيض المعلومات والإشارات علي شبكة الإنترنت والكمبيوتر بشكل عام، كان لابد للمخ أن يتبني أساليب جديدة. وقد اهتم باحثون من جامعة لندن بهذه الجزئية، فقاموا بمراقبة طلاب يقومون بزيارة محركات البحث لإيجاد مواقع صحف وكتب إلكترونية ومواد أخري مكتوبة. وقد وجد الباحثون أن المشاركين في التجربة هم في الواقع لايقرأون النصوص التي أمامهم بشكل كامل، ولكنهم يقفزون من صفحة إلي أخري ومن سطر إلي آخر، ونادراً مايعودون إلي معلومة عبروا عليها من قبل. وبالكاد يركزون في قراءة فقرة أو فقرتين من القطعة المكتوبة. بل في أحيان أخري لايقرأ المستخدمون ما أمامهم من الأساس، وإنما يبحثون عن كلمة معينة أو سطر ما. وكل ذلك يعني أن مستخدمي الإنترنت ابتكروا وسيلة جديدة لقراءة المحتويات، فعقلهم أصبح لديه خبرة في تحليل مضمون الصفحات بشكل سريع واختيار الفكرة أو الفقرة التي تهمهم. لقد تحول الإنسان اليوم بفضل الإنترنت إلي صائد للمعلومات، فالشبكة الدولية أعادت برمجة العقل الإنساني، الذي كان يركز في شئ واحد فقط كفقرة معينة في الكتاب الذي يقرأه مثلاً إلي القدرة علي الحصول علي معلومة من خلال التنقل سريعاً من صفحة إلي صفحة عبر الإنترنت. في الماضي كان المحارب في الصحراء عليه أن يكون مستيقظاً لأي حركة تحدث من حوله، لذلك كان قادراً علي تحليل أكثر من مشهد أمامه، أما مع دخول الإنسان لعصر القراءة، أصبح هذا الكائن المتعلم مضطراً لتوجيه كل تركيزه للقراءة فقط، مما يفقده الشعور بمايحيطه من حوله. ولكن علي الجانب الآخر هناك مشكلات واضحة لشبكة الإنترنت علي قدرات أخري للإنسان، فتصفح فيس بوك، ثم مشاهدة بعض المدونات التي تعجبك، ثم تصفح الإيميل. كل هذه المعلومات لاتؤثر بالإيجاب علي المخ، بل علي العكس تشتت الذهن وتوتر الإنسان. وقد أجرت جامعة أكسفورد تجربة لدراسة هذا التشتيت، فقامت بوضع امتحان عبارة عن قطعة مكتوبة ومجموعة من الأسئلة، لمجموعة فئتها العمرية من 53 إلي 04 عاما وفئة أخري من الشباب من 81 إلي 02 عاما... وقد وجد أن مستوي المجموعتين متقارب، لكن عند تشتيت أذهان الشباب برنة تليفون أو أغنية أو أي شئ آخر عادة ما يقل تركيزهم لأقل من النصف. ولأن الإنترنت اختراع ظهر منذ 02عاماً فقط فإن تأثيره علي عقل الإنسان وأسلوب عمله، وآثاره علي المدي القصير والبعيد لازالت محل دراسة. لكن المؤكد والذي لاجدال فيه أن الأجيال الجديدة التي تربت علي الإنترنت وتوغلت في عالم التويتر والفيس بوك مختلفة تماماً في طريقة ومنهج تفكيرها عن الأجيال السابقة وبالتأكيد ماستحققه وماستنجزه هذه الأجيال سيكون أيضاً مختلفا.