خيوط واهية.. غير مرئية في نعومة الحرير تفصل بين الحقيقة والخيال في الحياة، اجتيازها رغم نعومتها ورقتها يحتاج إلي جهد نفسي كبير.. لايملكه البعض فيحتاجون إلي المساعدة وإن اختلفت المسميات.. معاونة صديق.. معاودة طبيب.. المهم يد تمتد للإنقاذ والمساعدة. وإذا كانت السينما في الفترة الأخيرة بدأت الاهتمام بمشاكل المراهقة والمراهقين منفصلة بذلك عن مشاكل الشباب ومن قبل هوجة أو موجة الأطفال.. فإن إحدي الصعوبات التي تواجه صناع هذه الأفلام هي البحث عن »الأبطال« ومن أجل هذا يتطلب الأمر رؤية الآلاف ربما ليتم اختيار »آحاد« أو بالكثير جد »عشرات« ونادرا من يستمر منهم بعد ذلك في هذا المجال.. وهذا ماقالته المخرجة »چيرالدين باچارد« مخرجة فيلم »الطريق« لكنه طريق خاص جدا يفصل مابين »الغايات« وأطراف المدينة ويطلق عليه »ليزبار« (Lisiere). هذا الطريق عادة مايكون مرتعا للحوارات ويمثل في نفس الوقت خطرا كبيرا علي الحيوانات التي تخرج عن حيز الغابة والنتيجة تتعرض للقتل من قبل السيارات بصورة وحشية. حكايات هذا الطريق التي تمتلئ بها صفحات الحوادث في الجرائد.. كانت البداية لصنع هذا الفيلم.. في البداية أرادت چيرالدين أن تقدم فيلما تسجيليا لكن شركات الإنتاج الفرنسية والألمانية نصحتها بأن من الأفضل أن يصبح روائيا.. لذا استغرق منها الأمر مايزيد علي الأربع سنوات.. فأسندت بطولته إلي الفنانة الفرنسية القديرة »دلفين شوييوه« و»ملفبل يوبان« .. أودرية مارناي.. هيبولت چيراردو. وهو عن تجربة إنسانية لطبيب شاب انتقل لمدينة »بوفال« ليجد نفسه بمجموعة من الشباب المراهقين الغارقين في مشاكل الإدمان والعنف والتورط في أكثر من جريمة قتل .. ليبدأ في محاولة مساعدتهم وإقامة علاقة مع فتاة شابة انضمت لهؤلاء المراهقين.. وفي لقاء جمعني بالمخرجة والبطلة »دلفين شوييوه« التي تعد من الوجوه الجديدة في السينما الفرنسية التي حققت نجاحا كبيرا.. وهي هذا العام بطلة لثلاثة أفلام »سيدة الخامس« للمخرج باول باوليكوفسكي.. و»الطريق« »لچيرالدين باچارد« والذي عرض في إطار مهرجان الحب السينمائي الدولي بمونز في العرض الأول له في العالم.. و»الضيف والقريب« »لبيير هويج« وهذه الترجمة لاسم الفيلم مؤقتة لأنه لم يعرض بعد في أي دولة عربية وربما يكون هناك اسم تجاري آخر. دلفين بادرتني بالسؤال عن مصر وأحوالها وأعربت عن أمنيتها أن تحضر لمصر وتوجه تحية خاصة للشباب الذين قاموا بالثورة لأن ماحدث منهم شيء يفخر به العالم أجمع. وإذا كانت »دلفين« بدأت حياتها في منتصف التسعينات وذلك بعد أن أنهت دراستها في المدرسة الوطنية العليا للمسرح بالإضافة إلي الكونسرفتوار بمدينة »أورليان«.. وفي خلال هذه السنوات الست قدمت العديد من المسرحيات كما شاركت في عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية بالإضافة إلي أفلام روائية قصيرة. »دلفين« رغم سنها الصغيرة ومشوارها القصير وإن كان متنوعا وشديد الثراء تري أن التمثيل مجهد جدا.. وأن الدخول والخروج في شخصيات بتركيبات مختلفة يتعب الجهاز العصبي للفنان.. ولذلك التمرين طوال الوقت ليتخلص من الآثار السلبية لكل الشخصيات التي يقوم بتقمصها. ورغم هذه السن الصغيرة نسبيا إلا أنها مثل غيرها من الممثلات تخشي من تقدم العمر والاحتياج المادي.. وقد كانت لوفاة الفنانة العبقرية »آني چيرار دو« ومأساة عدم استطاعتها تدبير تكاليف معيشتها في أحد بيوت المسنين مأساة هزت كثيرا من فناني فرنسا وأثارت مخاوفهم.. وكانت الراحلة »چيراردو« قد قامت ببيع شقتها لتستطيع أن تدبر مصاريف حياتها في أيامها الأخيرة. وقد قدمت ابنتها عتابا تكلمت فيه عن معاناتها في السنوات الأخيرة مع الشيخوخة ومرض الزهايمر. ولا تنكر »دلفين« أنها في بداية حياتها الفنية كانت لا تستطيع رفض أي دور لكن من حسن حظها أن كل الأدوار التي عرضت عليها منذ البدايات كانت جيدة جدا.. وهذا جعلها لاتخطئ في اختياراتها. ومابين المخرجة »چيرالدين بادچ« والممثلة »دلفين شييوه« درجة كبيرة من الود والمودة الإنسانية بالإضافة إلي صداقة وطيدة جمعت بينهما.. لأنهما متشابهتان بشكل كبير.. وعن علاقتهما أثناء التصوير وماقبله أجابت »دلفين« بأن التصوير كان رائعا رغم صعوبته.. فقد كانت هناك روح من الألفة تجمع بيننا جميعا.. خاصة أن »چيرالدين« مخرجة شديدة الذكاء.. لذا فقبل التصوير تقبل كل ملحوظة مهما كانت صغيرة أو تبدو غير مهمة.. مما يشعر جميع العاملين بالراحة. أما چيرالدين فتقول أمضيت ست سنوات ليري هذا الفيلم النور حقيقة كان في البداية مفترضا أن يكون تسجيليا لكن حماس المنتجين لي في تحويله إلي فيلم روائي جعلني أغير من خططي كلها وإن كنت أتمني فيلمي الثاني يأخذ وقتا أقل بكثير. وستظل السينما تحمل أجمل وأرق الحكايات الإنسانية وإن كانت في بعض الأحيان مغلفة بما يشبه أوراق »السيلوفان« الشفافة بكثير من العنف والقسوة والمرارة.. لتعود مرة أخري للخيوط الدقيقة وغير المرئية التي تفصل مابين الكثير من الأشياء في الحياة. ❊ ❊ ❊ ومن أجمل الأفلام ذات الطابع الإنساني الشديد »تصريح في منتصف الليل«.. وذلك من خلال قصة واقعية بطلها طفل صغير 31عاما مصاب بمرض نادر وأعتذر إن كنت لا أعرف اسمه العلمي لكنه يعتبر عدوا للنهار أو بالتحديد لضوء الشمس.. العلاقة التي تجمع الطفل الصغير وطبيبه دافيد الذي يبلغ من العمر خمسين عاما.. ويتابع حالته منذ عامين يتقاربان خلالهما لدرجة لا يعتقد أحدهما أنه يستطيع أن يفترق أحدهما عن الآخر.. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث وجد »دافيد« نفسه مطالبا للسفر لمكان آخر. الفيلم من إخراج »دلفين جيلز« وعرض في إطار المسابقة الأوروبية بالمهرجان وبطولة كل من الفنان القدير »ناتسان ليذرن« و»إيمانويل ديفوس.. وكوينتن تلال«. ❊ ❊ ❊ في مهرجان مونز السينمائي لأفلام الحب مساحة الألم والعذاب بسبب الحب تكاد وفي بعض الأحيان تطغي علي مساحة الابتسامة والسعادة والفرح.. وذلك ببساطة شديدة إن الحب يجمع بين الأمل.. والألم. وفيلم الافتتاح »في عيون أمي« من إخراج الفرنسي »تييري كليفة« وبطولة كل من ممثلة فرنسا الأولي »كاترين دينيف« و»نيكولا دوفوشال«..»چان مارك بار«.. وهو يحكي عن كاتب.. وأديب يحاول أن تكشف عن علاقة مذيعة تليفزيونية كبيرة بابنتها بحجة إنه يروي كتابا عنها.. لكن إلي أي حدود من الممكن أن تدخل الصحافة في الحياة الخاصة للأشياء.. خاصة أن إبنتها لديها إبن يعيش بعيدا ولا تعرف أمه عنه شيئا.. فتأخذ الجدة علي عاتقها إعادة التواصل بينها وبين ابنتها وحفيدها. ❊ ❊ ❊ والحقيقة أن للتلفزيون بريقا في كل أنحاء العالم إلا في تليفزيوننا المصري ونجوم التليفزيون الكبار يتساوون في الشهرة والأجر والتأثير بكبار نجوم السينما العالمية.. وفي فيلم الختام »الأمريكي« »صباح النصر« للمخرج »روچيه ميتشل« وبطولة هاريسون فورد.. »راشيل ماك ادامز«.. و»ديانا كيتون«.. »وجيف جولد بلوم« وهو يروي عن »بيكر فوللر« المنتجة التليفزيونية مسئولية إنتاج جزء خاص من البرنامج الصباحي »DaybreaK« فتقبل بالمهمة وتحاول إقناع الصحفي القدير »مايك بومري« والذي اشتهر بخبطاته السياسية والاقتصادية الناجحة.. أن يتعاون معها وأن يقدم أخبارا خفيفة وخاصة برامج خاصة بالطهي .. لكنه يرفض بشدة مما يهدد البرنامج بالتوقف .. لكنها لا تستسلم بسهولة.. حتي تنجح في ذلك وتتبدل شخصية »مايك« تماما ليصبح واحدا من أهم نجوم البرنامج. ❊ ❊ ❊ ما أصعب ألا ترضخ لحكم القدر.. وتستسلم له.. لأنه ببساطة لا يمكننا أن نغيره.. والحق إن عدم الاستسلام لحكم القدر قد لايكون نقصا في الإيمان.. لكن لأنه أحيانا يصبح الانسان في حالة من الصدمة التي تجعله يبدو مغيبا عن الواقع يحتاج لوقت ليفيق حتي يتوازن مع نفسه.. ومن بين مشاعر الحب والألم والحسرة الفيلم الكندي »ثلاث أزمنة بعد وفاة آنا« من إخراج »كاترين مارتن« وهو يعد فيلمها الروائي الثاني بعد الفيلم الأول »في المدن« الذي قدمته سنة 6002.. بالإضافة إلي فيلمين وثائقيين »روح الأمكنة« سنة 6002.. و»سيدات التسع« سنة 8991. تدور أحداث الفيلم في الشتاء حيث البرودة والصقيع والثلوج في كندا.. وهو عن أم شديدة الارتباط بابنتها عازفة الكمان الشابة التي قتلت علي يد مجهول في شقتها.. الأم تصاب بالذهول ولا تصدق أبدا أن ابنتها قتلت.. وحتي تهرب من هذه الفكرة نهائيا تترك »مونتريال« وتذهب لتعزل نفسها في منزل صغير علي المحيط.. في هذا المنزل العائلي تحاول أن تسترجع تفاصيل علاقتها بابنتها »آنا« وكأنها علي قيد الحياة.. ومن خلال الطبيعة الخلابة التي تحيط بها سواء البحر أو الغابات .. كما تلتقي بإدوارد صديق طفولتها الذي عاد أيضا للبلدة.. لتبدأ رويدا رويدا في استعادة ثقتها بالحياة وتقبل الأمر الواقع.. ولقد نجحت الفنانة »جوليانا ترمبللي« في تجسد شخصية الأم الثكلي الملتاعة المغيبة عن الحياة بسبب مقتل ابنتها.. وهكذا حملنا الحب علي أجنحة سعادة غامرة وحلق بنا عاليا.. لكن في لحظات أخري أدمي قلوبنا وأبكانا علي مصائر وأحوال البشر.