في ظل استيراد مصر لمعظم المواد الغذائية الأساسية، فإن أحد الأبحاث العلمية الجديدة ستنهي أزمة نقص المحاصيل الزراعية بما يعني القدرة مستقبلاً علي تحقيق الأمن الغذائي من المحاصيل بعد مضاعفة حجم إنتاجها، والتقنية الجديدة تعتمد علي طريقة تسمي «الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية». للوقوف علي أبعاد البحث الجديد ومدي إمكانية مساهمته في دعم المنظومة الزراعية المصرية التقت «آخرساعة» الدكتور سيد الوكيل الباحث في المركز القومي للبحوث وصاحب فكرة الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية، وإلي نص الحوار. التقنية الجديدة تعتمد علي انتخاب السلالات النباتية القوية يمكن من خلالها إنتاج نباتات تتحمل الملوحة وتقاوم الأمراض الزراعية ما هي فكرة البحث الجديد الذي يضاعف إنتاجية المحاصيل؟ - فكرة البحث تقوم علي انتقاء خلايا محددة من نبات ذي إنتاجية كثيفة وإعادة زراعتها معملياً مرة أخري، عبر وضعها في بيئة محاكية للبيئة الطبيعية التي يتم زراعتها بها في الأساس، بحيث تنتج نباتاً مشابهاً للنبات الأم في وفرة وغزارة الإنتاج، بطريقة بإمكانها تلافي المشكلات الزراعية التي تحدث عادة في طريقة الزراعة الحقلية العادية. من أين جاءتك فكرة الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية؟ في ظل تزايد عدد السكان كان لابد في المقابل أن تواكب الإنتاجية الزراعية هذه الزيادة المطردة، لكن الزراعة بالطرق التقليدية لم تعد تعطي إنتاجاً كافياً يغطي الاحتياجات الغذائية المتزايدة، فكان لابد من اللجوء إلي تقنية جديدة وهي زراعة الأنسجة والخلايا النباتية، التي يمكن بواسطتها أن يتم إنتاج أعداد لا حصر لها من النباتات معملياً، وكذلك يمكنها إنتاج بعض النباتات ذات صفات تتحمل الملوحة أو نباتات مقاومة للأمراض الزراعية. ومتي بدأت العمل علي البحث الخاص بالزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية في المركز القومي للبحوث ؟ - العمل جارٍ علي بحث الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية منذ عام تقريباً، وهو قائم علي فكرة أخذ خلايا من نبات يتميز بإنتاجية عالية ووضعها في بيئة مشابهة للبيئة الطبيعية من أجل إنتاج أعداد كبيرة من النباتات عالية الإنتاجية تكون مطابقة للنبات الأم في المواصفات الزراعية خلال مدة قصيرة. ما هي خطوات الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية تحديدا؟ - زراعة الأنسجة تتطلب محاكاة البيئة التي يتم فيها زراعة النبات في الطبيعة، فالنبات في الظروف العادية تتم زراعته في تربة وجد بها عناصر مغذية وماء وفيتامينات، أما في عملية الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية فيتم تحديد صفات نبات عالي الإنتاجية وانتقاء جزء منه سواء من الأوراق أو البرعم شريطة أن يكون خالياً من الأمراض ووضعه في وسط مغذٍ من مادة الأجار - وهي عبارة عن مستخلص من الأعشاب والطحالب يتم استيراده من الخارج - ومن ثم يتم البدء في زراعته في بيئة محاكية للبيئة الخارجية التي تشمل التربة والمياه ، مع وضع عنصر إضاءة للنبات يماثل ضوء الشمس ، لتبدأ مراحل نموه التي تشمل مرحلة الزيادة العددية ومرحلة الاستطالة وأخيراً مرحلة التجذير، وبعد ذلك تأتي عملية التأقلم داخل الصوبة لينقل بعدها إلي الزراعة الحقلية مباشرة . هل قمت بتطبيق عملي للبحث علي الأنواع الزراعية داخل المركز؟ - قمنا في المركز القومي للبحوث بإجراء تجربة الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية علي أنواع معينة من الفاكهة، وكذلك بعض المحاصيل الاستراتيجية مثل نبات الجوجوبا الذي يمكن استخدامه بعد المعالجة كوقود حيوي للطائرات، وهذا النبات يمكن زراعته في الأراضي الصحراوية لأنه يتحمل ملوحة الأرض والعطش، وبعد ذلك سننتقل إلي مرحلة المحاصيل الزيتية ذات القيمة الاقتصادية. ما الذي يميز طريقة الزراعة تلك عن طرق الزراعة التقليدية؟ - ميزة الزراعة بالأنسجة والخلايا النباتية هي إنتاج أعداد كبيرة من النباتات مطابقة تماما للنبات الأم الذي اقتطعت منه الخلية في عملية تتم في وقت قصير ، فخلال عام من فترة التأقلم للنبات المستهدف زراعته من الممكن أن يعطي إنتاجا خاليا من الأمراض الفيروسية ومتماثلا من الناحية العمرية ، وذلك علي عكس طرق الزراعة العادية ، فمشكلة الزراعة التقليدية هي عدم القدرة علي التحكم في عوامل نمو النبات ، لذلك نجد اختلافات واضحة بين أحجامه التي تنقسم مابين نبات ذي نمو مبكر أو نبات ذي نمو متأخر وهو ما يحدث تذبذبا في حجم الإنتاجية الزراعية . ما العقبات التي واجهتك أثناء القيام بالبحث الجديد؟ - ارتفاع سعر مادة «الأجار» التي تمثل الوسط البيئي المغذي للخلية النباتية كانت أبرز المشكلات التي واجهتني أثناء إجراء البحث لأنها توازي حوالي 70% من تكلفة المشروع البحثي، لذلك كنت أهدف إلي خفض التكلفة من 70% إلي 35 % عبر استبدال مادة « الأجار» بمادة « الهيدروجيل» بالتعاون مع الدكتور أحمد والي أستاذ الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث ، حيث قمنا بالاعتماد علي مادة الهيدروجيل تدريجياً من تركيزات بدأت بنسبة 25% إلي أن وصلنا إلي نسبة 100% لنجد أن مادة الهيدروجيل تفوقت علي مادة الأجار في إعطاء نبات أكثر قوة، كما أنها تستطيع اختصار فترة الأقلمة التي تسبق نقلها النبات إلي الحقل مباشرة . هل يندرج البحث الجديد ضمن أبحاث الهندسة الوراثية؟ - البحث الجديد لايندرج ضمن أبحاث الهندسة الوراثية التي تقوم بتعديل الجينات أو إحداث طفرات وراثية في النبات ولكنه يقع في نطاق أبحاث التكنولوجيا الحيوية التي تنقل الخلية من النبات ذي الإنتاجية العالية، ولذلك فإن الزراعة عبر الأنسجة والخلايا النباتية تنتج نباتات آمنة تماماً علي الصحة العامة. هل تقدمتم بطلب للحصول علي براءة اختراع للبحث الجديد؟ - تقدمنا عن طريق مكتب براءة الاختراع بالمركز القومي للبحوث بطلب لتسجيل البحث الجديد، والمركز من جانبه يقوم بالتنسيق مع أكاديمية البحث العلمي من أجل تسجيله، حيث قمنا بإرسال الأوراق كاملة بعدما تم استيفاء ملف البحث بالكامل من أجل إثبات وتوثيق أننا أول من عمل به ولكن سيستغرق الأمر حوالي عامين لكي نحصل علي البراءة الفعلية. كيف يمكن أن يساهم هذا البحث في سد الفجوة في الإنتاج الزراعي في مصر؟ - الزراعة باستخدام الأنسجة والخلايا النباتية تعتمد علي استخلاص عناصر النبات ذي الإنتاجية العالية والإكثار من إنتاجه عن طريق الخلية المستزرعة بحيث يخرج في صورة مماثلة للنبات الذي تم أخذ الخلية منه، عبر مايسمي بعملية الانتخاب للسلالات النباتية القوية، واختصار الفترة الزمنية التي يظل فيها في التربة وملوثاتها وبالتالي يكون الإنتاج أعلي من استخدام الطرق العادية. هل هناك تواصل مع وزارة الزراعة من أجل تطبيق البحث علي نطاق واسع؟ - من المفترض أن يكون هناك تعاون مشترك بيننا وبين وزارة الزراعة داخل المركز القومي للبحوث لكي يكون هناك تكامل في الرؤية والأبحاث التطبيقية، فمركز البحوث الزراعية لديه فروع متعددة علي مستوي الجمهورية، ويمكن نشر هذا البحث إذا ما كانت هناك إجراءات تطبيق فعلي واستعمال لمعامل زراعة الأنسجة التابعة لوزارة الزراعة وبالتالي يتم تقليل تكلفة زراعة النباتات بالأنسجة والخلايا النباتية.