ظل ما تواجهه مصر من تحديات علي المستوي الزراعي والمائي فإن أحد البحوث الزراعية بالمركز القومي للبحوث قدم حلا عمليا لهذه المشكلة عبر الزراعة بالهيدروجيل، التي تعتمد علي خلط التربة بمادة معينة تحتفظ بالمياه لفترات طويلة، ما يحد من كميات المياه المستخدمة في ري الأراضي المستصلحة حديثا، ويتيح زراعة محاصيل تقف كثرة استهلاكها للمياه عقبة أمام زيادة مساحاتها مثل الذرة الصفراء، وكذلك يتيح التوسع في زراعة المحاصيل الأساسية. "آخرساعة" التقت الباحث الدكتور محمد فاروق القرماني، المشرف علي مزرعة المركز القومي للبحوث، والقائم علي المشروع البحثي للزراعة بالهيدروجيل في منطقة "النوبارية"، لتوضيح مدي إمكانية استفادة المنظومة الزراعية في مصر من هذا البحث الجديد. يوفر من 25% إلي 50% من المياه المستخدمة في الري يمكن من خلاله التوسع في زراعة علف الذرة الصفراء في الأراضي الرملية من أين جاءت فكرة زراعة المحاصيل باستخدام الهيدروجيل؟ - الفكرة تُطبق بالتعاون مع شعبة النسيج في مركز البحوث فهي التي تتولي تصنيع مادة الهيدروجيل، وهي مادة مخلّقة من النشاء يتم إضافتها وخلطها بالتربة، ولها قدرة عالية علي امتصاص السوائل والاحتفاظ بالمياه، فجرام واحد من الهيدروجيل يستطيع الاحتفاظ بحوالي 400 إلي 1500جرام ماء داخل مسام التربة لمدة تصل إلي 3 سنوات، وهي مصممة خصيصا للزراعة في الأراضي الرملية، فمشكلة الزراعة في تلك الأراضي تكمن في تسرب المياه منها بصورة سريعة نتيجة كبر حجم حبيباتها، فلا يستفيد منها النبات إلا بكميات قليلة، ولكن مع استخدام الهيدروجيل تبقي المياه موجودة تحت سطح الأرض لمدة طويلة، وكلما احتاج النبات إلي المياه تستطيع جذوره السحب من المخزون المائي المتركز في مادة الهيدروجيل، ونحن من جانبنا نتولي الجانب الزراعي التنفيذي في استخدام الهيدروجيل حيث أثبتت البحوث التي تم إجراؤها بمزرعة المركز القومي للبحوث نجاح مادة الهيدروجيل في توفير مياه الري وذلك دون التأثير علي كمية المحصول النهائي سواء كان من البذور أو من الحبوب. متي تم البدء في تطبيق هذه التقنية في المركز القومي للبحوث؟ - بدأنا منذ ثلاث سنوات بتطبيق تقنية الزراعة بالهيدروجيل في مزرعة المركز القومي للبحوث بالنوبارية في محاصيل القمح والشعير وعباد الشمس وبنجر السكر داخل صوب زراعية من أجل التحكم في كافة الظروف المناخية والزراعية أثناء التجربة، فكانت كمية التربة الموجودة داخل الإصيص في الصوبة تزن 10 كيلو جرامات واستعملنا معها كمية هيدروجيل تقدر بخمسة جرامات ثم تم احتساب كمية مياه الري المستخدمة بدقة بعد ذلك، وبعد نجاح الفكرة داخل الصوب الزراعية اتجهنا إلي التطبيق الحقلي علي عباد الشمس وعلي بنجر السكر وعلي القمح والشعير وفول المانج في أراض مفتوحة، التي حققت بدورها نجاحا تاما في الموسم الماضي. كيف كانت نتائج الزراعة بالهيدروجيل علي المحاصيل الزراعية؟ - بعد تطبيق الزراعة بالهيدروجيل تم توفير 25% من المياه المستخدمة في ري محاصيل عباد الشمس وبنجر السكر، علاوة علي توفير 50% من مياه المستخدمة في ري محاصيل القمح والشعير وفول المانج. هل تختلف طريقة الزراعة بالهيدروجيل مع المحاصيل الحقلية عن محاصيل الفاكهة مثلا؟ - في البداية يتم توزيع الكمية الموصي بها من الهيدروجيل وهي تقدر بكمية تتراوح بين 16 و20 كيلو جراما للفدان الواحد، وبعد ذلك يتم حرث الأرض لتغطية الهيدروجيل وهذا في حالة المحاصيل الحقلية، أما في حالة محاصيل الفاكهة فأثناء حفر الجورة للشتلات يتم وضع الهيدروجيل ثم يتم وضع الشتلة وتردم بالرمال بعد ذلك. كيف يمكن أن تساهم الزراعة بالهيدروجيل في سد احتياجات قطاع الأعلاف في مجال الثروة الحيوانية والداجنة؟ - أكبر مكونين في علف الدواجن يتم استيرادهما من الخارج هما الذرة الصفراء التي تشكل حوالي 50% من أي خلطة علف ويتم استيرادها بحوالي 1.6 مليار دولار وكُسب فول الصويا الذي يتم استيراده بحوالي نصف مليار دولار، ومن الممكن الاستغناء أو تعويض جزء كبير من الكمية المستوردة من الذرة الصفراء عن طريق زراعتها في أراض جديدة وذلك باستخدام مادة الهيدروجيل فيتم تقليل الكميات الكبيرة من مياه الري المستخدمة في زراعة الذرة الصفراء التي تقف كعائق أساسي أمام التوسع في زراعتها، في الأراضي الرملية، أما علف كسب فول الصويا، فيمكن الاستعاضة عنه بزراعة محصول فول المانج وهو محصول بقولي منتشر في دول آسيا وقيمته الغذائية مرتفعة لأن بذوره تحوي من 22 إلي 28% بروتينا غذائيا، كذلك فإن "الهيرش" الخاص به أو مخلفاته من بقايا السيقان والأوراق غنية بالبروتين الغذائي، لذا من الممكن أن يكون علفا بديلا يسهل إنتاجه داخل مصر علي عكس كسب فول الصويا المستورد من الخارج، وفيما يتعلق بعلف الإنتاج الحيواني في مصر، تصل الاحتياجات الغذائية الخاصة بهذا القطاع إلي 10 ملايين طن علف، والمتاح من الإنتاج المصري 6.5 مليون طن فقط، بينما يصل العجز إلي 3.5 مليون طن من العلف، وهنا يمكن سد هذه الفجوة عبر استخدام المخلفات الزراعية، فبعدما يتم جني المحصول الرئيسي من حبوب أو فاكهة أو خضر، يتبقي مخلفات نباتية يمكن تحويلها إلي علف غير تقليدي، ونحن لدينا مخلفات زراعية ضخمة جدا في مصر منها 28 مليون طن تبن قمح، و2.9 مليون طن قش أرز من الممكن إعادة استخدامها وتقطيعها إلي أحجام من 2 إلي 3 سم ويضاف إليها غاز الأمونيا أو حبيبات اليوريا بنسبة 5% ويتم بعد ذلك تغطيتها لمدة 3 أشهر لاستخدامها كعلف حيواني. ما المناطق والمحافظات التي يمكن البدء في تطبيق الزراعة باستخدام الهيدروجيل بها؟ - يمكن البدء في المحافظات الحدودية مثل محافظات شمال سيناء ومرسي مطروح والوادي الجديد لزراعة المحاصيل الزيتية مثل عباد الشمس والقمح والشعير ومن الممكن أيضا زراعة محاصيل الفاكهة مثل الرمان والتين، وفي محاصيل الخضر يمكن زراعة الفلفل والجزر، وكذلك يمكن استخدام الهيدروجيل في الأراضي المستصلحة حديثا خاصة في توسعات مشروع المليون ونصف المليون فدان. كيف يمكن الخروج بفكرة الزراعة بالهيدروجيل للتطبيق علي مستوي واسع؟ - نشر الفكرة بين جموع المزارعين يمكن أن يتم عبر مراكز ا لإرشاد الزراعي التي تتبع المركز القومي للبحوث، كما أن وزارة الزراعة يمكن أن تساهم في هذا الأمر عبر محطاتها المتواجدة علي مستوي محافظات الجمهورية التي تستطيع أن تنشر فكرة البحث بطريقة أفضل بين المزارعين.