مازال مصير مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد لغير المسلمين غامضا، علي الرغم من تواصل النقاشات داخل الكنائس والروابط المسيحية للانتهاء من مشروع القانون، في وقت يقترب البرلمان من الانتهاء من اختيار لجانه الداخلية تمهيدا لبدء مناقشة مشروعات القوانين التي يأتي في مقدمتها القانون الأكثر انتظارًا من قبل نحو 10 ملايين مسيحي، فتأجيل إصدار القانون بات واقعا، حيث جاء اختلاف الكنائس واعتماد كل واحدة منها علي إقرار تصورها الخاص حول اللائحة باعتماد رؤيتها القائمة علي تعاليمها، ما سيؤدي إلي تأجيل إصدار القانون حتي يتم التوفيق بين رؤي الكنائس المختلفة. اختلاف موقف الكنائس من ملف الأحوال الشخصية لرعاياها أدي إلي إجهاض فرصة إصدار لائحة موحدة لجميع الطوائف المسيحية، إذ تؤمن بعض الكنائس بالطلاق فيما ترفضه أخري إطلاقا، وبينما بقيده البعض وفقا لقواعد محددة يطلق البعض الحق في الطلاق دون أي قيود، ما جعل إمكانية توحيد الرؤي بين الكنائس دربا من الخيال، ليكون البديل المطروح أن يقر القانون المقترح مبادئ عامة في معظم مواده، علي أن يقر القانون الاختلاف بين الكنائس ويعطي كل منها صلاحية في القضايا ذات الاختلاف، ما يراه البعض تفريغا للقانون من صفة «الموحد» وإقرار صيغ تعددية بديلا عنها. مصدر كنسي قال ل«آخرساعة» إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بقيادة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، انتهت من صياغة لائحة الأحوال الشخصية الجديدة، وتم إقراره من قبل المجمع المقدس، وجاري مراجعته من قبل مستشاري الكنيسة، وأن اللائحة تتضمن بعض الحلول لمشاكل كثيرة متعلقة بالأحوال الشخصية للأقباط، مع احتفاظ كل طائفة بخصوصيتها، فضلا عن تيسيرات لمتضرري الطلاق، وأشار إلي أن الدستور نص علي مناقشة قانون بناء الكنائس لذلك سيكون له الأولوية في دور الانعقاد الأول، علي أن يعقبه مناقشة قانون الأحوال الشخصية الذي ربما يتأخر إلي دور الانعقاد الثاني، الذي يبدأ في أكتوبر المقبل وفقا لما هو معلن من قبل البرلمان. ومن ضمن الإضافات الجديدة للائحة استحداث مواد تجيز الطلاق للهجر واستحكام النفور لمدة 5 سنوات متصلة، كما تم استحداث سبب آخر كمانع من موانع الزواج وبطلانه وهو الإدمان، وإثبات الشذوذ الجنسي كذريعة للطلاق، إلا أنه لم يتم إقرار الإلحاد كذريعة للطلاق في الكنيسة الأرثوذكسية، وشدد المصدر الكنسي علي أن القانون المقترح لن يخالف تعاليم الإنجيل وآباء الكنيسة. وفيما يبدو أن الكنيسة الأرثوذكسية تكاد تنهي مشاوراتها الداخلية حول الأحوال الشخصية، فيما عقد المجلس الملي الإنجيلي، اجتماعا مغلقا الجمعة الماضي، لمناقشة موقف الكنيسة الإنجيلية من مشروع القانون، الذي يستند إلي قانون الأحوال الشخصية للإنجيليين والصادر في العام 1902 والمكون من 107 مواد تتعلق بقواعد الزواج والطلاق، وسيواصل المجلس الملي الإنجيلي مشاوراته برئاسة القس أندريه زكي، رئيس الطائفة في مصر، شهر أبريل المقبل لحسم تصور الكنيسة الإنجيلية لقانون الأحوال الشخصية فيما يخصها، خاصة أن الكنيسة الإنجيلية تضع شروطا أكثر اتساعا لمفهوم الطلاق. «لا طلاق في الكاثوليكية وموقفنا لا يقبل النقاش»، هكذا قال الأب رفيق جريش، مدير المكتب الصحفي للكنيسة الكاثوليكية في مصر، مضيفا ل«آخرساعة»: «كاثوليك مصر يخضعون كغيرهم من كاثوليك العالم لقانون دولي موحد للكنيسة الكاثوليكية فيما يخص الأحوال الشخصية، فمثلا لا طلاق في الكاثوليكية هناك فقط بطلان للزواج يتم في أضيق الظروف، لذلك موقفنا واضح وصريح بعدم إمكانية إصدار تشريع موحد لجميع الكنائس، ولذلك كان موقفنا بأن يقر القانون المقترح لجوء كل كنيسة إلي لائحتها الخاصة». وأشار جريش إلي أن هذا الرأي تم الأخذ به وإقراره كقاعدة يبني عليها قانون الأحوال الشخصية، مؤكدا أن اعتراض الكنيسة الكاثوليكية علي الزواج المدني قاصر فقط علي إدراجه ضمن قانون الزواج الكنسي الذي هو شأن روحي في الأساس، وأنه لا اعتراض علي الزواج المدني طالما كان تعبيرا عن الحرية الشخصية، لكن علي أن يظل بعيدا عن الكنيسة. اتفاق الكنائس فيما بينها علي أن تحتكم كل كنيسة إلي لائحتها الخاصة، لم يمر مرور الكرام، إذ رأي المحامي رمسيس النجار، المستشار القانوني للكنيسة الأرثوذكسية سابقا، في تصريحات ل»آخر ساعة»، أن مشروع القانون الجديد سيولد مشاكل وأزمات جديدة، لأن الكنيسة الأرثوذكسية لم توسع مواد الطلاق والتطليق وجاءت مختصرة في الكثير من بنودها، في حين كان لابد أن تكون أكثر اتساعا لتشمل مختلف الحالات، كما أن أزمة الزواج الثاني ستظل قائمة لأن الكنائس تعطي تصريحا بالزواج الثاني في أضيق الظروف، إلا أنه أشاد بتضمين الهجر كأحد مسببات الطلاق في لائحة الكنيسة القبطية باعتباره سيشكل حلا للعديد من الأزمات في مسألة الحصول علي حق الطلاق. من جهته، أكد الدكتور جمال أسعد، المفكر القبطي، ل«آخر ساعة»: «أن إقرار قانون الأحوال الشخصية سيتأخر وربما يتم تأجيله، بسبب مواقف الكنائس المتشددة وتمسكها بلوائحها الداخلية، ما يعني عدم إمكانية تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف، وهو ما أدي لتوقف مشاورات الكنائس الثلاث حول المشروع والعمل علي إعداد صيغ منفصلة من القانون بحسب تقاليد كل كنيسة وتعاليمها، علي أن تقوم السلطة التشريعية بإعادة صياغة هذه الأفكار في شكل قانون ينص علي احترام خصوصية كل كنيسة، أي أنه سيحافظ في شكل الوضع القائم ولكن بصياغة جديدة». وأشار أسعد إلي أن الكنائس غير متفقة فيما بينها في قضايا مفصلية، مثل قضية الطلاق فالكاثوليك يرون أنه لا طلاق، فيما تضع الكنيسة الأرثوذكسية بعض الشروط المقيدة للطلاق، أما الكنائس البروتستانتية ومنها الكنيسة الإنجيلية فتسمح بالطلاق لأسباب كثيرة، ومن هنا يتضح أن المواقف ستكون متضاربة وربما تؤثر علي صياغة القانون في شكله النهائي، وتخلق حالة من حالات تضارب المصالح بين معتقدات الكنائس، أضاف: «كنت أعتقد أن الأفضل أن تصدر الدولة القانون المنظم لحق الزواج المدني بين جميع المصريين دون النظر لدين، فيحق للمسيحيين وقتها الزواج بشكل مدني بعيدا عن الاصطدام بالكنائس التي لن تغير من معتقداتها أبدًا، وستعمل ما في وسعها للالتفاف حول القانون وتفريغه من مضمونه لصالح القوانين الكنسية». بدوره قال نادر الصيرفي، مؤسس رابطة «38 لمتضرري الأحوال الشخصية» إن إقرار الكنيسة لمواد تبيح الطلاق المدني يعد إنجازا سعي لتحقيقه آلاف الأقباط ممن تضرروا من اللائحة، لكنه أضاف ل«آخر ساعة»: «المشكلة لن تظهر في الطلاق لأن المواد الجديدة يمكن اعتبار أنها حلت الأزمة ولو جزئيا، لكن الأزمة الحقيقية ستظهر في إصرار الكنيسة علي عدم إعطاء الراغبين تصاريح بحق الزواج الثاني»، محذرا من أن تمسك الكنيسة الأرثوذكسية بإعلان لائحتها من جانب واحد دون اعتبار لبقية الكنائس سيعمق من الانقسام بينها، وبالتالي سيؤدي إلي تأخير موعد صدور قانون اللائحة الشخصية، مطالبا البرلمان بسرعة مناقشة مشروع القانون وإقراره حتي لا يضيع في دهاليز الكنيسة.