وزير الدفاع يتفقد قوات المظلات والصاعقة ويمر على ميدان الاقتحام الجوي وجناح القفز    «النقد الدولي» يبقي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري عند 4.1% في 2025 (تفاصيل)    وزير المالية من واشنطن: 3 أولويات لتعزيز البنية المالية الأفريقية في مواجهة التحديات    حزب الله يعلن شن عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    موسيالا يعود لقائمة بايرن ميونخ ضد برشلونة فى دورى أبطال أوروبا    رونالدو وماني في الهجوم، تشكيل النصر السعودي أمام الاستقلال الإيراني بدوري أبطال آسيا    بحوزته رشاش جرينوف.. حبس عنصر إجرامى شديد الخطورة 4 أيام على ذمة التحقيقات ب قنا    محافظ كفرالشيخ: تشغيل المخابز على مستوى المحافظة من الساعة ال5 صباحًا يوميًا    شيرين وأنغام ونجوى كرم، تفاصيل أبرز حفلات النجوم بدبي قريبا    إعلام الاحتلال: نتنياهو وبلينكن يعقدان اجتماعا لا يزال مستمرا منذ ساعتين    ولاء الشريف في أحدث ظهور لها من تأدية مناسك العمرة    وصول عدد من الخيول المشتركة فى بطولة مصر الدولية للفروسية    جيش الاحتلال يعتدي على المزارعين الفلسطينيين    الطب الشرعي يفجر مفاجأة في اتهام موظف مدرسة إعدادي بالتح.رش بالطالبات    صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    حتى عام 2027.. مفاجأة بشأن تجديد عقد محمد صلاح مع ليفربول    حبس المتهمين في واقعة تزوير أعمال سحر ل مؤمن زكريا لمدة 3 سنوات    بسبب القصف الإسرائيلي.. نادين الراسي تغادر منزلها بالبيجاما    خبير اقتصادى: وجود مصر فى مجموعة "بريكس" له مكاسب عديدة    وزير الصحة يشهد جلسة نقاشية حول التعليم كركيزة أساسية لتحقيق التنمية البشرية المستدامة    بعد تحريك أسعار البنزين.. هل أتوبيسات المدارس الخاصة تتجه للزيادة؟    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 42 مسيرة روسية خلال الليلة الماضية    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    طرق طبيعية للوقاية من الجلطات.. آمنة وغير مكلفة    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    لقاءات تثقيفية وورش فنية متنوعة للأطفال بثقافة الإسماعيلية    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    لهؤلاء الطلاب بالأزهر.. إعفاء من المصروفات الدراسية وبنود الخدمات - مستند    طلقت زوجتي بعد خيانتها لي مع صديقي فهل ينفع أرجعها؟.. وعضو الأزهر للفتوى تجيب- فيديو    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    ألمانيا تسجل أول حالة إصابة بفيروس جدري القرود    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    منافس الأهلي - كريسبو: شباك العين تتلقى العديد من الأهداف لهذا السبب    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    إسرائيل تعلن القبض على أعضاء شبكة تجسس تعمل لصالح إيران    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    إبراهيم عيسى يكشف سبب مطالبة الرئيس السيسي بمراجعة برنامج صندوق النقد    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«آخرساعة» حاورتهم داخل «العباسية»
مدعو الألوهية والنبوة في مستشفي المجانين
نشر في آخر ساعة يوم 01 - 03 - 2016

أنا مش مجنون.. أنا عاقل جدا.. إنتوا إزاي مش شايفين السماء والأرض اللي بيكلموني.. أنا مش رافض أكون نظيف.. الكون هو اللي بياكل جلدي.. هما مش عارفين مصلحتهم أنا اللي لازم أمنعهم.. دا مجنون دا فاكر نفسه نبي مع إن أنا منزلتش عليه رسالة.. اسكتوا كلكم أنا الوحيد اللي معايا خطة إصلاح الكون، حينما كنا نسمع حكايات هؤلاء كنا نعتقد أنهم «مجانين»، لكن العلم أثبت أنهم مرضي وليسوا مجانين وأن ما يفكرون فيه حقيقة مثبتة لديهم، فكما أن كل إنسان منا لا يتحدث أو يستمع أو يتصرف إلا بأمر من عقله، أيضا هؤلاء لا يتحدثون أو يستمعون أو يتصرفون إلا بأوامر وإشارات من المخ.. الفارق الوحيد أن الإشارات المخية لديهم تعمل تلقائيا وبدون تحكم فيها.
مينا يعتقد أن الكون يتآمر عليه لأنه يحمل الإنجيل
مريض يحمل رسالة إلي السيسي للقضاء علي الأعداء.. وآخر لديه خطة لغزو العالم
محمود يسمع أصواتاً من السماء.. وأسامة: »أنا ربكم الأعلي«
طبيب نفسي أصيب بمرض الفصام فقتل أمه لإخراج الجن من بطنها
كبير أطباء المستشفي سابقاً: مرضي البارانويا سهل استقطابهم من جانب »داعش«
الإشارات المسئولة عن السمع عند «محمود علي عناني» أسمعته أصواتا تخرج من السماء دون أن يسمعها غيره، أما مينا إدريس فيشاهد الكون كل لحظة وبكل دقة وهو يهيل عليه التراب لأنه يحمل الإنجيل، فيما يري عناني أن هؤلاء لم يستمعوا لأوامر الله التي أنزلت عليه، لذلك يجب أن يُطبّق عليهم الحدود، وأسامة عبدالحافظ يري أنه ربنا وأن هذا النبي ليس من حقه أن يعاقب هؤلاء، لأنه لم يأمر بنزول الرسالة عليه، أما «علي» فلا يعرف لماذا لا يطبِّق رئيس الجمهورية خطته الجيدة لإصلاح الكون.
حينما تشعر أنك أصبحت إنسانا آخر تبحث بداخلك عن عبارات جديدة لتترجم بها ما يدور بداخلك، وحينما تصبح غير قادر علي معرفة من هو العاقل ومن هو المجنون تأكد أنك لم تقف فقط علي باب مستشفي الأمراض العقلية بل طرقت أبوابها وذهبت إلي عالم يظنون أنهم أسوياء أو إلي عالم نظن أنهم مجانين.
فهذا هو محمود عندما بدأت الحديث إليه لم أستطع أن أعرف هل هو طفل صغير أم هو رجل مسن، فهو يتحدث بكلمات غير مترابطة وغير مفهومة، لكن لها «منطق»، مثل طفل يريد أن يقص لنا شيئا لكنه لا يجيد التعبير أو مثل رجل مسن لكنه يعاني من «الألزهايمر»، فيتذكر بعض الجمل وينطقها ثم يتوقف لينطق عبارات أخري غير مترابطة.
عندما تكلم قال: «أنا محمود علي عناني مابشتغلش.. كنت طالب في الجامعة ووصلت لحد سنة تالتة كلية الآداب، نجحت فيها بس لم ألتحق بالسنة الرابعة بسبب تعرضي لأزمة قلبية ثم أجريت عملية والحمد لله كنت بحس بإرهاق شديد.. هنا (يقصد المستشفي) كويسين برضوا بس شويه يفهموا وشوية مايفهموش لما بقولهم مثلا ماتشربوش سجاير أو شاي كتير.. مابسمعش حاجة بس عبدالحليم حافظ بيجبلي تعب شديد.. مش عارف الألحان كلها مش كويسة.. المرضي الكتير ممكن يكلموني.. يخشُّوا عليا الأوضة.. بس أنا خلاص قضيت 18 سنة المفروض أخرج.. ماكنتش باصلي كتير.. درجة إيماني كبيرة والدكتور كان بيديني حاجات غلط.. الحبايه ساعات بتكون سليمة وساعات لأ.. أنا خفيت من الخبث والدهاء والنرفزة والتشجنات والغيرة والحقد والتدخل في شئون الغير والقتل.. كان عندي حاجات من دي كتير.
يواصل عباراته غير المترابطة: أنا دلوقت عندي 42 سنة أو 44 سنة.. دلوقت مابقاش عندي لا خبث ولا دهاء مبقاش في مشاكل خالص أنا مبحبش نفسي أكتر من الغير إذا المريض دوا حصله حاجا أحب أنقذه بس هو مبيتعاونش معايا.. ببص ألاقيه مش ممكن اعتدي عليه الكلام اللي هو دخل في الفهم اللي أنا بفهمه بحاول أبعده عني إذا مبعدش بحاول ممكن أهيج عليه بفهمه ابعد عن الكلام اللي أنا بقراه إذا هو قراه برضوا زي ما أنا بقراه أنا بقراه بالدراسات اللي انا بتعلمها فأنا درست حتي الثانوي العام.. ماكنش قصدي لما أدرس الفلسفة أبقي فيلسوف أو دكتور نفساني كنت بدرس عشان أتعلم.. عايزين يكشفوا علي صحتهم.. لما جيت كنت سليم شوية حسيت إن أنا تعبت.. هما جايبني علي أساس إن أنا اعتديت علي أهلي هما قالولي كدا.. لأ كنت في وعيي انت جاي لي بالليل.. العلاج بيعمل مفعول لمدة نصف ساعة وخلاص علي كدا مش عايز اكتر، عشان بيجيب اكتئاب.. كان ممكن أستجيب للسماء واتكلم مع السماء والأرض وكنت مواظب علي صلاة الفجر وجابوني المستشفي وهربوا كلهم مكنتش بحب اتفاهم معاهم كتير عشان منساش اللي باكتبو، السماء كانت بتستجيب لي أكثر من الأرض بس هي ممكن في الآخر تكون ضحكت عليا عشان عمري الافتراضي انتهي وانتهت حياتي وهم عايزين يقضوا عليا.
عرفت بعد ذلك أن شعوري بأن هذا المريض له منطق ليس مجرد شعور، بل إن له تفسيرا علميا عند طبيبه المعالج، لأن المعني العلمي لمرض الفصام هو أنه «اعتقاد خاطيء ثابت» أي أن المريض يمتلك منطقا ثابتا لما يعتقدة لكي يقنع الآخرين ويقنع الطبيب، مما يستدعي من الأطباء إجراء اختبارات وأسئلة معقدة لكي يستطيعوا تحديد إصابته بالمرض من عدمها.
دين جديد
«أنا هاقول.. اسمي مينا إدريس فهمي صليب.. كويس بس عايز أقول حاجة، هما هيحموني أنا هستحمي.. بس في حاجة.. الجسم دا لحم البني آدم جسمه.. نيجي للجسم دا بيتأثر بدرجة الكون كويس بيتوسخ جلده من الكون، فبيبدأ يكره الميه (المياه) مع إن الميه نظافة.. دا إنجيل.. أنا هاستحمي وهاغير هدومي وهلبس لبس جديد بنطلونات جديدة شرابات وكله.. بس فيه حاجة قبل ما استحمي دلوقت انتِ عايزة تحمي بني آدم مش تجيبيلوا عشرين غيار عشان كل مُدة يستحمي وانا معنديش غيار ولا عشرين شبشب ما هي دي المشكلة، الإنجيل دا ثابت أنا رحت كنايس كتير ودخلت كنايس بس الكنائس.. لما تيجي تستحمي الإيد دي عضو من جسمك الجسم دا تقدر عليه الميه.. لا أنا ريحتي مش وحشة.. فابتبتدي تنعكس علي جسمك.. أنا مش تعبان أنا هقولك علي الحقيقة.. الوساخة بتعجل جسم الإنسان فبيدبل مثل الفرخة.. أنا مش زعلان ولا حاجة أنا مش باعترض علي الكون».
هذا المريض يعاني من ضلالة الاضطهاد التي يشعر بها، بسبب وجود دين جديد يجعل الكون يتآمر عليه لمجرد أنه يحمل الإنجيل، ومع ذلك تبقي أشهر قصة لمريض فصام هي قصة طبيب نفسي أصيب بالفصام، وهو غير مدرك، فتدهورت حالته، ذبح أمه وفتح بطنها ملقيا بها فوق «الترابيزة»، ثم نادي علي شقيقه وقال له «عملت عملية لأمك بطلع الجن من بطنها»، وهو الآن موجود في الخانكة وهذا لا يعني أنه أصيب بعدوي ولكن يعني أن عنده استعداد وراثي وبيئي لهذا المرض.
أنبياء في العباسية
خلال السنوات الأخيرة بدأت أعداد مرضي «معتقدي النبوة» في التنامي، ولأنه تم تصنيف الإصابة بهذا المرض مرضا عقليا وليس نفسيا.. التقت «آخر ساعة» عددا من الأطباء داخل مستشفي العباسية للتعرف علي الأسباب الحقيقية لهذا المرض وكيفية الإصابة به وما هي طرق الوقاية منه وهل يشكل هؤلاء المرضي خطورة علي أنفسهم أو علي المجتمع.
الدكتور سامح حجاج نائب مدير مستشفي العباسية للصحة النفسية يقول: مرضي ادعاء النبوة يعانون من وجود أفكار مرضية غير حقيقية ثابتة تماما لديهم ولا شك فيها وترتبط هذه الأفكار بثقافة المريض وديانته وهذا يحدث مع جميع مرضي الفصام والاضطراب الوجداني والذهان، بسبب وجود «لخبطة» في المسارات العصبية المسئولة عن الأفكار والإدراك والسمع والتفكير.. ما يؤدي إلي حدوث اختلال كيميائي عصبي لهذه المسارات العصبية فتعمل بمفردها وبشكل تلقائي بدون أي إشارات من المخ كأنها «شرارة» فيهيّأ للمريض أنه يسمع شيئا، لكن الحقيقة أن مخ هذا المريض بالفعل تحركت فيه الأعصاب المسئولة عن السمع لكن بدون أوامر، فلذلك يشعر المريض وحده ولا يشعر من حوله بما يسمعه عقله من أصوات، وبسبب هذا الارتباك العصبي يبدأ المريض في البحث عن تفسير لهذه الأصوات التي يسمعها فتتكون لديه أفكار ومعتقدات مرضية بأن هذا هو صوت النبي أو صوت سيدنا جبريل أو صوت ربنا.
تُسمي هذه الأفكار والمعتقدات المرضية علميا «ضلالات» فنجد مريض الاضطراب الوجداني أو ثنائي القطب يتوجه الاضطراب الكيميائي لديه في المشاعر فتحدث له نوبات، فيترنح مزاجه بين المزاج العالي والاكتئاب، فأحيانا يصبح نشاطه عاليا جدا وأحيانا ينتابه هوس واكتئاب حاد يجعله يفكر في الانتحار، وأشهر مثال علي ذلك «صلاح جاهين»، فالاختلاف هنا بين هذه الحالة وبين حالة معتقد النبوة أن عقل هذا المريض يفسر الضلالات بأنها اضطهاد.
الأمراض النفسية عباره عن اختلال كيميائي لبعض الأماكن في المخ لذلك ليس لها سبب محدد ولكن لها أكثر من سبب، فهؤلاء المرضي الذين نشاهدهم في الشوارع هم أشخاص طبيعيون جدا ويحتاجون فقط لبعض العلاج البسيط لأن مركز المخ المسئول عن الشعور بالفرح والأمل في الحياه والشعور بالاحتياج للنظافة عنده لا يعمل.
يوجد نظامان أساسيان لتشخيص هذا المرض هما نظام ICD الإصدار العاشر ونظام DSM الإصدار الرابع والخامس، وللأسف هذان النظامان الحديثان لا يتضمنان تقسيمة مرض الفصام، ولعل ذلك أحد أسباب تزايد أعداد مرضي معتقدي النبوة، ولذا نحن بحاجة لأبحاث علمية جديدة في هذا المجال خاصة أن نسبة الإصابة بمرض الفصام في أي مجتمع تعادل 1%? وهذا يعني أن لدينا في مصر حوالي 900 ألف مريض فصام وأيضا يعني أن هناك شخصا واحدا علي الأقل في كل مؤسسة مصاب أو معرض للإصابة بمرض الفصام، أما الأكثر خطورة فهو أن الشباب في عمر العشرين والثلاثين هم الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض.
ولأن هؤلاء المرضي لا يحتاجون إلي الإقامة لمدة طويلة داخل المستشفي، لسنا بحاجة لزيادة عدد المستشفيات المتخصصة في هذا الإطار، لكننا بحاجة لتوسيع الخدمات داخل المستشفيات الموجودة، كالأجهزة والصيانة ومستوي الجودة وإعداد كوادر طبية والاهتمام بالكوادر الفنية والاهتمام بنوعية الدواء وضمان عدم نقصانه والاهتمام بطب نفس المجتمع لمتابعة المريض في منزله بعد خروجه من المستشفي كما يحدث في الدول المتقدمة، وأخيرا نحتاج إلي اهتمام تشريعي لتعديل اللائحة التنفيذية لوزارة الصحة التي لم تُعدّل منذ عام 1997 والتي تم تحديد رسم دخول المستشفي فيها بثلاثة جنيهات فقط.
حوار مع الله
الدكتور أحمد رشاد استشاري الأمراض النفسية، كبير أطباء مستشفي العباسية سابقا يقول: الاعتقاد بالنبوة والألوهية مرض عقلي يصيب مرضي الاضطراب ومرضي الفصام، ومن أهم أعراضة «الهلاوس»، حيث يشعر المريض أن هناك وحيٌ منزلٌ إليه من السماء لأنه آخر الأنبياء ثم يتكلم مع الله من خلال إشارات وحوارات يظنها الآخرون هلاوس سمعية وبصرية لكنها حقائق بالنسبة له.
رسالة لرئيس الجمهورية
ويحكي لنا الطبيب قصة حالة يعالجها الآن وهو مريض يحمل رسالة لرئيس الجمهورية يبلغه فيها كيف يصلح حال البلد والكون وكيف يقضي علي الأعداء، أما المريض الآخر فهو يملك خطة لغزو العالم، ويقول: أنا أسرد لكم هذه القصة لكي ننتبه ونأخذ بالنا من أمر هام وهو سهولة استخدام هؤلاء المرضي وإقناعهم بأنهم يستطيعون تقديم عمل جميل لتخليص الوطن، وخاصة أن معظم هؤلاء المرضي لم يعرفوا أنهم مرضي والبقية التي تعرف لا تعترف أبدا بأنها مريضة، ومن هنا تأتي خطورة التعامل مع هؤلاء الذين لا يترددون لحظة في القيام بأعمال لها خطورة علي الغير بدافع أنهم يقدمون عملا جميلا للمجتمع، وبالتالي فإن هذه الحالات المرضية تكون سهلة الاستقطاب من جانب التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل «داعش».
أما نوعية المرضي الأكثر خطورة علي المجتمع فهم مرضي «الفصام البارانوي»، لأنهم يعانون من ضلالات الاتهام والشك وضلالات العظمة، فهم عندهم أصوات تأمرهم بضرورة تنفيذ رسالتهم، وبرغم أن هذا المرض منتشر في كل شعوب العالم وكل الديانات المختلفة لأنه مرض يرتبط بالدين والمعتقدات، إلا أن مجتمعاتنا مهددة بمخاطر أكثر خصوصية بسبب مرضي «معتقدي النبوة»، مجتمعاتنا أرض خصبة لتصديق «مدعي النبوة» وهؤلاء شخصيات سيكوباتية منتشرة في مجتمعاتنا لديهم قدرة علي إقناع الشخصيات الضعيفة والتأثير عليهم بسهولة.
لذلك يجب فور اكتشاف اضطراب في سلوك أي شخص أو الحديث بكلام غير مترابط التوجه إلي الطبيب المختص فورا، ومفتاح التعامل مع هؤلاء هو العلاج أو الدواء حتي تهدأ الأمور ، أما من يرفضون العلاج فالمادة 13 من قانون الصحة النفسية الجديد 71 لسنة 2009 تجيز الدخول الإجباري للمريض في حالتي رفض العلاج أو تدهور الحالة لمرحلة إيذاء النفس أو الغير.
الدكتورة سوسن الفايد أستاذة علم النفس السياسي،رئيس قسم الاتصال السياسي بالمركز القومة للبحوث الجنائية والاجتماعية تقول: هذا النوع من الأمراض ينتشر في المجتمعات التي تعاني من تدني مستوي التعليم ومن الأمية الثقافية كما لا توجد أي سبل للحلول مع وجود الجهل لأن هؤلاء المرضي يلجأون للحلول الوهمية لما لديهم من استعداد لتقبل عالم الغيبيات الذي يمثل لهم فرصا للحلول وانفراجة للحياة، ومن أهم مفاتيح القضاء علي هذه الظاهرة خلق أدوات مهمة وعميقة داخل العالم الافتراضي أو الإعلام الجديد تفيد وتجذب وتشغل هؤلاء الشباب وفي ذات الوقت ستمنع سيطرة أصحاب الأوهام والسحر علي هذه الوسائل كما ستحد وتمنع استقطاب جهات خارجية لهم ضمن خطط حروب الجيل الرابع التي تستقطب الشباب الضعيف والشباب المريض ولا يعلم، لكي يتم تجنيدهم في جماعات تمارس التطرف تحت شعار الدين حتي ينجحوا في خلق تقسيم نوعي يضعف المجتمع بعد فشلهم في مخطط التقسيم الجغرافي.
جنون العظمة
بينما تقول الدكتورة هبة عيسوي أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس: هذا المرض يسمي في الطب النفسي «جنون العظمة»، جزء من هؤلاء المرضي يبرز أحسن ما فيه والجزء الآخر يتزايد ويتضخم ليصل الإحساس لديهم إلي فوق الطبيعي فيشعر أنه المهدي المنتظر مثلا ففي حالة «الأمراض الذهانية أو الفصام الذهاني» ينقسم المرضي إلي نوع يعاني من فصام تظهر لديه أفكار العظمة مع «لخبطة» في الكلام والتفكير والحواس ونوع آخر تظهر معه ضلالات العظمة «بارانويا» أو جنون العظمة أما باقي المخ ومحاور التفكير فتعمل بكفاءة جيدة، ومن هؤلاء حالة تم علاجها بعد أن تعالت ضلالات العظمة لديه لدرجة «بارانويا الألوهية»، وكان كلما يتحدث يقول «أنا ربنا، أنا من أنزلت رسالات النبوة علي هؤلاء» وهو الآن يخضع لباقي العلاج، والحالة الثانية هي حالة الاضطراب الوجداني والثالثة هي حالة ثنائي القطب وهذا المريض يتأرجح بين حالات الاكتئاب والهوس، لكن الحالة الرابعة هي حالة «الدجالين» الذين يسعون لتحقيق مكاسب مالية واجتماعية فهؤلاء مدعون وليسوا مرضي.
علاج هؤلاء المرضي يتراوح بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي، والأول يعمل علي ضبط كيمياء المخ لكن يتوقف علي طبيعة الحالة المرضية، ولأن السبب العلمي للإصابة بهذا المرض هو إما زيادة أو نقص في الموصلات العصبية بالمخ التي تسمي بمادة «الدوبامين والأدرينالين وسيروتسنين»، فالعلاج يكون إما يكون بأدوية تعمل علي تقليل الدوبامين والسيروتسنين أو أدوية تعمل علي زيادة الأدرينالين، ولأن الوقاية خير من العلاج حتي في حالة الأمراض النفسية والعقلية ولأن الأمراض النفسية بدأت تعالج نهائيا فلذلك ننصح بإجراء فحوصات دورية علي كل الموظفين خاصة أن الاكتشاف المبكر للمرض يساعد في سرعة العلاج وتقليل المخاطر والحد من المضاعفات، فالعلاج مبكرا لا يستغرق أكثر من ستة اشهر أما العلاج المتأخر قتستغرق مدته خمس سنوات.
ويري أستاذ الطب النفسي الدكتور يحيي الرخاوي أن الضلال هو عرض وليس مرضا بذاته، ويوجد في أمراض كثيرة، والضلال اعتقاد وهمي خاطئ، لا ينبع من الواقع ولا يمكن تصحيحه بالحجة والبرهان، ولا يتفق مع تعليم المريض وثقافته ، وهو يوجد في الفصام وفي ذهان الهوس والاكتئاب ما يسمي الآن الاضطرابات الوجدانية الجسيمة بما في ذلك ثنائي القطب، «والأهم أنه يوجد في حالات البارانويا المزمنة.
والاسم الصحيح للمرض هو «الاعتقاد بالنبوة» وليس ادعاء النبوة، لأنه لو ادعاء لا يكون مرضا، وانما يكون انحرافا وتزييفا أو ما هو أكثر تواترا وهو اعتقاد المريض بأنه المهدي المنتظر، هاتان الظاهرتان تنبعان من شوق أصيل في التركيب البشري لمواصلة النمو باستمرار حتي نهاية العمر وهذا ضد ما يفرض علية تلقائيا بسبب طبيعة المرض من أن سن العشرين حتي الأربعين هو نهاية رحلة النمو هذا التركيب الطبيعي يتحقق بالإبداع واستمرار النمو والنضج طول العمر لكن التربية عندنا لا تتيح فرصة لذلك، فيثبت هذا الميل الطبيعي وينقلب إلي ضلال عند بعض المرضي..لذلك فإن التوجه السليم الذي يتفق مع ثقافتنا وديننا هو أن هذا السعي هو عملية إبداع الذات والنضج وامتداد الوعي الشخصي إلي الوعي الجمعي إلي الوعي المطلق إلي الغيب نحو وجه خالقنا «يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحا فملاقيه» وهذا هو السبيل إلي توجيه هذا الميل الفطري إلي وجهته الطبيعية وحين يتحرك هذا الوعي الفطري في أيٍ منا، ثم لا يجد فرصا لإبداع ذاته نحو خالقه، ويجد من حوله يستنكرون ويرفضون الإيمان بالغيب الذي هو دعوة متجددة إلي كشف المجهول وفي مثل هذه الظروف يجد الشخص نفسه عرضة لابتداع تعويض ضلالي هو أنه المهدي المنتظر أو أنه النبي الجديد أو ربنا وادعاء النبوة في صورته الإيجابية هو رغبة عارمة في تعديل المائل من أحوال الناس بعد أن نسوا ربهم وشوهوا دياناتهم.
يتابع: كتبت يوما في كتابي «حكمة المجانين» أننا (لسنا في حاجة إلي دين جديد لكننا في حاجة إلي ملايين الأنبياء)، ولم تكن هذه موافقة علي ادعاء النبوة ولكنها دعوة أن يقوم كل واحد من البشر بحمل مسئولية كل البشر، وهذا ما فسر به فيلسوف وشاعر الإسلام «محمد إقبال» حكمة أن الإسلام هو آخر الأديان السماوية حتي يتحمل كل منا حمل الأمانة وما أثقلها ولا ينتظر عونا نبويا جديدا من الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.