بعد شهرين من قرار رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم بإلغاء القرار الخاص بال10 درجات، المتعلق بالغياب والسلوك، في 21 أكتوبر الماضي أصبحت مدارس التعليم الثانوي خاوية علي عروشها، فهجرها الطلاب بعد انتصارهم علي الوزارة في معركة تطبيق القرار، وأصبحت مراكز الدروس الخصوصية القبلة الأولي والأخيرة لطلاب الثانوية العامة. ورغم أن وزارة التربية والتعليم قد شددت مراراً وتكراراً بعد إلغاء القرار بأنها ستستمر في حصد الغياب إلكترونياً علي موقع الوزارة مثلما كان الحال وقت تطبيق القرار وتفعيل المادة 25 من قانون التعليم الذي ينص علي فصل الطالب حال تغيبه 15 يوماً متصلاً أو 30 يوماً منفصلاً إلا أن ذلك كان علي ما يبدو مجرد تصريحات لحفظ ماء الوجه. "آخر ساعة" زارت موقع الوزارة الإلكتروني فوجدنا الصفحة الخاصة بمتابعة أولياء الأمور لنسب غياب أبنائهم علي موقع الوزارة أصبحت معطلة بعد أيام قليلة من إلغاء قرار العشر درجات كما أن عددا من مديري المدارس أكدوا في تصريحات خاصة ل"آخر ساعة" استحالة تطبيق المادة 25 لأن ذلك سيتسبب في فصل جميع الطلاب وتحويلهم إلي المنازل وبالتالي لن يحرموا أيضاً من دخول امتحانات نهاية العام. هجرة طلاب المرحلة الثانوية للمدارس تابعها أيضا هجرة طلاب الشهادة الإعدادية لمدارسهم أيضاً وهو ما اعتبره عدد من المهتمين بالعملية التعليمية مؤشراً علي احتمالية حدوثه في باقي مراحل التعليم ما يعني أننا في وضع حلت فيه مراكز الدروس الخصوصية محل المدرسة التي تصرف عليها الدولة مليارات كل عام في شكل صيانات ومنشآت ومرتبات للمعلمين. وفي الوقت الذي أصبحت فيه المدارس خاوية تقريباً تزدهر مراكز الدروس الخصوصية التي فرضت سطوتها ليس علي الطلاب فقط، لكن علي المدرسين أيضاً فبينما يفضل التلاميذ مراكز الدروس الخصوصية يتهرب أيضا بعض المعلمين كي يدرسوا للطلاب في المراكز غير القانونية أما أولياء الأمور فالأمر أصبح نزيفاً مستمراً لكنه في الوقت نفسه تحول من حالة إلي "أمر واقع" لا يمكن تجاهله. "آخر ساعة" تجولت بين مراكز الدروس الخصوصية والمدارس الخاوية للتعرف علي وجهات نظر الطلاب والمعلمين ففي أحد مراكز الدروس الخصوصية في منطقة فيصل قالت سكرتيرة أحد المراكز إن هناك إقبالا يتزايد كل عام وهو ما جعلنا نحدد المواعيد الصباحية للبنات تبدأ من العاشرة صباحا والمسائية للبنين وتبدأ من الخامسة عصراً وحتي الثانية عشرة صباحاً وفي أوقات الامتحانات والمراجعات النهائية يستمر العمل حتي صباح اليوم التالي. وأضافت أن المركز به مجموعة من المعلمين وعلي الطلاب اختيار أي منهم كما أن المركز به جميع التخصصات والمواد التي يحتاجها الطالب مشيرة إلي أن سعر المادة الشهرية يتراوح مابين 200 إلي 250 جنيهاً علي حسب المادة. وأوضحت أن الأسعار لا تزال كما هي مثل السنوات الماضية مشيرة إلي أن المدرس هو الذي يتحكم في أسعار المراكز لكننا نحاسب المعلم علي إيجار المكان للطالب الواحد الذي يصل إلي 3 جنيهات والقاعة الواحدة تستوعب 40 طالباً. كما التقت "آخر ساعة" بعدد من الطلاب الذين هجروا المدارس ففي البداية قال أحمد محمود طالب بالصف الثالث الثانوي: "الحضور في المدرسة مضيعة للوقت في الثانوية العامة تحديدا فبعد عمل الاستمارات الخاصة بالامتحانات لا يذهب الطلاب للمدرسة فهناك لا أحصل علي أي استفادة فقط أعاني من ضياع وقتي في المواصلات". قال أمير مجدي طالب بالصف الثالث الثانوي إن المدرسين أصبحوا غير موجودين بالمدرسة ونجدهم في مراكز الدروس الخصوصية منذ بداية اليوم الدراسي كما أن بقاءنا في المنزل يتيح لنا فرصة الحصول علي فترة نوم جيدة وفترة مذاكرة جيدة ونتائج السنوات الماضية تعكس ذلك وكل أسرة لا تريد من أولادها سوي النتائج النهائية، والعبرة بالمجموع ومن ناحيتها قالت رانيا إبراهيم طالبة بالصف الثالث الإعدادي إنها تتردد علي مراكز الدروس الخصوصية منذ ثلاث سنوات مشيرة إلي إنه بالرغم من ازدحامه حيث يصل عدد التلاميذ في القاعة الواحدة إلي 50 تلميذاً إلا أن شرح المعلم يختلف من المركز الخاص عن المدرسة ففي حالة عدم جذبه للطلاب سيهجرونه. وبالرغم من إعلان مجلس الوزراء ووزارة التربية والتعليم العام الماضي بدء الحرب علي مراكز الدروس الخصوصية إلا أنها فشلت في الاقتراب منها حتي الآن وكانت البداية مع قرار وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محب الرافعي بحصر أعداد المراكز علي مستوي الجمهورية والتي قدرتها الإدارة المركزية للأمن بالوزارة ب1925 مركزاً بحسب ما قاله اللواء عمرو الدسوقي رئيس الإدارة المركزية للأمن بوزارة التربية والتعليم-. وبالفعل خرجت العديد من الحملات الأمنية التي قامت بها المحليات بالتعاون مع وزارتي الداخلية والتربية والتعليم لإغلاق عدد من المراكز وهو ما تم بالفعل إلا أنها سرعان ما عادت للعمل مرة أخري دون أي مضايقات. وهو ما جعل الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني يقرر منح 58 عضوًا في ديوان عام الوزارة والمديريات التعليمية صفة "الضبطية القضائية" لغلق المدارس غير المرخصة والمؤسسات التعليمية المخالفة ومراكز الدروس الخصوصية.. وأوضح الهلالي إن الضبطية القضائية منحت إلي 31 عضوًا في الديوان العام، و27 عضوًا في المديريات التعليمية بالمحافظات بواقع عضو في كل محافظة مشيراَ إلي أن مدير عام الشؤون القانونية بالمديرية التعليمية يختص بصفة الضبطية القضائية. وأكد وزير التعليم خلال مؤتمر صحفي عقده مع عدد من محرري الوزارة الأسبوع الماضي أن الوزارة فعّلت مجموعات التقوية، وأصبح من حق الطالب اختيار المعلم الذي يريده وأن يسجل في أي مدرسة من خلال الكارنيه الخاص به مؤكدًا أن ذلك يأتي ضمن البدائل لمراكز الدروس الخصوصية وأن الوزارة وضعت استراتيجية علي المدي القصير لتأهيل المدرس علي تقديم منتج تعليمي جيد يعيد جذب الطلاب إلي المدرسة مرة أخري. وهو ما اعتبره عدد من المهتمين بالشأن التعليمي بأنها إجراءات غير كافية لعودة الطلاب إلي المدارس ففي البداية قال علي زيدان أحد المعلمين ونقيب نقابة المعلمين المستقلة بمحافظة القاهرة : "في البداية كان لدينا قصور في قرار ال 10 درجات وبعد أن تم إلغاء القرار فتحت أبواب المدارس علي مصراعيها لهجرة الطلاب فما حدث أننا أجبرنا الطلاب علي الحضور إلي المدرسة رغماً عن إرادتهم دون أن نجهز المدرسة والمعلم كما أن رجوع 90% من الطلاب إلي المدرسة مرة أخري أدي إلي تكدس المدارس التي ظهر أنها غير مستعدة لاستقبال الطلاب. وأشار إلي أن المشكلة لا تكمن في القرارات بقدر كونها تكمن في توافر أركان العملية التعليمية فلا يوجد مدرسة جاذبة للتعليم ولامنهج ولا معلم ولا فصول ولا معامل مجهزة كمان أن المناهج مكدسة بحشو غير مفيد للطلاب ويشجع علي الدروس الخصوصية وطرق الامتحانات عقيمة وتشجع أيضاً علي الدروس الخصوصية. وأكد أن هناك ظاهرة جديدة شهدتها مدارس المرحلة الإعدادية وهي هجرة طلاب الشهادة الإعدادية عن المدارس منذ أن تم إلغاء قرار ال 10 درجات بالرغم من عدم سريانه عليهم.. وأضاف أن وزارة التربية والتعليم لا تستطيع حتي تطبيق المادة 25 من قانون التعليم والخاصة بفصل الطلاب في حالة تغيبهم 15 يوماً متصلا أو 30 يوماً منفصلاً علي أن يتم إعادة قيدهم ويتم تحويلهم إلي المنازل ففي تلك الحالة ستجد الوزارة نفسها مضطرة إلي تحويل أكثر من 98% من طلاب الثانوية العامة للمنازل وهو ما يستحيل حدوثه.