أثار تطبيق اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الجديد عاصفة جدل بين العاملين في المنظومة المالية، خاصة في قطاع الضرائب والجمارك والمالية، لما احتواه من نصوص اعتبرها البعض أنها تهدر جهودهم التي طالما بذلوها بهدف تحصيل أكبر بند من بنود الموازنة العامة وهو الضرائب، حيث طال القانون العديد من الاتهامات بتضمنه مواد من شأنها إعطاء سلطات مطلقة للرئيس المباشر في العمل لفصل الموظفين، وكذلك تضمن القانون الذي يسري علي 6 ملايين موظف بالدولة بنودا تخفض العلاوة من10% إلي 5%. جهود حثيثة تبذل لاحتواء تداعيات الأزمة التي بدأت عقب التقاء الدكتور هاني قدري دميان وزير المالية برؤساء مصالح المالية والضرائب والجمارك لإيجاد نوع من التفاهم المشترك بين الجانبين، غير أن تلك الجهود باءت بالفشل الذريع مع إصرار العاملين بمنظومة الضرائب علي موقفهم الرافض لنصوص قانون الخدمة المدنية جملة وتفصيلاَ، بل إنهم تبنوا خطوات تصعيدية حال عدم الاستجابة لمطالبهم تتمثل في إقامة وقفة احتجاجية أمام مبني نقابة الصحفيين خلال أغسطس الجاري، كما هددوا باللجوء إلي المحكمة الدستورية العليا للطعن علي القانون لبيان مدي دستوريته من عدمه. من جانبها تقول فاطمة فؤاد رئيس النقابة العامة للضرائب ل "آخرساعة" إن سلبيات القانون الجديد تبدأ من أول مادة فيه التي لم تحدد الجهات المستثناة منه ولم تحدد أيضاَ طريقة تطبيقه علي الجهات التي لها قوانين خاصة مثل الهيئات الحكومية، وكذلك المادة الثانية التي اختصرت بند الجزاءات علي الموظف من 11 بنداً جزائياً متدرجاً في القانون رقم "47" إلي 5 بنود فقط يؤدي في النهاية إلي فصله بدون أن يضع معايير محددة لماهية العقاب الذي يؤدي في النهاية إلي الفصل. تتابع: إذا نظرنا إلي بند الأجور، خاصة فيما يتعلق بالأجر الوظيفي، نجد أنه لا يلبي الحد الأدني للأجور، فكيف يتم تعيين خريج بأجر لا يتجاوز 880 جنيها علي الرغم من أن الحد الأدني للأجور 1200 جنيه وذلك في الوقت الذي لا يتم فيه تطبيق الحد الأقصي للأجور في الجهات الحكومية، يضاف إلي ذلك وضع سلطة مطلقة في يد الرئيس المباشر في العمل ليصبح هو بمثابة الخصم والحكم ومقرر الجزاء في آن واحد ليتحول القانون في النهاية إلي ما يشبه قانون "السخرة المدنية"، فهو يقنن السلطة علي الموظف دون إجراءات قانونية تضمن حقه وحمايته. ومن مساوئ القانون أيضا أنه قام بتخفيض العلاوة من 10% إلي 5% فقط وتتراوح في الغالب من 20 إلي 60جنيها، في الوقت الذي كان فيه الموظف يأخذ علاوة في السابق تصل أحيانا إلي 300 جنيه في شهر يوليو، لكن حالياَ تم خفضها وإدراجها ضمن شريحة الأجر الوظيفي، وبالتالي فقد أدخل القانون الجديد الموظف ضمن شريحة تواجه منسوبا أعلي من الضرائب علي المرتبات ولم يراع التضخم في الأسعار، في الوقت الذي ترفع فيه البلاد الدعم عن السلع الأساسية من غاز و كهرباء وماء. في ذات السياق يري مجدي شعبان رئيس النقابة العامة للعاملين بالمالية والجمارك والضرائب أن مشروع قانون الخدمة المدنية قام بتجميد الحوافز للعاملين في القطاع الضريبي علي الرغم من أنه يعد من أكبر القطاعات المنتجة، فالمطلوب من هذا القطاع تحقيق ما قيمته 422 مليار جنيه للخزانة العامة للدولة، وعندما يتم تجميد الحوافز للعاملين به بهذه الطريقة، فسوف يؤثر ذلك سلباً علي هذه الحصيلة المالية. كما لفت إلي أن النقابة العامة للمالية والضرائب والجمارك لم تدع إلي أي وقفات احتجاجية للاعتراض علي القانون الجديد، ولكن من دعا إليها في الأساس هو مايسمي بالنقابات المستقلة وهي لا تتبع النقابة العامة، مشيراَ إلي أن منهج النقابة هو التفاوض مع الحكومة للوصول الي حقوق الموظفين، وشدد في الوقت ذاته علي ضرورة التعجيل بإصدار قرار أو نظام جديد للحوافز، أو إصدار قرار جمهوري بإنشاء هيئة حكومية للموارد السيادية. يتابع: قمنا بعرض عدة حلول ومقترحات علي الحكومة في إطار السعي لحل هذه الأزمة تتمثل في تكوين هيئة مستقلة بالموارد الذاتية تضم الجمارك والضرائب بجميع فروعها بحيث تكون بعيدة كل البعد عن قانون الوظيفة المدنية الجديد، أو عمل نظام حوافز واحد أو أكثر من نظام من أجل تشجيع العاملين وهو ما يتفق مع المادة رقم 40 من قانون الخدمة المدنية والقوانين المنظمة للعمل في الجمارك والضرائب، وفيما يتعلق بخطوات النقابة المقبلة تجاه هذا القانون صرح قائلاَ: "نحن مبدئياَ في إطار الإعداد لرفع دعوي قضائية بعدم دستورية هذا القانون نظراَ لعدم عرضه علينا وعدم أخذ رأي التنظيم النقابي فيه وفقا لنص الدستور". أما طارق قعيب رئيس النقابة العامة للعاملين بالضرائب العقارية فأوضح أن مسألة قانون الخدمة المدنية الجديد هي قضية تمس ما يقرب من 6 ملايين موظف، مشيراَ في ذات الوقت الي أن القانون الجديد يضرب الأمان الوظيفي لموظف الدولة عبر إعطاء صلاحيات مطلقة لمدير العمل، فبمقتضي هذا القانون لا يستطيع الموظف أن يعارض رئيسه خوفاَ من فقدان وظيفته حتي ولو كان هذا الأمر سيؤدي إلي إهدار مئات المليارات علي الدولة، فالقانون أعطي لصاحب العمل الحق في إعطاء مايسمي تقرير حالة للموظف وإذا ما تم ذكر أنه "ضعيف" المستوي لمدة عامين ينقل بعدها إلي وظيفة أخري بنصف حافز ومن الممكن فصله من العمل بعد ذلك بحجة أنه لايصلح للعمل في هذا المكان. كما أوضح أن المادة رقم 15 من القانون الجديد تحديداَ تفتح مجال التنقل بين الوظائف مباشرة لأي مؤهل، علي الرغم من أنه من المفترض أن يتم فتحها فقط للانتقال الوظيفي علي حسب التخصص وحسب نوع المهنة ودرجة المؤهل، لذا من المتوقع أن يؤدي هذا الأمر إلي إرباك الجهاز الإداري للدولة بشكل غير عادي وهو ما لن تظهر آثاره بصورتها الكاملة حالياَ ولكن مع السنة الأولي والثانية حينما يبدأ تطبيقه وتنفيذه علي أرض الواقع. ويري طارق قعيب أن حل الأزمة يكمن في تحقيق المطلب الرئيسي وهو تجميد العمل بقانون الخدمة المدنية بقرار من رئيس الجمهورية خاصة أنه مايزال في مرحلة التطبيق، فهناك قطاعات أخري كثيرة لم تبدأ في تطبيقه مالياَ تجنباَ لثورة الموظفين، وذلك بالتوازي مع إعادة فتح الحوار لإصدار قانون جديد يالتوافق مع أصحاب الشأن، فمن غير المعقول أن يصدر قانون ل6 ملايين موظف وهم ليسوا طرفاَ في الموضوع من الأساس ولم يتم عرضه عليهم. كما أوضح أن الوقفة الاحتجاجية المقرر إقامتها يوم 10 أغسطس للاعتراض علي قانون الخدمة المدنية ليست هدفا في حد ذاتها، ولكن هناك نظام معين للحوافز لا يرضي العاملين، ويشعر البعض بأنه تم ظلمهم بإقراره، فلا يجب تصوير الأمر علي أن هناك من يطالب بزيادات مالية، بل إن تلك الخطوات تأتي في إطار التنبيه بأن قانون الخدمة المدنية أفقد الموظف الحد الأدني من الزيادة السنوية للمرتب التي تمكنه من مواكبة زيادة الأسعار.