425 مليون متر مكعب من ماء الوضوء في المساجد يمكن استخدامها في الري كشف الدكتور أحمد حنفي أستاذ التنمية الزراعية ورئيس اتحاد تنمية مصر، أن منظومة الزراعة في مصر تواجه أوضاعاً مأساوية، تقف وراءها بالأساس أزمة إهدار مياه الري التي تتفاقم، وقال في حواره ل"آخر ساعة" إنه يعكف علي إعداد مجموعة من الأفكار لمشروعات في مجال التنمية الزراعية لمواجهة هذه الأزمة، موضحاً أن سياسة التشجير التي تتبعها وزارة الزراعة تتم بعشوائية، حيث تصل أعداد أشجار الزينة في الشوارع إلي حوالي 113 مليون شجرة، تهدر 1.3 مليار متر مكعب مياه، داعياً إلي استبدالها بأشجار الفاكهة، ما يعد مورداً إضافيا للاقتصاد القومي. حدثنا عن طبيعة اتحاد تنمية مصر الذي ترأسه؟ - نحن مجموعة من شباب الباحثين في مختلف المجالات البحثية، أنشأنا هذا الاتحاد ليصبح بمثابة كيان تنموي نقوم من خلاله بعرض أفكار لمشروعات تنموية مبتكرة نعكف علي دراستها وتقديمها للمسؤولين. هذه الأفكار تشمل ملفات عديدة تشكل أهمية كبري للاقتصاد القومي، ومن أهم الملفات التي نوليها أولوية في أبحاثنا ملف التنمية الزراعية الذي يعمل عليه 12 باحثاً لدينا. لماذا بدأت بملف التنمية الزراعية؟ - لأنها بمثابة القاطرة التي بإمكانها أن تقود مصر إلي الازدهار في المستقبل القريب، والتنمية الزراعية تعني الاستغلال الأمثل للموارد الأرضية والمائية لتحقيق النمو الاقتصادي. هذه الموارد للأسف تتعرض لإهدارٍ بدأ منذ عقودٍ طويلة ومازال مستمراً، ما أدي إلي تراكم الأزمات التي تعصف بالمنظومة الزراعية لدينا، فمساحة التعديات علي الأراضي الزراعية تتجاوز 30 ألف فدان سنوياً. والأخطر من ذلك ما تتعرض له منظومة الموارد المائية التي تُشكل عصب الزراعة، فنحن نهدر سنوياً ما يقرب من 1.2 مليار متر مكعب نتيجة عملية البخر التي تتعرض لها قنوات الري التقليدية، لعدم اتباع الطرق الحديثة للري سواء بالتنقيط أو الرش أو الري المحوري. عدم وجود أي رؤية لإدارة هذه المنظومة كان الدافع الذي جعلنا نُفكر في ابتكار أفكار لمشروعات غير تقليدية، لا تُكلّف الدولة الكثير وتحقق التنمية الزراعية التي نفتقدها. ما أفكار المشروعات التي أعددتها في هذا المجال؟ - بدأت بفكرة "المشروع القومي لزراعة 50 مليون شجرة فاكهة في شوارع مصر"، وتم تسجيلها برقم 411 لسنة 2013 في مكتب براءة الاختراع التابع لجامعة عين شمس، هذه الفكرة تعالج عشوائية سياسة التشجير التي تتبعها وزارة الزراعة، والأمر الذي لم ينتبه له أحد أن هذه السياسة المتبعة تعد واحدة من أخطر وسائل هدر الموارد المائية، فمن خلال مجموعة أبحاث ودراسات متكاملة أجريناها اكتشفنا أنه يتم الاعتماد في منظومة التشجير في الشوارع والميادين علي أنواع من الأشجار تدمّر الاقتصاد الزراعي، علي رأسها نخيل الزينة الذي يعد سبباً أساسياً لانتشار "ذبابة الفاكهة"، وأشجار "الفيكس نتدا" و "البنجامينا" و "البونسيانا". فمن خلال صور الأقمار الصناعية وخرائط نظم المعلومات الجغرافية GIS وصلنا إلي أن لدينا 113 مليون شجرة زينة في شوارع مصر، من الأنواع التي تستهلك كميات هائلة من المياه تصل إلي 1.3 مليار متر مكعب سنوياً. ومن هنا جاءت فكرة إحلال هذه الأشجار واستبدالها بزراعة أنواع من أشجار الفاكهة الموفرة للمياه، ما يتيح تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، واستغلال المساحات المُهدرة في الشوارع بما يعادل زراعة 280 ألف فدان، كما تُعظِّم الاستفادة من طاقات العمالة الموجودة في هذا القطاع والتي لا تُستغل إلا في عمليات التقليم، ووقع اختيارنا بعد إجراء مجموعة من الأبحاث علي زراعة أشجار الليمون. لماذا اخترت أشجار الليمون علي وجه التحديد؟ - لعدة أسباب تتعلق بخصائص هذه الشجرة، كونها من الأشجار الموفّرة للمياه والتي تتحمل العطش وملوحة التربة، وتتحمل كذلك الظروف المناخية الصعبة والتلوث الذي ينتج عن عوادم السيارات وغيرها، كما لها مظهر جمالي لافت لأنها من الأشجار المُزهرة ذات الرائحة الجميلة، غير أنها قابلة للتشكيل ما يجعلها تعوّض وظيفة أشجار الزينة. الأهم من ذلك أن أشجار الليمون تتمتع بنظام الحماية الذاتي، من خلال الشوك الذي يحافظ علي استدامة الإنتاج، غير العوائد الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق من ورائه علي المدي الطويل. حدثنا عن القيمة الاقتصادية لهذا المشروع؟ - المشروع له قيمة اقتصادية هائلة، خاصة أن زراعة أشجار الليمون غير مُكلفة، حيث لا يتعدي سعر الشجرة الواحدة 5 جنيهات، كما أن مساحات الليمون المزروعة لدينا ضئيلة، وهذا ما يفسر ارتفاع أسعاره بشكل كبير لزيادة الطلب عليه وقلة المعروض. عوائد هذا المشروع يمكن أن تبدأ بعد ثلاث سنوات فقط من تنفيذه لأن أشجار الليمون تُثمر خلال سنتين ونصف، فمتوسط إنتاج شجرة الليمون الواحدة يتراوح مابين 7 10 كيلوجرامات في السنوات الخمس الأولي، ليتضاعف الإنتاج تدريجياً حتي يصل إلي 25 كيلو جراما، ما يعطينا ميزة تنافسية تسمح لنا بتصديره. كما يُمكننا ذلك من إنتاج حمض السيتريك أسيد الذي يُستخلص منه فيتامين سي، ويدخل في صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية والتجميلية، وهو ما نستورد الكيلو الواحد منه ب8 دولارات. لذا أجرينا دراسة جدوي ضمن فكرة المشروع لإنشاء أول مصنع يُنتج هذا الحمض محلياً، ما يُعظم عوائده التي يمكن أن تصل بعد السنوات العشر الأولي إلي 1.7 مليار جنيه سنوياً. بينما لا تقتصر القيمة الاقتصادية لهذا المشروع علي الإنتاج القائم علي أشجار الليمون، لكن تمتد إلي استغلال الكميات الهائلة من أخشاب أشجار "الفيكس" التي سيتم إحلالها، والتي تدخل في صناعة الموبيليا. ما تصورك بشأن مصادر الري؟ - هذا المشروع يحتاج 865 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وبما أن أحد المحاور الرئيسية له تعتمد علي توفير هدر المياه، فكرنا في إيجاد مصادر للري غير تقليدية، من خلال استغلال مياه الوضوء النقية المُهدرة من المساجد، والتي توفر 425 مليون متر مكعب من المياه، يمكن توظيفها في ري الأشجار الواقعة في نطاق هذه المساجد المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية، من خلال عمل خطوط صرف بمواسير تجمع المياه من أحواض الوضوء إلي خزانات فرعية تتولي هذه المهمة. خاصة أن أشجار الزينة الموجودة حالياً في الشوارع وبخاصة الواقعة في المجتمعات العمرانية الجديدة، يتم ريّها للأسف من المياه العمومية الصالحة للشرب. ما العوائق التي يمكن أن تواجه تنفيذ الفكرة؟ - العقبة الرئيسية التي تواجه المشروع تتعلق بالتشريعات التي تحظر قطع الأشجار لأي سبب، فإذا بادرت وزارة الزراعة بتبني هذا المشروع يجب أن يتم إيجاد مخرج قانوني يسمح بالإحلال التدريجي لهذه الأشجار بطريقةٍ مرحلية وفق الخطة التي وضعناها. هذه الخطة قمنا بعرضها علي لجان متخصصة من أقسام البساتين بمركز البحوث الزراعية، ولاقت ترحيباً من العديد من الخبراء، لكن اتخاذ قرار التنفيذ يحتاج إرادة سياسية وهو ما لم يتحقق بعد لأي من المشروعات التي تقدمنا بأفكارها إلي المسئولين. ماذا عن الأفكار الأخري التي تحملها؟ - عرضنا مشروعاً لإقامة أكبر هرم نباتي مصري علي مستوي العالم علي مساحة 1000 فدان تُزرع بأشجار النخيل. هذا المشروع زراعي له أبعاد سياحية وصناعية وتنموية، تكمن فكرته في استغلال المناطق السهلية الواقعة تحت سفوح الجبال والتي حددناها في دراسات ميدانية، تشمل هذه المناطق ثلاثة مواقع صحراوية بالقرب من واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد ومحافظة البحر الأحمر، لتكون قريبة من مصادر المياه الجوفية، علي أن يتم تحديد مساحة مثلثة الشكل لزراعة أشجار النخيل، يتم تخطيطها بطريقة معينة بحيث تظهر بشكلٍ هرمي مجسَم يمكن رؤيته من أي اتجاه أعلي الجبال. إقامة هذا الهرم النباتي يحتاج إلي 20 ألف نخلة، أعددت تصوراً لتنفيذه بزراعة 12 صنفاً من أشجار النخيل تتباين في أطوالها وأحجامها حتي يتم تنسيقها بأطوالٍ تدريجية، حيث تبدأ الحواف بنوع من النخيل "البارحي" القصير الذي لا يتعدي طوله متراً واحداً، يليه النخيل "المنتور" و"الحجازي" و"الإبريمي" وغيرها من الأصناف، وصولاً إلي نخيل "الزغلول" الذي يصل طوله إلي 20 متراً ما يتيح تنفيذ هذا التكوين الهرمي. كما يمكن تزويده بوحدات إضاءة توزّع في المساحات البينية بين أشجار النخيل، لتُكمل المظهر الجمالي للهرم الذي يمكن استغلاله كمزار سياحي. ما أوجه الاستفادة من مشروع الهرم النباتي؟ - هذا المشروع يمكن أن يحقق عوائد اقتصادية هائلة، فبخلاف البُعد السياحي تكمن الأهمية الكبري له في عملية الإنتاج والتصنيع التي تقوم علي زراعة النخيل، هذا المشروع يمكن أن يدر للدولة نحو 20 مليون جنيه سنوياً، بعد أن تُثمر أشجال النخيل التي تحتاج 3 - 7 سنوات، علي أن تتضاعف هذه العوائد خلال السنوات الخمس اللاحقة، فمتوسط إنتاج النخلة من البلح يتراوح مابين 40 - 80 كيلو جراما. كما أعددنا 13 دراسة جدوي لإقامة مصانع في هذه المناطق لتعبئة وتغليف وفرز التمور، غير مصانع تدوير مخلفات النخيل، حيث يمكن إنتاج "الكارينا" التي تدخل في صناعة الموبيليا من سعف النخيل كما تُستخدم نواة البلح في إنتاج البُن، ما يتيح إنشاء مجتمعات صناعية تعمل علي تنمية هذه المناطق. بينما لا تتجاوز تكلفة هذا المشروع 25 مليون جنيه، تتضمن أعمال البنية التحتية وحفر الآبار وإنشاء المباني ووحدات توليد الطاقة بهذه المناطق الصحراوية.