الانقسام الليبي الحاد الذي شق قلب ثورات الربيع العربي مابين أحلام مازالت تملأ صدور كل المؤمنين بالثورة وبين شبح إعادة استنساخ الماضي الذي جرّف واقعنا العربي سياسيا وماديا وفكريا بآلة جهنمية من الاستبداد والفساد. يبدو الآن أن حسم هذا الصراع بين الماضي الشرس والمستقبل المتعثر هو ما يكتبه الحاضر المشتعل علي أشده.. والذي وصل إلي حد خطر الانقسام علي أنفسنا بقوة السلاح.. وتعد الحالة الليبية أكثر ما يمثل المشهد في ذروته.. وفي محاولة لقراءة المشهد السياسي الليبي كان لنا هذا الحوار مع السفير عاشور بوراشد المندوب الدائم لليبيا بالجامعة العربية طرابلس مدينة محاصرة وخارج إطار سيطرة الدولة لانرفض حكم المحكمة العليا ببطلان برلمان طبرق.. وسنرفع دعوي بانعدامه أقول لكل من يحمل السلاح.. صندوق الاقتراع هو الوسيلة الوحيدة لحكم ليبيا الإخوان لم يحصلوا علي شيء في انتخابات «برلمان طبرق».. فأعلنوا الحرب في المنطقة الغربية متفائلون بإعادة بناء جيشنا الوطني وبسط نفوذه علي بنغازي دليل استرداد إرادة الدولة نؤيد الحوار .. لكن لا عودة للماضي.. ولا حوار مع من يحمل السلاح بداية.. منذ أيام أعلن رئيس الوزراء الليبي العاصمة (طرابلس) خارج إطار سيطرة الدولة.. هل انقسمت ليبيا بالفعل؟ - المشهد الليبي هو استثناء بين الحدث التونسي والحدث المصري.. ليبيا لم تكن دولة بالحالة المتعارف عليها.. لم يكن هناك نظام للإدارة ولا مؤسسات.. الحكم الشعبي الذي اخترعه القذافي كان فكرة عبثية دفعنا ثمنها ومازلنا ندفع ثمنها حتي بعد رحيل القذافي.. لكن ماحدث في ليبيا يوم 17 فبراير لم يكن بمعزل عن المنطقة إجمالا فكانت ثورات الربيع العربي حدثا مفصليا في التاريخ العربي.. بعدها مرت ليبيا بمرحلتين انتقاليتين.. مرحلة المجلس الوطني الانتقالي في هذه المرحلة كان لدينا ثلاث مهمات رئيسية هي التحرير والذي لم نكن نعرف وقتها متي سينتهي ثم خارطة الطريق تحدد أنه بمجرد التحرير نشكل وزارة في الشهر الأول ثم يعلن عن انتخابات للمؤتمر الوطني.. وهذه الاستحقاقات الجوهرية نفذت بالكامل وفي ذات التواريخ التي أعلنت مسبقا.. وسلمت السلطة بشكل حضاري شهد به العالم. الخلل صار في المرحلة الثانية وهي مرحلة المؤتمر الوطني العام عندما هيمن الإخوان وتقريبا أصبحت الإرادة السياسية في هذا المؤتمر تحت سيطرة فئة معينة لا تؤمن بالدولة أساسا ولا تؤمن بالمؤسسات.. ولم تكن مقروءة للشارع الليبي بشكل جيد.. وكان لديهم عداء مع المؤسسة العسكرية ولديهم تصور آخر لفكرة الأمن لم تكن معروفة لنا ولا هم أعلنوها للناس. لكن يجب أن نذكر هنا أن الإخوان ليسوا هم من فازوا بالأغلبية في الانتخابات بل فاز وقتها اتحاد القوي الوطنية رغم أن الإخوان كانوا في عز مجدهم وقتها عندما وصلوا إلي سدة الحكم في مصر واكتسحت حركة النهضة في تونس فكان العصر الذهبي لهم.. ومع ذلك لم يفوزوا في ليبيا.. لكنهم دخلوا كأعضاء مستقلين لم يعلنوا هويتهم في البداية وكانت الخدعة عندما شكلوا داخل المؤتمر مايعرف بكتلة (الوفاء لدماء الشهداء) وأصبحت هذه الكتلة تضم مجموعات من الجماعة الإسلامية المقاتلة ومن الإخوان ومن بقايا القاعدة وكان أعضاء منهم مدعومين بميليشيات عسكرية لفرض بعض القوانين بالقوة مثل قانون العزل السياسي. هل في ليبيا حكومتان.. أم أن الصراع هناك هو صراع الشرعيات المنقوصة؟ - للأسف عندما تحقق النصر وقضي علي القذافي عن طريق السلاح وانتزعت منه السلطة بالقوة.. هذه العقلية جعلت السلطة تتناثر في ليبيا إلي قوي متعددة كل مجموعة أصبحت تمسك قطعة في ليبيا تسيطر عليها بالسلاح.. لكن الحقيقة أنه عندما فشل المؤتمر الوطني في مهامه خرج الناس إلي الشوارع لأنهم استشعروا أن المؤتمر سلب إرادة الشعب الليبي وأن مايحدث ليس أهداف ثورة 17 فبراير فانقلب الناس علي المؤتمر وخرجت المظاهرات لعدم التمديد ونادوا بضرورة إيجاد جسم آخر وأن ننتقل إلي مرحلة ثالثة فشكلوا لجنة سميت لجنة فبراير.. اقترحت مرحلة ثالثة علي ضوئها كان اختيار مجلس النواب الحالي «الذي يعقد في طبرق» وجاءت انتخابات هذا البرلمان الجديد ضربة قاتلة لهم لأن الناس كانوا قد تبينوا حقيقة الإخوان فلم يحلصوا علي شيء علي الإطلاق.. وبمجرد إعلان النتائج شنوا حملة شرسة علي المكشوف.. فعندما فشلوا سياسيا أعلنوا الحرب في المنطقة الغربية علي هذا المجلس المنتخب وهذا هو الحدث الذي نقف عنده الآن. معروف أن نسبة المشاركة في انتخابات مجلس نواب «طبرق» ضعيفة وأقل بكثير من نسب المشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني.. هل يشكك ذلك في شرعية هذا البرلمان؟ - مجلس النواب المنعقد في طبرق هو السلطة الشرعية الوحيدة في ليبيا لسبب بسيط جدا لأنه هو المنتخب من الناس عن طريق الاقتراع.. ولم تعرف البشرية نظاما لكي تقول إن هذا شرعي وهذا غير شرعي غير صندوق الانتخابات.. ولأول مرة في ليبيا وعن طريق هذا المجلس تسترد إرادة الدولة وسيادتها التي كانت مختطفة لصالح أجندة غير مفهومة.. العالم كله شهد للانتخابات واعترف وأيد السلطة الشرعية ولاتوجد إلا سلطة شرعية واحدة. ما تعليقكم علي حكم المحكمة الدستورية العليا بليبيا ببطلان برلمان «طبرق».. وكيف تقرأون ردود الفعل الدولية علي هذا الحكم حتي الآن؟ - العالم كله يعرف أن هذا الحكم صدر من مدينة طرابلس وهي مدينة محاصرة وخارج إطار سلطة الدولة.. عندما تصدر المحكمة حكما وهي محاصرة بالسلاح وجميع الشوارع المحيطة بها.. حتي يقدر العدد ب 270 آلية عسكرية كانت تحيط بالمحكمة.. الكل يعلم أنه في أساسيات القانون إن لم تكن إرادة القاضي حرة فإن الحكم الصادر عنه يكون في حكم العدم.. لذلك نحن الآن في سبيل معالجة هذا الحكم عن طريق القضاء وسنرفع دعوي للمطالبة بانعدام هذا الحكم أمام إحدي المحاكم الابتدائية «الليبية» فنحن لانرفض الحكم سياسيا ولكن هناك معالجة قضائية له حتي نسحب البساط ممن يزايد علي استقلال القضاء الذي نقدسه. هل تشعرون بجدية في بناء الجيش الوطني الليبي من حيث تعداده وطبيعة المشاركين فيه وحتي هيكليته وعدته؟ - الكارثة أننا في ليبيا لم نرث مؤسسة عسكرية بالمعني المتعارف عليه ولا مؤسسة أمنية.. حتي بالنسبة للمؤسسة العسكرية عندما استشعر أنها يمكن أن تمثل خطرا عليه شكل مايسمي بالكتائب الأمنية وكان الهدف الوحيد منها حماية حكمه فقط.. حتي هذه انهارت بقيام الثورة وجدنا أنفسنا بلا مؤسسة عسكرية.. فشكل المواطنون والشباب بعض الكتائب وخرجوا لمواجهته لنجد أنفسنا بعد التحرير أمام هؤلاء الشباب الذين حرروا البلد وأصبح السلاح متداولا في أيديهم ومنتشرا بكثافة.. فكان التوجه مباشرة بالدعوة لبناء المؤسسة العسكرية والأمنية.. لكن هؤلاء الشباب استشعروا أن السلاح يمثل قوة لهم ويمكنهم من تحقيق مكاسب لذلك لم يعد لديهم رغبة في الدخول في الجيش أو قوات الأمن.. لكن منذ عملية الكرامة بدأنا بناء القوات المسلحة وإعادة هيكلتها وهي بالفعل محاولة جادة والدليل أنه لأول مرة ومنذ 6 شهور فقط منذ اختيار مجلس النواب يتواجد الجيش داخل مدينة بنغازي وهي ثاني أكبر المدن في ليبيا.. بعد أن كانت الساحة مفتوحة للميليشات علي مدار ثلاث سنوات.. الآن الجيش يسيطر علي مساحات كبيرة في المدينة وهذا دليل علي أن الإرادة السياسية للدولة استعيدت. هل يمكن الحسم العسكري في طرابلس كما حدث في بنغازي.. أم أن لطرابلس وضعا آخر ويفضل اللجوء للحوار؟ - بالطبع يفضل اللجوء للحوار.. لكن الحوار يحتاج طرفين ومشكلة أن هؤلاء داخل طرابلس لايوافقون علي الحوار نهائيا.. بل يعتبرونه خيانة.. لكن نحن مع الحوار وندرك أن ليبيا لن تبني إلا بإجماع كل مكوناتها ودون إقصاء لأحد ولن نخالف مبادئ ثورة 17 فبراير التي أساسا قامت لهذا الغرض لذلك لن يستنسخ الماضي مرة أخري لذلك نحن مع الحوار لأنه هو الوسيلة الوحيدة لحل كل المشكلات بشرط ألا نتحاور مع من يحمل السلاح.. لأن مثل هذا حوار يولد ميتا. في رأيك ما هي الأطراف التي لابد ألا تغيب عن طاولة الحوار إذا كنا نريد أن ننجز حلا سياسيا في ليبيا؟ - مبادرة الحوار الوحيدة المطروحة الآن هي مبادرة الأممالمتحدة والتي رحبنا بها ومازالت الأممالمتحدة تعمل عليها. هناك مايعرف بدول الجوار الست لليبيا «مصر والسودان وتشاد والنيجر وتونس والجزائر».. هذه الدول تأخذ مواقف متباينة من الكيانات السياسية والعسكرية المختلفة في ليبيا.. إلي أي مدي يؤثر ذلك في إنجاح الدعوة للحوار؟ - فيما يتعلق بدول الجوار نحن نرحب بأي مساعدة من الأشقاء لحل الأزمة.. لكن هناك نقطة جوهرية نعرفها تماما وهي أن هذه الدول لها حق القلق المشروع لما يحدث في ليبيا.. لكننا في ليبيا نرفض بشكل تام التدخل في الشأن الليبي.. وأنا هنا أقدر دور مصر في أنها كانت حريصة في هذا الإطار وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر لاتقبل التدخل في ليبيا.. وهذه إشارة مهمة لأن الليبين عندهم حساسية مفرطة من التدخل الخارجي عربيا كان أو أجنبيا. لكن مع هذا في جزئية ضبط الحدود فهذا حق مشروع لكل دول الجوار لأنه أمر مشترك ونقف جميعا في خندق واحد فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب. هل تطمئنون للدور السوداني الذي يسعي لتقريب وجهات النظر مع القوي الإسلامية في ليبيا بعد أن كان متهما بمدهم بالسلاح؟ - نحن نرحب بالدور الذي تقوم به كل دول الجوار.. وهناك اجتماع قريب في الخرطوم.. وفي النهاية نحن أصحاب الحوار والقرار وإذا استشعرنا أن هناك جهة ما تقوم بدور سلبي سيكون ذلك مرفوضا.. أما إذا كانت الدعوة إيجابية للحوار وكان هناك طرف يستطيع أن يؤثر علي من يحملون السلاح ويضغط علي هؤلاء للجلوس علي طاولة الحوار بشرط التخلي عن سلاحهم. بالتأكيد نحن لن نقفل هذا الباب.