نحو عامين من تفجير «آخرساعة» لقضية إهانة فرنسا للتاريخ والحضارة المصرية، من خلال تمثال موجود داخل ساحة جامعة السوربون في باريس، يجسد العالم الأثري الفرنسي جون فرانسوا شامبليون (1790 1832) متكئاً بإحدي قدميه علي رأس لملك فرعوني يعتقد أنه للإله إخناتون، نكشف في هذا التحقيق مهزلة أشد ألماً وهي مشاركة السفارة المصرية في باريس منذ سنوات وحتي الآن في الترويج لهذا التمثال، من خلال إصدارها «كتالوج» يتضمن صوراً لهذا التمثال. بدأت قصة التمثال المسيء لمصر، حين نشرت «آخرساعة» تحقيقاً موسعاً في عددها الصادر بتاريخ 20 فبراير 2013 تحت عنوان «شامبليون يضع قدمه علي رأس ملك فرعوني»، وهو التحقيق الذي أثار ردود فعل واسعة، نظراً للوضع المهين الذي ظهر عليه في الصور الرأس الفرعوني المكسور علي الأرض بينما يضع العالم الفرنسي الشهير إحدي قدميه فوقه، بما يكشف نظرة عنصرية ودونية تجاه الحضارة الفرعونية. وقتها كان الفنان المصري هشام جاد، المقيم في باريس منذ 23 عاماً، هو صاحب الفضل في تصوير مقطع فيديو للتمثال المصنوع من خامة الرخام، علّق عليه بصوته قائلاً: «هذا التمثال لا يليق بأعظم حضارة عرفتها البشرية.. ولابد أن تتدارك الحكومة الفرنسية هذه الإهانة البالغة للإنسانية ممثلة في الأم مصر». وفي أول رد فعل رسمي حول أزمة التمثال، تواصل وزير الثقافة وقتذاك، محمد صابر عرب مع المجلة وأكد في تصريحات ل«آخرساعة» أن معالجة المشكلة تتطلب التعقل في التعامل معها كونها مشكلة ثقافية وحضارية بالأساس، ولا يجب اللجوء فيها إلي العنف أو التصعيد المباشر بتظاهر أبناء الجالية المصرية في فرنسا، وقال: «سألجأ مبدئياً وبشكل شخصي إلي التواصل مع بعض أصدقائي في باريس للتعرف علي هذا التمثال والحصول علي صور واضحة تبيِّن تفاصيله، وهذا لا يعد إجراء سياسيا، بقدر ما يجب حل المشكلة بالتفاهم والحوار وفتح قنوات للتواصل في هذا الشأن مع الجانب الفرنسي الذي تربطه بمصر علاقات تاريخية متينة». وأضاف الوزير الأسبق: أعتقد أن الجانب الفرنسي سوف يستجيب من خلال لغة التحاور والتفاهم، مشيراً إلي أنه في حال عدم الاستجابة، سنعمل علي تصعيد الأمر من خلال التمثيل الدبلوماسي المصري في فرنسا وبالتواصل مع السفير المصري في باريس. ويبدو أن هذه التصريحات كانت مجرد حبر علي ورق، فلم تتخذ وزارة الثقافة ولا السفارة المصرية في باريس أي خطوة لإنهاء هذه المشكلة مع الجانب الفرنسي، وتوالي الوزراء الواحد تلو الآخر ممن تولوا حقيبة الثقافة وصولاً إلي الوزير الحالي جابر عصفور، دون أن يحرك أيهم ساكناً. وحتي تاريخ كتابة هذه السطور لم يكن أحد يتخيل أن تتجاوز الفضيحة هذا الحد، وهو مشاركة السفارة المصرية في باريس في الترويج لهذا التمثال المسيء لحضارتنا وتاريخنا الفرعوني، حيث كشف الفنان المصري هشام جاد أن سفارتنا أصدرت «كتالوج» بعنوان «مصر في باريس» يتضمن صوراً لهذا التمثال، مع تعليق توضيحي صيغ بأسلوب مهين لكيفية وسبب وضع شامبليون قدمه علي رأس الملك الفرعوني. يقول الفنان هشام جاد: عرفت بالصدفة البحتة بوجود رسم لتمثال شامبليون الذي يضع قدمه علي رأس فرعوني مكسور في باريس، داخل «كتالوج» كان يوزع باللغتين العربية والفرنسية بالمكتب الثقافي المصري في باريس الذي يقع داخل السفارة المصرية في باريس، وكان ذلك بعد تصويري للتمثال المسيء بمدخل «كوليج دي فرانس». يتابع: بعد نشر الفيديو وتحقيق «آخرساعة» ظللت علي تواصل مع السفارة المصرية في باريس من خلال المستشارة الثقافية أمل الصبان، حيث قال أكثر من وزير للثقافة ممن تعاقبوا علي الوزارة في هذا الوقت إنهم سيخاطبون الحكومة الفرنسية لنقل اعتراضهم بشأن التمثال، وبالتالي كنت أقابل المستشارة الثقافية لمعرفة آخر الأخبار وما وصلت إليه مع الجانب الفرنسي، إلي أن قالت بعد حوالي سنة إنها «غير معنية بموضوع التمثال»! وأضافت: يا فنان الموضوع الآن خاص بالدبلوماسية ولو أردت الاستمرار فلتذهب إلي وزير الخارجية أو السفير، فسألتها ماذا عن نتيجة لقاءاتك مع الجانب الفرنسي علي مدار سنة كاملة؟ فقاطعتني مجدداً وقالت: يا فنان أنا ليس لي أي علاقة بهذا الملف الآن، ولا توجد نتائج مع الجانب الفرنسي.. اذهب إلي الخارجية لو أردت مواصلة الموضوع. ولم يكن هشام جاد يعلم أن المصيبة أصبحت مصيبتين، علي حد قوله، فقد اكتشف بالصدفة أن الكتالوج الذي يضم صوراً مرسومة للتمثال المسيء يتم توزيعه منذ العام 2005 داخل السفارة المصرية في باريس، بالتوازي مع الاحتفال بالمئوية الثانية للحملة الفرنسية علي مصر، ويتم ذلك من خلال المكتب الثقافي الواقع بطبيعة الحال داخل مقر السفارة، وربما يتم توزيعه من قبل هذا التاريخ حيث يحمل رقم إيداع 8237 لعام 2001 بينما يحمل ترقيماً دولياً 9773330656 المفاجأة أن كاميليا صبحي كانت هي الملحق الثقافي بالسفارة في ذلك الوقت وهي المسؤولة عن جميع الأنشطة الثقافية والفنية، أي أنها المسؤولة المباشرة عن عمل وتوزيع هذا الكتالوج مع السفير المصري، أما المفاجأة الأكبر فهي تولي كاميليا صبحي حالياً منصب مسؤولة العلاقات الخارجية بوزارة الثقافة في مصر. وهكذا يتضح أن المسؤولين في السفارة المصرية كانوا يعلمون بموضوع التمثال المسيء قبل نشر الموضوع إعلامياً بعدها بنحو سبع سنوات حيث تم نشر الفيديو علي موقع «يوتيوب» أواخر العام 2012 والكارثة أن هؤلاء المسئولين اختاروا هذا التمثال ليكون عنواناً رئيسياً للاحتفال بالمئوية، ووضعوا صورة له داخل الكتالوج. ورفض الفنان المصري الكشف عن هوية الشخص الذي حصل من خلاله علي نسخة من الكتالوج، مكتفياً بتزويد «آخرساعة» بنسخ مصورة من صفحات الكتالوج، ومقطع فيديو خص به المجلة نعرضه علي موقعنا الإلكتروني يعرض فيه صفحات الكتالوج وقصة التمثال المسيء ودور «آخرساعة» في كشف هذه الفضيحة إعلامياً قبل نحو عامين. في نهاية هذا الموضوع لا يبقي أمامنا سوي طرح حزمة من الأسئلة: لماذا تصر فرنسا علي إهانة التاريخ المصري، ولماذا لا تستجيب لاعتراضات العديد من أبناء الجالية المصرية بنقل هذا التمثال المسيء إلي أحد المخازن وإغلاق هذه الصفحة إلي الأبد؟ وما الخطوات التي اتخذتها الدبلوماسية المصرية في سبيل إنهاء هذه المشكلة مع الجانب الفرنسي، ولماذا لم تتم مساءلة كاميليا صبحي حتي الآن عن هذا الكتالوج وكيف سمحت بوضع رسمة للتمثال المهين داخله، بدلاً من أن تحتج وهي الملحق الثقافي لمصر في باريس أمام الحكومة الفرنسية، ولماذا لم تخطر المسؤولين في مصر؟ تساؤلات عدة أعتقد أن مفاتيح إجاباتها مع كاميليا صبحي والسفير المصري في ذلك الوقت. لمتابعة الفيديو يمكن الدخول علي الرابط التالي علي «يوتيوب» بعنوان (جزمة شامبليون في السفارة المصرية - هشام جاد): «https://www.youtube.com/watch?v=n2zilzT2TYw»