انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    وزير المالية: بدأنا مرحلة تصحيحية لمسار الاقتصاد المصري لتجاوز التحديات    ڤودافون مصر توقع اتفاقية تعاون مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لدعم الأمن السيبراني    بروتوكول تعاون بين جامعة الفيوم والاتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية    قاضٍ مصرِي يَكشف تواريخ وأسباب تحطم طائِرات رؤساء الدول منذ عام 1936    أخبار الأهلي: الأهلي يكشف تفاصيل جراحة علي معلول    ضبط مكرونة وسجائر مجهولة المصدر في حملة تموينية بشرق الإسكندرية    تفاصيل عيد الأضحى 2024 ومناسك الحج: الموعد والإجازات    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    حجز استئناف أحمد عز على إلزامه بدفع 23 ألف جنيه إسترليني لتوأم زينة    تطورات حالة والد مصطفى قمر الصحية بعد إجرائه جراحة    بعد طائرة الرئيس الإيراني.. هل تحققت جميع تنبؤات العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف؟‬    إيرادات "السرب" تتخطى 30 مليون جنيه في شباك التذاكر    6 نصائح لمواجهة الطقس الحار.. تعرف عليها    الوفد الروسي بجامعة أسيوط يزور معهد جنوب مصر للأورام لدعم أطفال السرطان    الليجا الإسبانية: مباريات الجولة الأخيرة لن تقام في توقيت واحد    استبدال إيدرسون في قائمة البرازيل لكوبا أمريكا 2024.. وإضافة 3 لاعبين    مدرب الزمالك يغادر إلى إنجلترا بعد التتويج بالكونفيدرالية    مصطفي محمد ينتظر عقوبة قوية من الاتحاد الفرنسي الفترة المقبلة| اعرف السبب    وزير الري: 1695 كارثة طبيعية بأفريقيا نتج عنها وفاة 732 ألف إنسان    البنك الأهلي المصري يتلقى 2.6 مليار دولار من مؤسسات دولية لتمويل الاستدامة    المؤشر الرئيسي للبورصة يتراجع مع نهاية تعاملات اليوم الاثنين    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    تأجيل محاكمة رجل أعمال لاتهامه بالشروع في قتل طليقته ونجله في التجمع الخامس    العثور على طفل حديث الولادة بالعاشر من رمضان    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    سوزوكي تسجل هذه القيمة.. أسعار السيارات الجديدة 2024 في مصر    العمل: ندوة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الوزارة فى مواجهتها بسوهاج    "النواب" يوافق على منحة لقومي حقوق الإنسان ب 1.2 مليون جنيه    الحياة على كوكب المريخ، ندوة علمية في مكتبة المستقبل غدا    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد    افتتاح دورة إعداد الدعاة والقيادات الدينية لتناول القضايا السكانية والصحية بمطروح    «صحة الشرقية» تناقش الإجراءات النهائية لاعتماد مستشفى الصدر ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    «السرب» الأول في قائمة إيرادات الأفلام.. حقق 622 ألف جنيه خلال 24 ساعة    مسرح التجوال يقدم عرض «السمسمية» في العريش والوادي الجديد    نائب جامعة أسيوط التكنولوجية يستعرض برامج الجامعة أمام تعليم النواب    شيخ الأزهر يستقبل سفير بوروندي بالقاهرة لبحث سبل تعزيز الدعم العلمي والدعوي لأبناء بوروندي    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    في طلب إحاطة.. برلماني يحذر من تكرار أزمة نقل الطلاب بين المدارس    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    شكرى: الاحتياجات ‬الإنسانية ‬للأشقاء ‬الفلسطينيين ‬فى غزة ‬على رأس أولويات مصر    وزيرة الهجرة: نتابع تطورات أوضاع الطلاب المصريين فى قرغيزستان    تفاصيل أغنية نادرة عرضت بعد رحيل سمير غانم    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    باحثة سياسية: مصر تلعب دورا تاريخيا تجاه القضية الفلسطينية    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    ماذا يتناول مرضى ضغط الدم المرتفع من أطعمة خلال الموجة الحارة؟    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    إعلام إيراني: فرق الإنقاذ تقترب من الوصول إلى موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخه يرجع ل45 مليون سنة ويزدحم بالجبال
كهف وادي سنور .. الجنة تحت الأرض
نشر في آخر ساعة يوم 14 - 04 - 2014

د. الجبيلى مدير المحمبة يشرح ل «آخر ساعة» تفشل الكتابة في وصف كهف وادي سنور وتعجز الصور عن نقل إحساس من يزوره، لا يوجد بديل سيدي القارئ عن قيامك بالرحلة إلي مكان تنطق فيه صخور تحت عمق الأرض بآيات الجمال وتحكي عن جغرافيا لا يمكن تخيلها، وحقيقة تسبّح بجلال قدرة الخالق.. حقيقة عمرها 45 مليون عام!
في زيارتنا للكهف كنا نظن أننا أمام معلم سياحي من حقنا أن نفخر به، ونقول للعالم: هلموا لتشاهدوا ما أبدعته يد الخالق في بطن جبل علي أرض مصر، لكن من اكتشف الكهف اتهموه بالجهل، ومن حاول أن يروج للكنز أوقفته اليد الأمنية، ومن خطط لفتحه أمام الزائرين أغلقوا في وجهه الأبواب، ونجح عبدة الروتين في المكاتب الحكومية علي مدار أكثر من 20 عاما في حجب البهاء وإلقاء أطنان الألماس في وحل الإهمال.
تم اكتشاف كهف وادي سنور أثناء أعمال استغلال خام الألباستر المصري من المحجر رقم 54 بمنطقة المحاجر في جنوب شرق مدينة بني سويف، حيث ظهرت فتحة في باطن أرض المحجر تؤدي الي فراغ عميق يمتد الي مسافات كبيرة علي يمين ويسار الفتحة الصناعية.
يحتوي الكهف علي أشكال متعددة من الظواهر الجيولوجية المعروفة باسم الصواعد والهوابط، يرجع تكوينها الي 45 مليون سنة.
يعتبر الكهف من أحد الكهوف النادرة عالميا والفريدة كما يعتبر مكانا سياحيا جذابا وهو عبارة عن كهف طبيعي نتج من تأثير عوامل الإذابة علي الحجر الجيري الأيوسيني الموجود بمنطقة جبل سنور شرق النيل حيث يحتوي علي الأشكال الجيومورفولوجية الجميلة.
بينما يوجد نطاق كارستي محفوظ بمنطقة المحمية ينقسم الي نطاق علوي من التربة، ويعرف باسم « التيراروزا» وهي رواسب طينية غنية بأكسيد الحديد وبقايا الحجر الجيري المذاب، أما النطاق الأوسط والسفلي من التربة فيحتوي علي أشكال ورسوبيات الكالسيت المختلفة .
تم إعلان تلك المنطقة كمحمية طبيعية عام 1992م، وقام جهاز شئون البيئة بعمل التكسيات اللازمة لمخرات السيول وتأمين الموقع ومدخل الكهف من مياه السيول القادمة من جبال البحر الأحمر عبر الوديان المؤدية الي مجري نهر النيل ومنها وادي سنور، كما تم إنشاء إستراحة لإستقبال الزوار وغرفة لمولد الطاقة الكهربائية ومبني لإقامة العاملين ومبني لإدارة المحمية، ويأخذ الكهف شكلا هلاليا حيث يتكون من بهوين كبيرين علي يمين ويسار الفتحة المؤدية الي داخله، حيث يكون في الجزء الأيمن تكوينات كلسية تأخذ أشكالا جميلة مختلفة مثل الشعاب المرجانية أو الستائر الكلسية النامية علي أرضية وجدران الكهف و الصواعد التي تنمو من أرضية الكهف الي أعلي وعند التقائها بالهوابط تؤدي الي تكوين أعمدة تشبه شكل جذع الشجرة.
وفي هذا الملف تحكي آخر ساعة قصة الكهف الأسطورة لتضع الصرخة في آذان المسئولين لعل.. وعسي
في الصحراء الشرقية وعلي بعد 80 كيلو مترا من بني سويف يقع كهف وادي سنور.. ستبدأ الصحراء في الظهور عندما يختفي الطريق المرصوف لتمضي السيارة علي مدق ترابي بطول 22 كيلو مترا، يتفرع في صحراء خالية من العلامات، بينما كومة من الحجارة علي شكل هرم ميدوم تقف علي يمين الطريق مكتوب عليها " محمية كهف سنور" وسهمان يشيران إلي طريق - غير موجود - عليك أن تسلكه!
الحجارة الموضوعة علي الجانبين كانت البرهان الوحيد أننا نمضي في المسار الصحيح. مرقت السيارة تحملنا إلي غايتنا، ونحن ننصت إلي محمد ... سائق المحمية الذي فضل أن يصطحبنا ليكون دليلنا وسط كثبان من الرمال وجبال صماء يفتقد كلاهما لغة التفاهم مع الغرباء.
يحكي محمد كثيرا عن مدير المحمية الدكتور الجبيلي، يقول إنه حمل هذه الحجارة الموضوعة علي أكتافه مع الموظفين، لنخبر القادمين عن جهتهم، ويسرد قصصا متعاقبة حول اكتشاف الكهف، ومن تعاقبوا علي إدارته. يصف دهشة من أتوا إليه، ويعدنا بجمال لم نشاهده من قبل ينتظرنا بداخله.
ابتسامة الدكتور الجبيلي كانت أول من استقبلنا قبل أن تبدأ رحلتنا في التعرف علي معالم الكهف، كان مدير المحمية يرحب أيضا بموظفين جدد تصادف أن يكون يومهم الأول في العمل معه هو نفس اليوم الذي وصلت فيه " آخر ساعة" إلي هناك، وهو ما مكننا من حضور أول اجتماع لهم.
ومن مقر إدارة المحمية خطونا جميعا خلف الجبيلي لنجد أنفسنا في منحدر حلزوني داخل حضن جبل شاهق كان من الممكن أن تسقط حجارته علينا في أي لحظة!
الشعور بالخطر يتضاءل أمام سحر المكان، بينما قداسة الفضول تمحو إحساسك بذنب المغامرة، ويهرب منك التعبير أمام فتحة الكهف (60 سم)، يتجمد اللسان رغم درجة الحرارة العالية، وتهبط عيناك إلي أسفل خلف ما يجر حواسك لمعرفة ما في الداخل.
رهبةٌ تجتاحك ما إن تبتلعك الأرضُ في جوفها وتطأ قدمك أرضا بكراً، صدي الأصوات في جوف الكهف يضفي علي المكان النادر جلالاً ووقارا، يخشع قلبك لعظمة التشكيل الإلهي، وأنت تري الله وقد نفخ في الصخر من روحه، فتشكل أجساداً بشرية لأمٌ ترضعُ وليدها، وأسرة تجتمع حول أب، وصديقين أحدهما يتلو سره والآخر يستمع، وكل ما يمكنك تخيله، ونباتات صخرية ، وكريستالات تلمع.
ظهر أستاذ الجيولوجيا الدكتور الجبيلي أبو الخير مدير المحمية وكأنه قائدٌ من المحاربين القدامي يقود كتيبته من موظفي المحمية الجدد الذين يزورون الكهف للمرة الأولي، يشحذ هممهم للعمل ويعلمهم أن الإخلاص لهذا الكهفِ المنفيّ في الصحراء هو إخلاصٌ للطبيعة والوطن.
يطلق تحذيراته للجميع: "ممنوع لمس أي شيء داخل الكهف" يسألونه عن السبب ويشرح: من السهل جداً أن تؤثر رطوبة اليدين علي التكوينات الطبيعية الموجودة بالداخل، مما يؤدي إلي ذوبانها مع الوقت. كما أن الكريستالات المتكونة علي الجدران حساسةٌ جداً، تفقد بريقها وتتأثر من لمسة.
يشير بيده إلي اتجاهات متفرقة: كهف وادي سنور يعد من أندر الآثار الطبيعية علي مستوي مصر والعالم، بما يحويه من تكوينات جيولوجية فريدة تعود إلي العصر الأيوسيني الأوسط، تكون علي امتداد 45 مليون سنة يبلغ عمقه 30 متراً بطول 275 متر تحت سطح الأرض.
يتعالي الصمت من حوله ويضيف: هذا التجويف الذي يشكل الكهف كان كتلة صلبة من الجبل. حُفِر عن طريق مياه الأمطار والسيول التي تجمعت بكميات هائلة داخل شقوق الصخور. فأحدثت تفاعلاً بين الحجر الجيري وكاربونات الكالسيوم ما أدي إلي ذوبان الكتلة الصخرية تدريجياً علي امتداد ملايين السنين، مُشكلةً هذا المجري العميق بطول الكهف وبعرض 25 مترا.
يتابع: بعد جفاف المياه داخل الكهف وتكوين الفراغ الناتج عن ذوبان الحجر الجيري، تسربت المحاليل المائية المحتبسة داخل شقوق الصخور إلي باطن الأرض. ومع ازدياد الضغط كوّنت قطرات المياه الثقيلة المحملة بكربونات الكالسيوم المذابة صواعد وهوابط متقابلة من سقف الكهف وقاعه، وهي عبارة عن أعمدة من حجر الألبستر مختلفة الأطوال والأشكال والأحجام.
وبنفس الطريقة نري التكوينات الجيولوجية الصاعدة من حفرٍ جانبية تحت الكهف نفسه تشبه إلي حد كبير الشعب المرجانية أو ماتسمي بالنباتات الصخرية، وعليها تتكون كريستالات لامعة.
ويقارن: جميع الكهوف الموجودة في مصر أو التي تم اكتشافها حتي الآن، هي كهوف سطحية تحوي رسومات تمثل حياة الإنسان القديم مثل كهف "جارا" في الصحراء الغربية. ورغم أهميتها إلا أن كهف وادي سنور يتميز عنها بكونه كهفا غائرا غير سطحي له قيمة علمية تمثل إضافةً هائلة لعلوم الجيولوجيا ودراسة تكوين الصخور.
ويواصل: تعرض الكهف لسيول جارفة بارتفاع 25 مترا تقريبا أثناء عمليات التحجير. أثر ذلك بشكل كبيرعلي بعض تكويناته الجيولوجية، منها ماتحطم ومنها ماغطته طبقات كثيفة من الطين "غسيل الجبل" ورغم ذلك مازال قادرا علي أن يسحر بجماله الفريد كل من يزوره.
يشير إلي حفرة بجانب جدار تقع في أحد جوانب الكهف: كل المياه التي تتجمع هنا تتسرب إلي حفر وفتحات سفلي، مايؤكد لنا أن هناك كهوفاً أخري أسفل هذا الكهف.
ننظر إلي السقف فنشاهد تكوينات حجرية تشبه سماءً شتويةً ملبدةً بالغيوم ونسمعه يقول: هذه الأشكال تكونت عن طريق الضغط الهائل لمياه حاولت المرور من شقوق الصخور. ونظراً لضيقها الشديد هنا أحدث الضغط انحناءات زSausage shaped وتجاويف شكّلت التكوينات الصخرية التي تُعرف ب "الشكل السجقي" وهي قريبة إلي حد كبير من شكل السحب المتلاصقة.
الإضاءة سيئة داخل الكهف تقتصر علي مجموعة من اللمبات الموفرة التي تتوزع علي طول الممشي يربط بينها سلك كهربائي.
يمسك بأحد الكشافات ويسلط الضوء علي تجويفٍ جانبي مظلم فيبرق المرمر الهابط من سطح الكهف وتلمع كريستالاتٍ صغيرة تكوّنت عليه كحباتِ الألماس. ينظر إلينا ويقول: تخيلوا لو أن هناك إضاءة خلفية ثابتة في الفراغات الجانبية تُظهر كل هذا الجمال. نحتاج إلي فريق متخصص في إنارة الآثار الطبيعية ليتولي المهمة بشكل علمي، يجب استخدام نوعية إضاءة معينة لا تبعث حرارة حتي لاتؤثر علي التكوينات الحساسة وتراعي البعد الجمالي.
وحول اكتشاف الكهف يقول: كان ذلك عام 1989 عن طريق الصدفة أثناء قيام عمال المحاجر بأعمال الحفر لاستخراج خام الألبستر أو "المرمر الأحمر" الذي يوجد في مستويات سفلي تحت الحجر الجيري. وعلي عمق 90 متراً من سطح الأرض فوجئ العمال بوجود فتحة ضيقة ظهرت لهم بعد التفجير باستخدام الديناميت. هذه الفتحة هي فوهة الكهف الحالية.
لم يكن معلوما لديهم أي شيء عن حقيقة هذا الاكتشاف، في البداية ظنوا أنه مقبرة قديمة أو مايشبه المغارة، إلي أن أبلغوا الجيولوجيين العاملين في المحاجر فتنبهوا لقيمة الكهف. وشكلت وزارة البيئة عدة لجان لمعاينة الكهف وفحصه وتحديد قيمته الطبيعية. وفي عام 1992 تم إعلانه كمحمية طبيعية بقرار من رئيس الوزراء.
يتخذ الكهف شكلاً هلالياً ويتألف من حجرتين يربط بينهما ممر. الأولي علي اليمين تمتلئ تماما بالصواعد والهوابط والتكوينات الحجرية، بينما تشكل الصالة الثانية فراغاً متسعاً يخلو من التكوينات، تهرب فيها الأصوات ويعود بصدي صوت الدكتور جبيلي: هناك العديد من الأفكار الرائعة التي يمكن تنفيذها داخل الكهف. هذه المساحة يمكن استغلالها في إقامة قاعة لعرض أفلام تسجيلية تثري الثقافة البيئية لدي السياح والزائرين، من خلال عرض مراحل تكوين الكهف بشكل مبسط.
يمكن إقامة مقهي يرتاح فيه الزوار بمقاعد طبيعية كالخشب والخوص والأحجار والحبال.
وبحسرة: كل هذه الأفكار لامجال لطرحها الآن، طالما لايزال الكهف غير مؤهل بعد لاستقبال الزوار بشكل رسمي. العديد من المخاطر التي تحفه تتعلق جميعها بالتأمين. ماحول فتحة الكهف غير مؤمن فنتيجة لأعمال التحجير والحفر في الجبل يمكن أن تسقط أحجار قد تودي بحياة أحد وهذه كارثة. كما أن سلم النزول الذي يربط بين فوهة الكهف وقاعه غير آمن.
ومنذ اكتشاف الكهف وإعلانه كمحمية طبيعية، اهتم خبراء الطبيعة به واشترك عدد من العلماء الأتراك في إجراء أول 3 دراسات تتناول مراحل تكوين الكهف وتحدد عمره التقريبي. وفي عام 2005 أجري خبراء مركز الحد من المخاطر التابع لجامعة القاهرة دراسة لتأمين فتحة الكهف وترميم ماحولها، ولتيسير سهولة نزول الكهف والإرشادات الواجب علي الزوار اتباعها في تعاملهم مع الأثر الطبيعي.
وزارة البيئة لم تنفذ أيا من هذه الدراسات وأجلتها. ولكن الآن هناك جهود من قطاع المحميات الطبيعية لتنفيذ دراسة تأمين مدخل الكهف عن طريق الهيئة العامة للقوات المسلحة.
بعد 25 عاما
من مايو 1989.. إلي إبريل 2014.
25 عاما مضت علي هبوطي المحفوف بالمخاطر إلي كهف الألباستر في بني سويف.. وبعد معاناة في طريق تنهشه سيارات النقل الضخمة وميكروباص بلا شبابيك في حرارة مايو ورطوبتها.
لم يجازف أي من الصحفيين المرافقين للجنة الجيولوجية الذاهبة لدراسة الموقع النادر الذي اكتشف صدفة ورفض زميلي المصور النزول معي علي حبل غليظ أسفله بعمق 3 أمتار سيوف من تشكيلات الكهف كافية لتقطيع أي أحد وقالوا لن نستطيع إحضاره بعد تمزقه حتي لا نلحق به.. لكني عشت تجربة جميلة ومرعبة.. أن يؤكد رئيس اللجنة أن أرض الكهف قد تهبط بنا لكهف سفلي أو تنطبق كتلة 70 متراً من جبل الألباستر علينا.. لكن التشكيلات النادرة ومعلومات الجيولوجيين هونت حتي رعب الصعود والخروج من القلق.. ولصداقتي مع معظم الباحثين وكنت عملت 9 سنوات في موضوعات مناجم الذهب واليورانيوم، كتبت خلفهم تقريرهم الذي لم يحضره الصحفيون ملتهبين في كشك خشبي بجوارنا.. وعندما سبقوني رفض مسئولو المحافظة الإعلان عن محتواه.. وكان سائقي مخضرما وقد تركته هناك وشارك في المؤتمر بفضوله، فتلقفني من أمام الباب يسرع بسيارته لموضوع جميل لم يشاركنا أحد من الصحفيين في تفاصيله.. فجاء شباب (آخر ساعة) بعد ربع قرن ليعيدوا ذكريات ويكملوا ما اعتادته علي مدي 80 عاما من عمرها في الريادة خاصة التحقيقات الصحفية.
محمدعلي السيد
المهندس أحمد يحيي الصندوق الأسود للكهف:
يا شئون البيئة أعيدي النظر في العرض التركي المهمل منذ 15 عاما!
تكتمل دهشتنا وحسرتنا والمهندس أحمد يحيي المدير السابق لمحمية كهف وادي سنور يسرد تفاصيل الوقائع التي عاصرها في الكهف علي مدار 20 عاماً هي المدة التي قضاها في إدارته.
بدا المهندس أحمد يحيي وكأنه صندوق أسود للمحمية يسجل في ذاكرته عشرات الملفات والتقارير التي أعدها عن الكهف في السابق، ويستعرض سلسلة الإخفاقات المتتالية وأنصاف الاتفاقيات بين الدولة والمستثمرين، والدراسات المهملة التي لم تنفذ يقول: توليت إدارة محمية كهف وادي سنور منذ إعلانه محمية طبيعية عام 1992 وطوال فترة إدارتي للمحمية حاولت جاهداً بكل الوسائل المتاحة ، لأدفع بالكهف خطوةً إلي الأمام. ولكن للأسف كل محاولاتي كانت تصطدم بالروتين الحكومي القاتل وعدم اهتمام جهاز شئون البيئة بالكهف.
كان يُنظر إلي الكهف علي أنه غير مجد ولايستدعي أن تنفق عليه الدولة لافتتاحه وتأهيله للزوار. بينما تولي وزارة البيئة جهودها للمحميات الأخري التي تحظي بمكانة دولية وتندرج ضمن التراث العالمي مثل محميات الفيوم و«وادي الحيتان ووادي الريان»، ومحميات الصحراء البيضاء وغيرها.
لم يُفتح الكهف رسميا حتي الآن لأن نزوله خطر جداً. بينما طالبت في كل التقارير التي كنت أرسلها إلي جهاز شؤون البيئة بوقف الزيارة للكهف. لأن هناك عدة انهيارات حدثت بعد أكثر من زيارة، آخرها وقع بعد ساعات من مغادرة مجموعة من موظفي السفارة الأمريكية.
سقطت حجارة تزن أكثر من طنين أمام مدخل الكهف. كان يمكن أن تحدث كارثة لولا ستر ربنا. لذا ففي كل زيارة له أضع يدي علي قلبي ويتملكني خوف شديد من أي مصيبة محتملة. وأحذر الزوار من أن الكهف غير آمن وأن نزولهم علي مسؤوليتهم الشخصية.
ويشير إلي أن مشكلة الكهف الرئيسية كانت تكمن في الحوائط الخارجية المحيطة بفتحته لأنه يقع في جوف الجبل، هذه الحوائط غير آمنة بالمرة نظراً لتعرض صخورها لانهيارات مستمرة. وفي سبيل تأمين مدخل الكهف أجريت العديد من الدراسات التي قامت بها مؤسسات بحثية مصرية وأجنبية أيضاً، وللأسف كان الأمر يتعذر في كل مرة وحتي الآن لم يتم أي شيء في هذا الصدد.
وبعد فترة وجيزة من إعلان الكهف محمية طبيعية جاء فريق من أهم خبراء الكهوف الأتراك منتدبين من المعهد القومي للكهوف بتركيا. وبعد أن أجروا بشكل مجاني أول دراسة علمية متكاملة لمسح الكهف ووصفه وتقييمه. عرضوا علي جهاز شؤون البيئة أن يتولوا تنمية المحمية وتأمين الكهف بشكل كامل لافتتاحه للزوار. ولكن الجهاز لم يتعاون معهم واستكثر المبلغ المطلوب وتكاليف المشروع.
ثم قام فريق أمريكي من خبراء الكهوف بإجراء دراسة تأمين الكهف وطرح تصوراته بوضع خطة تقوم علي حفر نفق خراساني يوصل الزوار من أقرب منطقة آمنة إلي جوف الكهف. وأرسلوا هذه الدراسة بالصور والخرائط إلي جهاز شؤون البيئة.
ورغم أنها كانت قابلة للتنفيذ إلا أن مسؤولي الجهاز اعترضوا عليها آنذاك لأن هذه الفكرة تحرم السياح من رؤية المنظر البانورامي المحيط بالكهف ولم تُعرض للتنفيذ. فوضع الخبراء الأمريكان خطة بديلة بأن يتم استخدام مصعد كهربائي شبيه بالتلفريك يوصل مباشرة إلي فوهة الكهف لتفادي المرور بمنطقة الانهيارات.
وبالفعل تواصلنا مع شركات لديها خبرة في هذه الإنشاءات المعدنية، ونظمت زيارة لهم ليعاينوا الموقع ولكن لم يصلوا إلي اتفاق مع مسؤولي الجهاز. كما عرضت شركة الرحاب علي الدكتور مصطفي فودة رئيس الجهاز آنذاك تمويل المشروع بالكامل ولكن العرض كان مصيره مثل غيره.
ويضيف يحيي: صعوبة تنفيذ مثل هذه المهمة كانت أحد العوائق التي ساهمت في إفشال مساعي افتتاح الكهف. أجريت مناقصة لإحدي شركات الإنشاءات كان يفترض أن تقوم بتثبيت صخور الجبل عن طريق أوتاد بطريقة هندسية معقدة، ولكن المشروع توقف لاعتذار الشركة عنه.
كما اعتذر خبراء مركز بحوث البناء وقسم العمارة بجامعة القاهرة عن عدم تنفيذ الدراسة التي أجراها مركز الحد من المخاطر. وقالوا إن المشروع غير مضمون لأن الشبكة الحديدية المخطط لها لايمكن أن تمنع الحجارة من التساقط.
ويؤكد أن الحل الوحيد لإنقاذ كهف وادي سنور أن تستفيد الدولة من تجارب الدول ذات الخبرة العميقة في مجال الكهوف مثل تركيا. إذ ليس هناك خبرة في مصر يمكن أن تتحمل مسؤولية تأمين الكهف. لذا يجب علي مسؤولي جهاز شؤون البيئة أن يعيدوا النظر في العرض التركي الذي أهملوه منذ أكثر من 15 سنة.
نظام مبارك صادر فيلمه التسجيلي عن الكهف ومنعه من عرضه
الدكتور مصطفي محمود يثمِّن الكنز.. وأمن الدولة تمنعه من الكلام!
حاول الدكتور مصطفي محمود - رحمه الله - أن يشرح للعالم قيمة اكتشاف الكهف، وما يحتويه من كنوز عظيمة، اصطحب معه معدات التصوير وذهب إلي هناك وقام بتصوير فيلم تسجيلي عن الكهف ليحكي للعالم ما يمكن أن يحتويه جبل في مصر من حقيقة أروع من خيال، لكن زوار الفجر في عهد المخلوع لم يمهلوه، انتزعوا منه الفيلم وطالبوه بعدم التحدث في الموضوع!
بدعوة من العمدة سعد الله - مكتشف الكهف - قام الدكتور مصطفي محمود بزيارته للمرة الأولي يقول العمدة: هناك حملته علي كتفي ليدخل، ومهدت له داخل الكهف سلماً خشبياً هو الموجود في الداخل الآن. وقام الدكتور بتصوير أول فيلم وثائقي عن الكهف من خلال شركة إنتاج سعودية ووعدني أنه سيأتي لي بحقي.
وبعد أن انتهي من التصوير كان يخطط لعرض مقاطع من الفيلم في برنامجه العلم والإيمان، وعرض الفيلم كاملاً في عدة دول حتي يلفت أنظار العالم إلي هذا الاكتشاف ويأخذ الكهف وضعه علي خريطة آثار العالم.
وبعد أسبوع قابلت الدكتور مصطفي محمود فوجدته غاضباً جداً، شتمني وقال لي: انت فقري!! انسي حاجة اسمها «حق» واستعوض ربنا في فلوسك. وأخبرني أن أمن الدولة صادرت الفيلم ومعدات التصوير، ومن يومها لم يخرج الفيلم للنور.
الدكتور محمد الإنبعاوي أستاذ الجيولوجيا البيئية والتطبيقية بجامعة القاهرة:
عدم الالتفات إلي ترميمه كارثة.. والتأخير يزيد احتمال الانهيارات
تعود الدراسة التي أجراها الدكتور محمد الإنبعاوي أستاذ الجيولوجيا البيئية والتطبيقية في مركز جامعة القاهرة للحد من المخاطر البيئية إلي عام 2005، كان جهاز شئون البيئة قد كلفه بإعداد دراسة جيوهندسية لإعادة تأهيل الكهف لاستقبال الزائرين وكان وقتها يشغل وظيفة المستشار التنفيذي ومدير المشروعات بالجهاز.
يعرّف الإنبعاوي كلمة جيوهندسية بأنها تعني دراسة طبيعة الصخور والرواسب والتكوينات الجيولوجية التي تكوّن عناصر الكهف من الداخل والخارج. وتحديد الخصائص الجيوتقنية للصخور بمعني رصد وتسجيل أي تشققات يمكن أن توجد في صخور الجبل وتحديد اتجاهات هذه الشقوق وعمقها ومدي اتساعها، وتقييم خطورتها وتحديد أي الأماكن أكثر خطورة من الأخري.
ويضيف: كما تتضمن إيضاح الأماكن الآيلة للسقوط والمناطق القوية المتماسكة، فضلاً عن دراسة مدي اتصال وتأثر صخور وجبال المنطقة بالعوامل الطبيعية الخارجية مثل الهزّات الأرضية "الزلازل" والأمطار والسيول الغزيرة.
ويواصل: كونت فريقا من أهم خبراء جامعة القاهرة في مجالات الهندسة والسياحة والتخطيط العمراني والجيولوجيا والجيوفيزياء. ومن اهتمامنا بهذا الأثر الطبيعي العظيم كنا نعامله بحرص شديد كأنه مقبرة فرعونية، حتي أنني استعنت بخبراء من مهندسي الآثار للحصول علي خبرتهم في ترميم التكوينات الحجرية الموجودة داخل الكهف.
ويقول: الدراسة تمت علي مرحلتين: الأولي تضمنت عدة عناصر وخطوات قمنا بها لدراسة طبيعة المنطقة حتي نتمكن من تأمينها. بدايةً من عمل رفع مسحي لمنطقة الكهف، وكنا نتوقع وجود كهوف أخري في المنطقة لأنها مكونة من الحجر الجيري الذي تعرض في عصورٍ ماضية لسيول غزيرة، تكونت من الأمطار الحمضية المشبعة بحامض الكربونيك الذي يزيد من قدرتها علي إذابة الصخور.
وبالفعل أكدت نتائج الدراسة هذه الفرضية. حيث عن طريق تتبع نقاط التقاطع بين فوالق وتشققات الصخور ومظاهر التجوية السطحية الموجودة بالقرب منها. وباستخدام الرادار الأرضي تم الكشف عن وجود تجاويف وكهوف أخري مجاورة لكهف وادي سنور. كما اكتشفنا وجود طابق آخر تحت أرضية الكهف نفسه.
أما ثاني خطوات الدراسة: أجرينا مسحا جيوفيزيائيا للكهف وللمنطقة المحيطة به باستخدام الطريقة الجيوكهربائية التي تعتمد علي إرسال واستقبال الشحنات الكهربائية وقياس مردودها باستخدام الأقطاب، لرصد حالة طبقات الصخور تحت السطحية وما إذا كانت رطبة أم جافة.
ثم قمنا بدراسة المخاطر التي تواجه الكهف التي يمكن أن تؤثر عليه سلباً فيما بعد. وعلي رأسها العوامل الطبيعية مثل السيول. فكهف وادي سنور يقع في الصحراء الشرقية علي مسافة قريبة من جبال البحر الأحمر، مايجعله عرضة للتأثر بأي أمطار غزيرة تهطل عليها.
وباستخدام برامج معينة أجرينا حساباً لكمية الأمطار الافتراضية التي قد تصل إلي الكهف ومدي سرعتها. لأنه يقع في منطقة منخفضة بالنسبة للجبال المحيطة به.كما أخذنا في اعتبارنا قياس التأثير الذي يمكن أن تحدثه الهزّات الأرضية علي منطقة الكهف.
كل هذه الخطوات كانت ضرورية لنصل إلي المرحلة الثانية من الدراسة والتي توصلنا فيها إلي كيفية تأمين الكهف لاستقبال الزوار.
بدأنا بوضع وسائل لمواجهة الانهيارات التي يمكن أن تحدث، فالصخور المحيطة بفتحة الكهف بها نسبة رطوبة عالية. هذه الرطوبة تُعمق الشروخ وتفتت الصخر تدريجياً وتجعله قابلا للانهيار في أية لحظة.
اقترحنا عدة أساليب للحماية منها إحاطة فتحة الكهف بشبكة حديدية من الصلب، تؤمن الحائط القابل للانهيار وتحول دون وصول الحجارة المتساقطة من الجبل إلي الزوار. وهذه وسيلة متبعة علي مستوي العالم لتأمين الانهيارات الأرضية علي حواف الهضاب، وأن يتم حقن شقوق الصخور بمادة المونا لتتماسك.
وفيما يتعلق بداخل الكهف وضعنا خطة متكاملة لتأمينه وترميم التكوينات التي تأثرت بالسيول وتنفيذ أفكار مبتكرة لاستغلاله بالشكل الأمثل. وبدأنا بمدخل الكهف والسلم المؤدي إلي عمقه لأنه خطير جداً. وضعنا له تصميماً آمنا تتخلله شُرفات تطل علي الكهف بزوايا معينة تكشف أجمل مافيه، بحيث يمكن للزوار التقاط صور من خلالها ومتابعة النزول إلي عمق الكهف.
كنا نعامل الكهف بحرص شديد كأنه متحف طبيعي مفتوح نحاول الحفاظ علي كل شبر في داخله.
وقمنا بوضع خطة لترميم منطقة انهيارية تقع في أقصي يمين الكهف، فضلا عن أن هناك تكوينات معينة من الألبستر أوصينا بتغطيتها بزجاج عازل للرطوبة للحفاظ عليها. كما طرحنا أفكارا رائعة يمكن تنفيذها لاستغلال الجانب الأيسر من الكهف الذي يحوي مكاناً متسعاً بسقفٍ مرتفع، وتخصيصه للتأمل والاستشفاء النفسي للزوار باستخدام موسيقي وإضاءة معينة.
ولم نكتفِ بذلك بل طرحنا تصوراً كاملاً لكيفية استغلال الكهف لتحقيق تنمية محلية لمحافظة بني سويف وتحويله إلي بؤرة جاذبة للسياح. وقدمنا تصميمات لبازارات يمكن إنشاؤها داخل الكهف تعرض فيها منتجات يدوية لأبناء المحافظة.
وبعد أن فرغنا منها أعددنا كراسة شروط فنية بها مواصفات لكل عنصر من العناصر المقترحة. حتي أننا حددنا نوعية الخشب المطلوب لعمل "درابزين" السلم المؤدي إلي الكهف. وكانت المدة المحددة لتنفيذ الدراسة ستة أشهر بتكلفة إجمالية تصل إلي مليون ونصف مليون جنيه.
يتابع بحسرة: وحين قدمنا الدراسة لجهاز شؤون البيئة الذي كلفنا بها، صعقتُ من رد المسؤولين في الجهاز تعاملوا مع الموضوع باستخفاف شديد، استكثروا المبلغ المطلوب لتنفيذ الدراسة وقالوا إن الكهف لايستدعي كل هذا.
مؤسفٌ جداً ومحزن أن يضيع في الهواء جهد الخبراء الذين عملوا في المشروع. الدراسة لم تُنفذ ولم يؤخذ بها رغم أننا رصدنا العائد المادي الهائل الذي يمكن أن يعود علينا إذا تم افتتاح الكهف.
ولكن الأخطر من ذلك كما يحذر الدكتور الإنبعاوي أن عدم الالتفات إلي ضرورة ترميم الكهف كارثة. لأن التأخير في ذلك يزيد من خطورة الانهيارات التي يمكن أن تحدث. وكلما تأخرنا أصبحت السيطرة عليه شبه مستحيلة.
الثعابين تمنع «آخر ساعة»
من دخول استراحة السادات
في منزل منعزل بقرية سنور يطل علي النيل توجد استراحة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات التي استأجرها بهدف الاختباء من البوليس السياسي بعد مقتل أمين عثمان، مازال البيت يحتفظ بمظهره القديم، الطلاء المقشر يدل علي عدم وجود أي ترميمات علي الأثر، بينما أقارب العمدة سعد الله (مالكي المنزل) نصحونا بعدم الدخول إلي بيت قالوا إنه مهجور منذ عشرات السنين وصار مجرد مأوي للثعابين والعقارب.
حاولنا جاهدين إقناعهم بأهمية تصوير المكان بالداخل، لكن خوفهم علينا حرمنا من متعة التجوال ولو للحظات في مكان عاش فيه رجل قهر إسرائيل وانتزع السلام من أنياب الثعابين.
يحكي العمدة سعد الله حكاية هروب السادات واختباءه لمدة عامين في استراحة صغيرة بقرية سنور، عقب اتهامه عام 1946 في قضية مقتل أمين عثمان صديق الإنجليز فيقول:
كان جدي هو عمدة البلد آنذاك، وهو من استضافه وأسكنه في استراحة الشيخ عبدالغفار شاعية. أتي السادات إلي هنا أتي بصفته مقاولاً في شركة مصر للمناجم والتحجير يعمل تحت يديه عدد من العمال. كان غامضا كما يروي ولم يصرح بهويته وكان معروفاً باسم الحاج محمد نورالدين ولم يعرف أحد هنا حقيقته وقتها.
وظلت هذه الفترة من تاريخه سراً مدفوناً في قلب السادات وحده وعلي ألسنة المقربين منه فقط. إلي أن كشف عنها في مذكراته "البحث عن الذات" وذكر فيها بعض أسماء من عاشروه من أهل القرية.
من فترة طويلة أثير كلام عن أن هذه الاستراحة ستحول إلي متحف، ولكن لم يهتم أحد من قيادات محافظة بني سويف بهذا المقترح. الاستراحة حاليا ملك فتحي عبدالغفار شاعية وأولاده وهي مغلقة تماما لم تجر فيها أي أعمال صيانة.
مكتشف الكهف العمدة سعدالله ل «آخر ساعة»:
عشقت حجرا.. وقلوب المسئولين أكثر قسوة!
لا أطلب تكريمي.. فقط حقي المعنوي حتي أترك لأولادي ما يفخرون به
اسمي سعد الله سعد الدين علي، عمري 64 سنة .عمدة قرية سنور بمحافظة بني سويف من عشرين سنة. قريتي تضم تضم 7 عِزب وتمتد لمساحة 8 كيلو مترات حدودها من قرية بني سليمان الشرقية إلي جبل قبلي أو "المنشية" غرباً. تعداد القرية اليوم زاد بطريقة هائلة وصل إلي 25 ألف نسمة تقريباً!
وعيت علي الحجر في مهنة يعمل فيها جدي ووالدي وأقاربي. أبويا كان عمدة البلد وتقلب في جميع أعمال المحاجر "زلط، رمل، رخام، حجر .. وخلافه". كان يأخذني معه إلي الجبل وأنا مازلت طفلا. حرارة الصحراء وقسوة الجبل نشّفت عظامي، ووهبتني رجولتي ، وأفنيت في هذه المهنة 50 عاما من عمري.
يثني ساقه علي عظم الدكة: القصة الحقيقية للكهف لا يعلمها أحد.. ينظر إلي نقطة بعيدة، يطوي سنين مضت، يشير بإصبعه إلي مشهد يراه وحده: يوجد 4 محاجر المنطقة محجر رقم 51 و52 و55 و55 و54 الذي اكتشف فيه الكهف، وكنا نستخرج منه أجود وأندر خامات رخام الألبستر ويحكي أن قدماء المصريين عملوا في هذه المحاجر، وقيل إن الملكة نازلي أخذت هذه المحاجر وجعلت جزءاً منها معتقلاً للمساجين.
نضب رخام الألبستر من المحاجر جميعها ماعدا "محجر 54" الذي أفنيت عمري فيه. هذا المحجر تعاقبت عليه الأجيال منذ عام 1952 ولكن طرق الحفر كانت بدائية ويدوية حتي سنة 1980. فعملت علي تحديث معداتي وكانت كل الدلائل تشير إلي أن هناك كميات هائلة من الألبستر مازالت موجودة أسفل هذه المنطقة، ولم يكن معلوماً مكانها بالضبط.
وفي سنة 1982 غامرت وقررت أن أبدأ العمل في هذا الجبل، وواتتني الفكرة أن أحفر نفقاً أصل منه إلي عمق سحيق في باطن الجبل لأصل إلي رخام الألبستر. استغرق مني النفق في حفره وتمهيده ثلاث سنوات.
بعت أرضي وأملاكي حتي أستبدل معداتي البدائية بمعدات تفجير وحفر حديثة يمكن أن تتعامل مع هذا النوع من الجبال. وبمجرد أن انتهيت من حفر النفق ووصلت إلي العمق الذي يوجد به خام الألبستر، فوجئنا بفتحة ضيقة تظهر نزلنا فيها فوجدناها أشبه بمغارة مدهشة. فقمت بإبلاغ المسؤولين بمشروع المحاجر في بني سويف، وفقا لشروط عقد استغلال المحجر التي تنص علي الإبلاغ عن أي كشف يشتبه به. في البداية كان سيلقي القبض عليّ لأنهم ظنوا أنها مقبرة أثرية وأني نهبت محتوياتها. أبلغت المحافظة الجهات المعنية وشكلت لجنة من 13 جهة لمعاينة الكشف وتوصلوا إلي أنه كهف طبيعي قيل إن عمره يرجع إلي 45 مليون سنة.
كنت أدفع شهرياً 54 ألف جنيه لاستغلال المحجر. وكان لي وقتها مستحقات ومبلغ تأمين يصل إلي 340 ألف وهو المبلغ الذي دفعته مقدماً لإدارة مشروع المحاجر بالمحافظة حتي أبدأ العمل في المحجر.
بعد اكتشافي للكهف سنة 1988 بدأت معاناتي، سحبوا مني المحجر وأعلنوا الكهف محمية طبيعية بقرار حكومي. وحينما طالبت بمستحقاتي قالوا لي "مالكش حاجة عندنا". لتبدأ رحلة شقائي في البحث عن حقي المهدور. دخلت في خلافات مع المحافظة وقدمت شكاوي لمحافظ بني سويف وقتها عبدالفتاح غلوش، ولم أحصل علي شيء. فقررت أن أرفع قضية لأسترد مستحقاتي وخسرت القضية وضاع شقاي!.
طرقت جميع الأبواب إلي أن يئست وتعبت. وكانت النتيجة خراب بيتي وضعف وضعي المادي والاجتماعي وقطع رزق أكثر من 100 عامل يعولون أسرهم. و 500 عامل غيرهم في المحاجر المجاورة جميعهم تم تشريدهم بعائلاتهم.
يعصرني الحزن حين أقرأ كتيبات ونشرات عن كهف وادي سنور لم تشر إليّ ولو بكلمة واحدة مع أني من اكتشف الكهف، وأفني 20 عاما حتي يصل إليه!
إلي أن جاء يوم وأعلنت وزارة البيئة اعتزامها تنفيذ أعمال توضيب وترميم المحمية تمهيداً لافتتاح الكهف كان ذلك سنة 1997. فتقدمت وقلت في نفسي: يمكن ربنا يفرجها. ولكني فوجئت برئيس جهاز شؤون البيئة يرفضني وقال إن المهندس رشيدي عطوة سيتولي تنفيذ الأعمال .
قلت له أنا أولي بهذا لأني مكتشف الكهف أحفظه عن ظهر قلب، والوحيد الذي يعرف أسرار الجبل وكيفية التعامل معه، وخبرتي في المهنة تؤهلني لذلك. ولم يسمعني هو ولا غيره لأني لابس جلابية ويظنون أني جاهل في عهد مبارك لم ينصفني أحد، كان رئيس الوزراء وقتها عاطف صدقي ذهبت لأطرق بابه وأشتكي فرفض أن يقابلني. كتبت له ورقة وقلت: "ظُلمتُ فتظلمتُ فزاد الظلمُ عليّ" قال لهم: هاتو المجنون اللي برة. وحين دخلت قال لي: إيه اللي انت كاتبه دا، انت عارف انت بتكلم مين، أنا ممكن أحبسك.. قلت له احبسني علي الأقل هلاقي آكل وأشرب. وخرجت!
لا أطلب من الدولة أن تكرمني ولكن علي الأقل تعطيني حقي الذي ضاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.