علاء عبدالفتاح سجين كل العصور بين تدوينة "فضائحية" ووثيقة "أمريكية" وقع الناس في حيرة بشأن حقيقة تمويل النشطاء السياسيين واعتبارهم دون أدلة "خونة" و"عملاء"، إذ لم يفتح حتي الآن تحقيق موسع لمحاسبتهم، فيما تكتفي الدولة من حين لآخر باتهامهم صراحة عبر قيادات عليا أو عبر جهات خفية بحصولهم علي حماية خارجية، بينما هم يتراشقون بتلميحات "إدانة" وينشرون فضائحهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ورسائلهم الخاصة، فتجد احتجاجاً ضدهم - كلما ضغطت علي زر "ريفرش" - بين الصفحات المضادة للثورة التي تسرع في ترويج شائعاتهم ليصدقها الناس فيكرهون الثورة التي هم جزء منها. النشطاء يعتبرون أن الاتهامات التي تلاحقهم منذ 3 سنوات هي مجرد محاولات بائسة لتشويه ثورة 25 يناير التي صار يصفها البعض ب »النكسة« وأن قضايا التمويل هدفها منعهم من الحديث في السياسية، لكن ماذا بشأن وثائق ويكيليكس الأخيرة التي تزعم حصول عدد من النشطاء علي تمويلات خارجية خصوصاً من الولاياتالمتحدة الأمريكية؟ وبعدها انهال علي مكتب المستشار هشام بركات النائب العام العديد من البلاغات تفيد تورط عدد كبير منهم في عمليات تلقي أموال من الخارج، وضمت البلاغات قائمة أسماء طويلة لنشطاء سياسيين وحقوقيين أبرزهم: وائل غنيم، ووائل عباس، وعمرو حمزاوي، وإسراء عبد الفتاح، ووائل قنديل، وأسماء محفوظ، وأيمن نور، وأحمد دومة، وعلاء عبد الفتاح، ونوارة نجم، وعبد الرحمن عز، وعصام سلطان، والمعتز بالله عبد الفتاح، وأحمد ماهر، وجهاد الحداد، وهشام البسطويسي، وغادة شهبندر، وحافظ أبوسعدة، وناصر أمين، وعمرو الشوبكي، وأحمد سميح، ومُزن حسن، وحمدي قناوي، ودعاء قاسم، ومروة مختار، وجميلة إسماعيل، ومايكل منير، وهشام قاسم، وباربرة إبراهيم، وسها عبد العاطي، وحسام بهجت، ومعتز فجيري، وإنجي الحداد، وبهي الدين حسن، ومحمد شلبي. لكن لم يفتح تحقيق في هذه البلاغات، وخلال الأسبوعين الماضيين ألقي القبض علي عدد من النشطاء السياسيين من بينهم أحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل، وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة، ليس للتحقيق معهم في تهم التمويل لكن في تهمة جديدة وهي: التظاهر دون إخطار السلطات! يضاف إليهم من قبض عليه في أحداث مجلس الشوري، لنجد عشرات من النشطاء خلف أسوار السجون دفعة واحدة، ما جعل زملاءهم يشنون حملة ضد الدولة الممثلة في الحكومة الحالية وفشلها في الوصول إلي دليل يدين النشطاء بالتخابر مع جهة أو دولة أجنبية أو يؤكد تلقيهم أموالا بطريقة غير مشروعة، وسارع بعض النشطاء الطلقاء إلي التأكيد علي براءتهم من تهم الخيانة والعمالة حيث كتبت الناشطة أسماء محفوظ في تدوينتها الأخيرة: (أنا اسمي أسماء.. أنا مش خاينة ومش عميلة).. ويبقي الاتهام اتهاماً ويبقي الناس في شك لحين وجود إجابة واضحة من قبل الدولة والنشطاء حول عدة تساؤلات: هل هناك من حصل علي تمويل؟ وإذا لم يكن ذلك صحيحا.. لم يصمتون أمام الإدانة ولم لا يعلنون عن أصل أموالهم؟ وهل بدأت مرحلة تصفية الحسابات بينهم وبين الدولة بالقبض عليهم في تهم جديدة لجر الباقين؟ علاقة ماهر بأمريكا يوضح طارق الخولي، وكيل مؤسسي حركة 6 أبريل، وعضو المكتب السياسي لتكتل القوي الثورية، أن الطبيعة الثورية أنتجت مجموعة من النشطاء كان لهم دور كبير في إسقاط نظامي مبارك ومرسي، لكن هناك من أخطأ وفتح المجال لتشويه جميع النشطاء بل والثورة ذاتها، ورغم أننا غير متأكدين بشأن المتلقين للتمويلات من عدمه،إلا أننا نتفق علي وجود علاقات مريبة ومشبوهة وشائعات حولهم طوال الوقت، من ضمنهم أحمد ماهر كشخص وليس كحركة 6 أبريل؛ فلديه علاقة وطيدة بالولاياتالمتحدة ولدينا شعور أن هناك حماية أمريكية تظلل عليه، فهو يمثل صورة النشطاء في الخارج، وإن تم استدعاؤه في أي تحقيق تحدث ضجة كبيرة، وهذا ما حدث إثر القبض عليه أخيرا بتهمة التظاهر دون إخطار إذ هاجم الإعلام الأمريكي ما وصفوه باعتقالات واضطهاد للنشطاء السياسيين. يتابع الخولي: ثمة تساؤلات عديدة لا يرد عليها ماهر، من بينها سبب سفره إلي أمريكا لأكثر من 16 مرة؟ هذا شيء يثير الريبة لذلك فهو شخص غير واضح، ما كان يترك شعورا سلبيا قبل أعضاء حركة 6 أبريل التي اعتمدت علي عمليات الإحلال والتجديد لهم خلال السنوات الأخيرة، وكأنها عملية ميكانيكية، استطاع ماهر من خلالها الحفاظ علي الحركة، مضيفاً أنه قد تم التحقيق معه بشأن تلقي تمويلات في عهد المجلس العسكري وعلي يد النيابة العليا وأغلقت التحقيقات في عهد مرسي لأسباب تتعلق بعلاقته بجماعة الإخوان »المحظورة« فطبيعة ماهر هي البحث عن منفعته الخاصة المادية والمعنوية لذلك ارتمي في أحضانهم كنوع من الحماية من المساءلة القانونية. لذلك أستحسن فتح ملف التمويل الأجنبي والعمالة للخارج لتوضيح البراءة أو الإدانة، كي نحصر مسألة التخوين في شخصين أو أكثر، حتي يرفع الذنب عن باقي النشطاء السياسيين. وبالنسبة لحركة الاشتراكيين الثوريين وحقيقة علاقتها بالإخوان، يري الخولي أن أعضاءها يتبعون طوال الوقت نظرية »المواطن الصالح هو الموظف المضرب«، فهم ينتهجون فكر الاحتجاج حتي المنتهي وانتظار ثورة عمالية، وهدم كل الفساد ثم بناء دولة جديدة وهذا يعني إسقاط الدولة، لذلك يستغلون احتجاجات أنصار مرسي للحشد العددي لتنفيذ اعتباراتهم الخاصة، إضافة إلي أنهم دائماً ضد "العسكر" وهذا مايحركهم عقائديا، ويتبعهم في ذلك الفكر علاء عبدالفتاح. الاتهامات بين النشطاء »أتمني أن تتركنا الدولة لنخلص علي بعض« هكذا علقت إنجي حمدي، الناشطة السياسية والإعلامية، علي الاتهامات المتبادلة بين النشطاء السياسيين بتلقي تمويلات، واصفة إياها ب "الكارثة"؛ لأنها تؤكد اتهامات الدولة لدي الشارع "إذا كان هما بيفضحوا بعض!.. لكن الحقيقة أن هذه الاتهامات متراكمة من بعد ثورة 25 يناير نتيجة لوجود مخبرين مندسين بيننا"، واستكملت:"عندما تلقي الدولة القبض علي نشطاء بعينهم تريد توصيل رسالة مفادها أنها تقبض علي الثورة، فمن يدير السلطة لن يتغير؛ نفس الفكر ونفس الخطاب الإعلامي، والتدرج من وصفنا بالثوار إلي شياطين وخونة، وكأن الثورة قامت للقضاء علي التوريث فقط. إنجي التي كانت تشغل منصب المتحدث الإعلامي لحركة 6 أبريل ومنصب عضو المكتب السياسي، أرادت توضيح ما يدور من اتهامات حول الحركة آنذاك، قالت إنهم وُضعوا في خانة المتهم طوال الوقت، إذ عمدت السلطة إلي إدانتهم دون أدلة واضحة تحت شعار (اكذب الكذبة وصدقها)، وقد خرج اللواء حسن الرويني عضو المجلس العسكري السابق إلي وسائل الإعلام ليتهمنا بالحصول علي تمويلات خارجية، ما دفعنا إلي الرد بشكل قانوني عبر تقديم بلاغات في أنفسنا إلي النائب العام للتحقيق معنا، وبالفعل تم تشكيل لجنة تقصي حقائق بإشراف وزارة العدل التابعة للسلطة وبحثت حول قيادات الحركة وكنت من ضمنهم مع أحمد ماهر ومحمد عادل ثم حول الحركة كلها، وتم تبرئتنا من تهم التمويل الخارجي.. اعترفت إنجي أنه في هذه الفترة قصرت الحركة في إقناع الناس ببراءتهم؛ "الدولة واجهتنا بكل أدواتها واستطاعت إقناع المثقفين والبسطاء بتلك الاتهامات.. للأسف لم نتعلم الدرس جيداً فأمام كل رد منا بالإنكار والنفي كانت تلتصق التهمة بنا، وهذا خطأ وقعنا فيه، خصوصاً أننا كنشطاء بصفة عامة ندافع عن مبدأ وليس شخصا أو نظاما. اغتيال معنوي علي الوتيرة ذاتها يري مصطفي النجار، الناشط والبرلماني السابق، أن القبض علي النشطاء ورموز الثورة ما هو إلا حملة ممنهجة لاغتيالهم معنويا من جهات تعتقد أنهم »عقبة« في طريق تنفيذ مخططاتها وتصورها لشكل الدولة المصرية بعد 30 يونيو، فمنذ عام 2011 حتي الآن طال حركة 6 أبريل وبعض النشطاء اتهامات التمويل والعمالة، ولم يصدر ضدهم أي حكم قضائي ما يثبت غرض التشويه، مضيفاً: »الدولة لم تستطع حبسهم بهذه الاتهامات المرسلة فألقت القبض عليهم بتهم مستجدة مثل التظاهر دون إخطار السلطات، وهذا يعد عجزا من جانب الدولة فيما يتعلق بمواجهة المعارضة بأساليب شريفة، وسوف يتم التنكيل بالمعارضين بشكل عام. وحكي النجار عن آخر محاولات تشويهه قائلاً: "تعرضت منذ أيام لحملة من قبل بعض جهات أمنية تروج إلي تضخم ثروتي بعد إعلاني عن افتتاح مركز لطب الأسنان بصفتي طبيبا، وتم اتهامي بالحصول علي تمويلات ما دفعني إلي نشر مستندات المركز وعمل إقرار ذمة مالية جديد غير الذي أقر أثناء الانتخابات البرلمانية السابقة، بأن كل ممتلكاتي هي شقة تمليك مساحتها 63 متراً بمدينة 6 أكتوبر، والتي لا أزال أدفع أقساطها شهرياً، بجانب شقة أسكن فيها بنظام الإيجار الجديد بمدينة نصر وسيارتي ماركة هيواندي فيرنا، موضحاً أن دخله الشهري من الكتابة بعدد من الصحف هو 9 آلاف جنيه، وأن دخله من ممارسة طب الأسنان غير ثابت ومتغير من شهر لشهر. لذلك فمبدأ الشفافية وإقرار الذمة المالية مرغوب بين الشخصيات العامة والممارسين للعمل السياسي سواء حركات أو منظمات مجتمع مدني، علي حد قوله. كل ماسبق يطرح سؤالاً آخر: إذا كان صحيحاً أن هناك بعض الممولين لماذا تخشي الدولة المواجهة؟ - يربط عاطف النجمي، المحامي بالنقض ورئيس جبهة الدفاع العربي، بين قدرة الدولة علي مواجهة القوي الخارجية وبين محاكمتها للنشطاء الممولين، قائلاً: قدرة الإدارة المصرية علي مواجهة العملاء رغم الجريمة التي ترتكب ويعاقب عليها القانون تتوقف علي مدي قدرتها علي مواجهة القوي الخارجية، والآن مصر غير قادرة علي اتخاذ موقف ضد القوي الخارجية التي استخدمت عناصر في الداخل لتحقيق مصالحها عبر التمويل أو التدريب أو مد هؤلاء بمعلومات غير صحيحة من شأنها إثارة الفتن والنزاعات لتحقيق أهداف علي الأرض تخدم المصلحة الخارجية، وعندما يقوي النظام عادة في أي مكان بالعالم، أول خطوة تتخذ هي القضاء علي الموالين للخارج. يستطرد النجمي: مسألة تمويل أي حركة من عدمه لا يمكن أن نتحدث فيها دون مستند، لكن هذا لا يمنع من عدة أسئلة: من أين ينفقون علي دعايتهم السياسية ووقفاتهم الاحتجاجية التي تشمل نقل الأعضاء والمشاركين إلي المحافظات ومن أين يدفعون رواتب الأعضاء المتفرغين للعمل السياسي؟ لذلك لابد من إجابة وإن كانت غير مقنعة يعني ذلك أن مصدر أموالهم غير شرعي. وما يحدث الآن من القبض علي النشطاء في تهمة أخري غير التمويل يخضع إلي تحقيق صحيح، أما إذا انتقلت التحقيقات إلي تهم التمويل فلابد من تقديم أدلة واضحة إلي الرأي العام مع ملاحظة أن الجهات الرقابية تعلم جيداً الممولين وليس هناك أموال خفية علي الحكومة لكن كل ما في الأمر أنها لا تستطيع محاسبة من يتمتع بحماية خارجية.