ونحن نحتفل بالذكري المئوية لثورة 19 هناك سؤال مهم يرتبط بأهم نشيد وطني في تاريخنا، وهو نشيد بلادي بلادي، الذي لحنه الشيخ سيد درويش أثناء الثورة (1920)، وكان يتغني به في المظاهرات الوطنية. والسؤال هو: من الذي ألف هذا النشيد؟ وبداية نقول إن هذا السؤال له ثلاث إجابات: الأولي إنه من تأليف بديع خيري، والثانية إنه من تأليف الشيخ يونس القاضي، والثالثة إنه من تأليف سيد درويش، وسنستعرض معاً هذه الآراء. أما إنه من تأليف بديع خيري فقد نفي الرجل في حياته أنه كتب هذا النشيد، رغم أن الإذاعة المصرية كانت تقدمه لفترة طويلة علي أنه من تأليفه، وبالتالي فقد استبعد نفسه من الدائرة. وأما الرأي الثاني فقد تحدث فيه يونس القاضي وغيره من الكتاب، واهتمت بذكره وتوثيقه الدكتورة إيمان مهران في كتابها »يونس القاضي مؤلف النشيد الوطني المصري وعصر من التنوير»، وهي من أحفاد يونس القاضي، وسنقف عند الحجج التي قدمها يونس القاضي ومؤيدوه. قال يونس القاضي إن الشيخ سيد درويش لم يكن مؤلفاً، بل كان يلجأ إليه لكتابة ما يريده من معانٍ، بما في ذلك الأمور العاطفية بينه وبين حبيباته. وتذكر الدكتورة إيمان بعض الأغاني التي كتبها له منذ أن كان في الإسكندرية، مثل: الحبيب للهجر مايل، أنا عشقت وشفت غيري كتير عشق، يمامة بيضا، خفيف الروح، وغيرها. وقد أبلغ الشيخ يونس بنفسه عدداً من الصحفيين المعروفين بأنه مؤلف هذا النشيد، فكتبوا بذلك المقالات، ونشرت الدكتورة إيمان ثلاث مقالات لمحسن الخياط، وحسين عثمان، وصلاح منتصر، يذكرون فيها أن نشيد بلادي بلادي من تأليف يونس القاضي. أما الأوراق الحاسمة التي تقدمها الدكتورة إيمان فأولها ورقة بخط الشيخ يونس القاضي، مؤرخة بتاريخ 26 يناير 1923، أي قبل وفاة سيد درويش بثمانية أشهر، وفيها كلمات النشيد، وأن هذه الأغنية وإحدي عشرة طقطوقة أخري، وموالين، من نظمه وتأليفه، ولم يتنازل عنها لأحد، ويحفظ حقه ضد من عساه يدعي أن شيئاً مما تدون بهذا النظم من تأليفه أو مملوك له. أما الورقة الثانية فهي شهادة من جمعية المؤلفين والملحنين بالقاهرة، تشهد فيها بأن أغنية بلادي بلادي من تأليف الأستاذ يونس القاضي. والمفروض أن تكون هاتان الورقتان حاسمتين، لكن حسن درويش، أصغر أبناء الشيخ سيد، رغم هذا له رأي آخر، سنطرحه علي القراء الأسبوع القادم إن شاء الله.