بلادي.. بلادي.. لك حبي وفؤادي.. لك حياتي ووجودي.. لك دمي ونفسي.. لك عقلي ولساني.. لك حبي وحياتي.. فأنت أنت الحياة ولا حياة إلا بك يامصر.. كانت هذه الكلمات خطبة ألقاها الزعيم مصطفي كامل عام 1907 ومنها استلهم الشيخ محمد يونس القاضي قصيدته بلادي.. بلادي.. لك حبي وفؤادي/ مصر ياست البلاد/ أنت غايتي والمراد/ وعلي كل العباد/ كم لنيلك من أيادي. الإذاعة المصرية أذاعت النشيد في الثلاثينيات من القرن الماضي بصوت محمد البحر علي أنه من تأليف بديع خيري ونفي هو عن نفسه أنه كتب هذا النشيد.. وبعدها نشرت مجلة التياترو المصورة أن كلمات ولحن النشيد من تأليف وتلحين سيد درويش وبقي هذا النشيد حائرا بدون مؤلف إلي أن نسبه يونس القاضي إلي نفسه وتم تسجيل النشيد علي أسطوانات لصوت القاهرة وغنته فادية كامل.؛ تذكر الدكتورة إيمان مهران في كتابها »يونس القاضي مؤلف النشيد الوطني المصري وعصر من التنوير« الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بسلسلة إصدارات خاصة أن التأليف في الشعر المغني في مصر مر بمراحل متعددة ويعتبر يونس القاضي الخط الفاصل بين مرحلة وأخري فقد كان أول مؤلف للأغنية المصرية الصميمة المستلهمة من بيئتها أكملها بديع خيري.؛ نشأ الشيخ محمد يونس القاضي في أسرة عريقة بقرية النخيلة مركز أبوتيج محافظة أسيوط وعمل أبوه في المحكمة الشرعية والزجال محمد يونس يري نفسه أنه امتداد لمواهب الأب الذي كان يشغل وقته بالأدب والشعر فقد ولد في حارة درب الدليل بالدرب الأحمر .. ويذكر الشيخ محمد يونس قولا عن والده »أنه كان قاضيا شرعيا بالمنيا وفيها يقيم بعد ظهر كل يوم جمعة ندوة أدبية مع بعض الوجهاء يتبادلون الشعر والزجل وكانت مكتبته عامرة بآلاف الكتب وكنت أجلس في الندوة وأقوم بتسجيلها كسكرتير وأعتقد أن هوايتي للشعر والأدب والزجل بدأت من هنا«.؛ إبداعه الوطني كان الزعيم مصطفي كامل من أشد المعجبين بموهبة الشيخ يونس القاضي ومقالاته وخاصة تلك التي كان يحاول فيها أن يقرب بالشرح للقارئ خطبه ومفاهيمه وأسس يونس القاضي بعدها أربع عشرة جمعية خطابة لتعليم فنونها واشترك في ثورة الأزهر ضد الخديو عباس حلمي ومعه الشيخ عبدالرازق علي والشيخ خالد مطاوع وهذا بالتوازي مع كتابته المقالات والأزجال في الجرائد المختلفة.. ولقد تنوع إنتاج يونس القاضي بين أغنية وزجل صحفي ومسرحية وكانت طريقته في الصياغة بسيطة وسهلة في تداولها وهذا هو سبب انتشار إنتاجه وبعد خروجه من المعتقل للمرة الأولي كتب معبرا عن وجود مصر تحت الاحتلال البريطاني »آهو ده اللي صار وآدي اللي كان .. ما لكش حق تلوم عليّ.. تلوم عليّ ازاي ياسيدنا.. وخير بلادنا ماهوش في إيدنا«.؛ ولقد لعب مسرح الشيخ يونس القاضي دورا كبيرا في إثارة النزعة القومية وإيقاظ مشاعر الحب للوطن وكانت استلهاماته غالبا من خطب مصطفي كامل ومسرحياته غالبا ترمز إلي مصر وتعرض فيها المشاكل الاجتماعية بها ويري أن المسرح الغنائي جريدة سياسية يوضح من خلالها الفكر السياسي الرافض للاستعمار وتخرج المظاهرات بعد المشاهدة تطوف القاهرة حتي قيام ثورة 52.. وتأثر الشيخ يونس بفكر وتوجه جريدة اللواء وأنه من الضروري أن يوجه الأقلام إليها كي تصل إلي كل الطبقات الاجتماعية بمصر كلها وبالفعل ساهمت أزجاله في وصول المعاني التي أرادها إلي البسطاء.. حتي تعرف علي الشيخ سيد درويش وشعر أنه وجد ضالته التي من خلالها تنتشر الكلمات وتصل لأكثر وأكبر عدد من رجال ونساء وأطفال مصر فاجتمعت عبقريتا الكلمة واللحن وظلت الأغاني ترددها الجماهير في كل المواقف الحماسية والوطنية.. وكانت منيرة هي أول مطربة غنت الأغنية الوطنية ولاقت نجاحا وشهرة واسعة وجماهيرية وكلها من تأليف يونس القاضي مع الأغاني الاجتماعية مثل أغنية الزبدة »سايحة الزبدة.. زبدة بلدي.. ياولاد بلدي.. زبدة ياولدي«.؛ المسرح الغنائي في مطلع القرن العشرين قدمت إلي مصر خمس فرق مسرحية غنائية من فرق الشام الكثيرة وبقيت فرقتا إسكندر فرح وأبوخليل القباني هما الأساس للمسرح الغنائي بمصر وكانت معظم الأعمال التي تقدم مصرية وكانت الموضوعات لا تمس المجتمع المصري ويمثل مسرح يونس القاضي كما ذكرت إيمان مهران في كتابها بداية الخيط المصري إسهاما في فن الزجل الذي كان يستخدم فيه بعض التورية والرمز في المسرح السياسي هربا من الرقيب البريطاني.؛ ومن أهم الأعمال المسرحية ليونس القاضي امتيازها بهدف سياسي سواء كان مباشرا أو غير مباشر مثل مسرحية »كلها يومين« وتم اعتقاله بسببها.. ومسرحيات تركز علي الاستثمار الوطني.. والوحدة بين مصر والسودان بهدف تحقيق الاستقرار لمصر »مسرحية حسن أبوعلي سرق المعزة«.. مسرحية »كلام في سرك« لفرقة منيرة المهدية وقامت ببطولتها مع منسي فهمي وعبدالمجيد شكري وأحمد فهيم ونجحت المسرحية نجاحا كبيرا حتي لم يعد هناك فرقة تنافس فرقة منيرة المهدية في المسرح الغنائي.؛