تنفست أوربا الصعداء بعد فوز »ماكرون» برئاسة فرنسا. لو حدث العكس وفازت »لوبان» لكان الكثيرون الآن يقرأون »الفاتحة» علي رروح الاتحاد الاوربي.. فخروج فرنسا منه (كما وعدت لوبان) سيعني بعد خروج بريطانيا أن الدور علي الباقي وفي مقدمتهم ألمانيا، وأن المتعصبين والانعزاليين في كل أنحاء القارة الأوربية سوف يأخذون وقفة جديدة تقربهم من هدفهم المعلن بالقضاء علي أوربا الموحدة!! ولم تكن الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة الفرنسية معركة سهلة. فالاصوات التي حصل عليها كل من »ماكرون» و»لوبان» في الجولة الاولي كانت متقاربة. وانهيار الحزبين »الجمهوري والاشتراكي» اللذين حكما فرنسا علي مدي نصف قرن، أشاع حالة من السيولة السياسية تخدم اليمين المتطرف الذي تقوده »لوبان». وحالة الركود الاقتصادي تثير مشاعر غضب لدي من يعانون البطالة ويربطونها بالمهاجرين وبأوربا الموحدة، ثم.. لم يكن خافيا هذا التعاطف الذي تجده »لوبان» لدي كل من الرئيس الامريكي »ترمب» والزعيم الروسي »بوتين»!!. ومع ذلك فقد صمدت بقية من تراث فرنسي ينحاز للحرية والعدالة ويرفض التعصب والفاشية. ونجح »ماكرون» بأغلبية كبيرة، لكن ذلك لا يعني أن المعركة في فرنسا وحولها قد انتهت. فبعد شهر واحد هناك الانتخابات البرلمانية التي تجري في ظروف بالغة الحساسية، وفي ظل انهيار الحزبين الرئيسيين اللذين سيطرا علي الحياة السياسية لأكثر من نصف قرن (الحزب الجمهوري الديجولي من ناحية والحزب الاشتراكي من ناحية أخري) ومع تفكك محتمل للجبهة التي وقفت وراء نجاح »ماكرون» في مقابل صلابة التيار الذي يدعم »لوبان» التي حصدت 11 مليون صوت تجعل من حزب »الجبهة الوطنية» الذي تقوده مرشحا ليكون رقما صعبا في الحياة الحزبية والبرلمانية الفرنسية.. خاصة اذا لم يسعف الوقت ولا قلة الخبرة حركة »إلي الامام» التي يقودها »ماكرون» لكي تكون منافسا أساسيا في الانتخابات البرلمانية. وربما تكون الخطوة الاولي الاساسية المطلوبة من »ماكرون» هي تعيين رئيس وزراء (قد تكون سيدة) قادر علي القيام بأكثر من تسيير الاعمال التنفيذية، يمتلك الخبرة السياسية القادمة علي مد الجسور مع اليسار واليمين المعتدلين، والتنسيق في الانتخابات البرلمانية لتكون هناك كتلة داعمة للحكم الجديد، وبالتالي إضعاف قوي التطرف التي تراهن عليها »لوبان» وجبهتها العنصرية. تنفست أوربا الصعداء، لكن اليمين المتطرف لن يستسلم بسهولة!!