لم يغب عني كثيرا هذه المرة. لم يمر أسبوعان حتي وجدته مقبلا علي المقهي وقد عاد يحمل الصحف القديمة كما كان يفعل من قبل. ضحكت. قلت وأنا أقف اصافحه: - خلاص بطلت تتفرج علي الفضائيات ! - تقريبا. - بسرعة كده ؟ سكت قليلا بعد أن وضع صحفه القديمة علي مقعد مجاور ونادي بنفسه علي الجرسون الذي أقبل مرحبا به وطلب لنفسه قهوة ثم نظر لي وقال : - أنا بعت رسالة لكل الفضائيات ولم يهتم أحد. - أي رسالة ؟ هل عندك مشكلة ولا أدري؟ - لا مشكلة عندي. أنت تعرف أني لا أفعل شيئا أكثر من وجبتين بسيطتين في اليوم. - إذن قل لي ما هي الرسالة ؟ - أرسلت اقترح عليهم سؤالا لرئيس الوزراء أو حتي رئيس الجمهورية عن خطة الوزارة. أي وزارة للنهوض بالبلد. - مش فاهم ؟ - أكيد انت فاهم ؟ -لا والله. أصل أنا من زمان ماشفتش أي خطة. باسمع كلام بس من نوع استنوا علينا شوية واصبروا سنة وساعات سنتين وساعات ستة أشهر. - طيب وهي دي طريقة عمل في السياسة. ضحكت وقلت :- باقول لك ايه. اشرب قهوتك واستمتع بشمس أمشير قبل ما تهب عواصفه. قال وقد اتسعت عيناه بعد أن خلع نظارته يمسحها بمنديل :- أنا بسألك بجد والله. مش المفروض الناس تعرف الخطة بالتفصيل برضه؟ ضحكت وقلت :- ودا كان امتي في مصر ؟ - كان زمان. ايام عبد الناصر مثلا كان فيه حاجة اسمها الخطة الخمسية. - بس كل دا اتلغي من أيام السادات وبقت الخطة هي بيع المصانع اللي بناها عبد الناصر. - انت شايف كده ؟ - أنا شربت قهوة وانت حتخليني اشرب تاني وصحتي تعبانة. وكان الجرسون قد اقبل يحمل له القهوة فطلبت منه فنجان دوبل. ونظرت إليه فسألني : - جاوب علي سؤالي. انت شايف كده ؟ - أنا عنيا واجعاني وحاعمل كتاراكت بعد يومين في عين منهم. - ماتلفش وتدور بيا. مش كل حكومة بيبقي عندها خطة عمل؟ - أكيد. - طيب ليه كل حاجة يوعدونا بيها ما تكملش؟ - أنا بصراحة وماتزعلش مني مش متابع حاجة في البلد دي. - يعني مش عارف أن فيه تغيير وزاري تم ؟ - سمعت والله. - يعني ماتابعتش خالص؟ - أتابع ليه ؟ - يعني أنت فاهم زيي؟ - فاهم طبعا. واقدر أقول لك أكتر من اللي بتقوله بس مريح دماغي. - طيب قول الله يفتح عليك. - شوف ياسيدي. - عندنا وزارة تخطيط مثلا عمري ما سمعت انها قدمت خطة لانشاء مصانع ولا مدارس ولا مستشفيات مثلا. كل اللي سمعته أنها عملت قانون للخدمة المدنية حيقلل الموظفين. ضحك بقوة وقال :- دا وزير التخطيط مشي من الوزارة أو حيمشي باين. - كمان عندنا وزارة صناعة عمري ما سمعت انها عندها خطة لانشاء شركات مساهمة مصرية يعني من أموال الناس وطبعا ولا كام مصنع وامتي مثلا. وقيس علي كدا. سكت قليلا فقلت :- وأقول لك كمان وزارة التعليم عمرها ما أعلنت كام مدرسة جديدة حتتفتح ولا وزارة الصحة عن المستشفيات. كل وزارة بتيجي تقول انها بتصلح في اللي فات مع أنهم نفس الناس. الوزير بس بيتغير لكن السياسة هي هي مستشارين بالهبل مابيعملوش حاجة واتهام للشعب أنه سبب البلاوي. - ولا فيش حتة خطة لتنظيم النسل. سكت لحظة أنظر إليه مبتسما قلت :- انت إيه اللي جابك النهارده؟ ماتقعد ساكت خلينا مبسوطين. - انا جيت اسألك يمكن تعرف حد من الفضائيات يثير الموضوع. عايزين خطة واضحة للحكومة دي أو للدولة دي بالشهر والسنة. - الدولة بتؤمن بالحسد وما تحبش أهل الشر يعرفوا حاجة. - علي رأيك. بس المصيبة أن كل حاجة بتتعرف بعد كده. - خلاص خلينا من بتوع بعد كده. أهو نلاقي سبب للضحك ! - والله أنا زعلان. وحط علينا الصمت للحظات. مرت خلاله أمامنا أكثر من فتاة جميلة. قلت: - متع عنيك بنعم الدنيا. هز رأسه وقال :- الواحد بيشوف الشباب بيزعل علي مستقبلهم. - تاني حتنكد عليا. سكت قليلا وقال : - أنت زعلان أكتر مني بس ما بتتكلمش. ضحكت وقلت :- عارف أنا والدنيا مقلوبة كلام عن التعديل الوزاري واللي بيعتذر واللي مش بيوافق وكده كنت باعمل ايه ؟ - لا طبعا. - كنت قاعد في البيت اتفرج علي أفلام قديمة. شفت أفلام زي الورد. شفت مثلا »الطريق» لشادية ورشدي اباظة. وشفت »اللص والكلاب» لشادية وشكري سرحان. باحبها أوي لما تقول لشكري سرحان » دا أنا احطك في عنيا واتكحل عليك». - آه أنا فاكر المشهد دا وهو مستخبي عندها. - وشفتها كمان في »شيء من الخوف» وهي بتفتح المية للأرض الشراقي. - فرصة حلوة. الشهر دا كان عيد ميلادها. ربنا يحرسها. تخيل قد إيه الدنيا كانت حتبقي وحشة لو شادية ما مرتش علي مصر. - شوف يا جميل زمان كانوا يقولوا علي دا نوستالجيا لكن الحقيقة زمان أحسن من دلوقت كتير. شوف مثلا اسمهان لما قالت »ليلة هنا لو تصفالك يصفي معاها الكون كله» ودلوقت بيقولوا إيه. »آه لو لعبت يا زهر». سكت متأثرا لحظات ثم قال : - طيب ما انت بقيت زيي اهه ليه مش بتشيل معاك جرايد زمان تعيش في أيامها. ضحكت وقلت : علشان ما افتكرش بقينا فين دلوقت.