لا يخفي علي اي مراقب او متابع للتردي الذي تشهده الاوضاع العربية بشكل عام ما تتسم به بعض التحركات والتعاملات السياسية من تخبط يترتب عليه المزيد من التعقيد والتدهور. هذا التوصيف ينطبق علي ما أحاط بمشروع القرار الذي كانت مصر قد تبنته لتقديمه الي مجلس الامن متعلقا بوقف الاستيطان الاسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية. جاءت هذه المبادرة المصرية بالتوافق مع اربع دول اخري من الاعضاء غير الدائمين في مجلس الامن هي ماليزيا وفنزويلا والسنغال ونيوزلنده. فجأة وبعد الاعلان عن تقديم مشروع القرار الي مجلس الامن أُعلن عن قرار مصر بالتراجع عن هذه الخطوة مشفوعا بوقف التصويت عليه. المشكلة ليست في الاقدام علي سحب مشروع القرار الذي اصبح بعد تقديمه جزءا من أجندة مجلس الامن وإنما تمثلت في عدم التشاور مع الدول الاربع التي كانت قد اعلنت توافقها مع الوفد المصري علي طرحه للتصويت. كان من نتيجة ذلك أن هذه الدول الاربع رفضت قرار مصر بسحب القرار وطلبت طرحه للتصويت بعد ساعات من قرار سحبه. تبريرات مصر لهذا التحرك المفاجئ استندت إلي النيات والتوقعات الطيبة المدعومة بوقوفها الثابت والدائم الي جانب الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة ووقوعها في شرك تصديق مايتم تقديمه من وعود. في هذا الاطار فإن اللجوء المفاجئ الي سحب القرار ارتبط باتصالات كانت قد جرت في الأيام الأخيرة . هذا التغيير في توجهات مصر جاء علي أمل امكانية ان يكون هناك فرصة أمام الادارة الامريكية الجديدة لاحياء الحل الشامل للمشكلة الفلسطينية علي اساس حل الدولتين. كم أتمني ان يكون سحب مصر للقرار قد وضع في اعتباره ان تقوم الدول الأربع بطرح القرار التصويت بما يؤدي إلي رفع حرج الاتصالات التي جرت معها لرفع الحرج. الواضح أن هذا الاعتقاد جاء بعد الاتصال الذي جري بين الرئيس السيسي والرئيس الامريكي الجديد الذي سيتسلم مهام منصبه يوم 20 من الشهر القادم. كان هناك تقرير خاطئ اعتمد علي ان الرئيس الامريكي الجديد طالب الرئيس الحالي اوباما الذي ما زال في السلطة.. باستخدام الفيتو لتعطيل اصدار القرار. هذا الامر علي غير ماكان متوقعا لم يتم الاستجابة له حيث امتنع الوفد الامريكي عن التصويت دون استخدام الفيتو وهو ما سمح بصدور القرار بأغلبية 14 صوتا. ان ما قد يؤكد هذا التحليل فيما يتعلق بالظروف التي أحاطت بطرح القرار للتصويت ان مصر كانت ضمن الدول التي صوتت لصالح مشروع القرار. بعد ان تأكد امتناع امريكا عن التصويت وبالتالي عدم استخدام الفيتو. طبعا فإنه لم يكن من الطبيعي بأي صورة من الصور ان تأخذ مصر موقفا مغايراً لتصويتها بالموافقة علي القرار. ليس من تفسير لهذه النهاية السعيدة للازمة التي احاطت باصدار هذا القرار التاريخي بموافقة مصر سوي انه اعاد لها توازنها وهو ما يخفف من صدمة سحبها للقرار. من ناحية اخري فإننا يجب ان نعترف بان قرار مجلس الامن الجديد سوف يكون مصيره مثل كل ما سبق من قرارات لم تلتزم بها اسرائيل. استند هذا الموقف الاسرائيلي إلي دعم ومساندة الراعي الامريكي الذي دأب علي الوقوف الي جانبها. هذا القرار وبعد صدوره لا يعدو ان يكون عاملا أدبيا ضاغطا لصالح الشعب الفلسطيني. في نفس الوقت فإن مواقف امريكا الموجهة ضد المواثيق والشرعية الدولية القائمة علي استخدام الفيتو لصالح اسرائيل سوف يظل وصمة عار تلاحقها علي مدي التاريخ الانساني. أخيرا اقول أن امتناع امريكا اوباما عن التصويت وعلي ضوء مواقفها السابقة لا يمكن ان يكون هدفه صالح القضية الفلسطينية بقدر كونه نكاية في ترامب وإدارته الجمهورية التي هزمت حزبه الديمقراطي. ليس أدل علي هذه الحقيقة من تعليق ترامب علي ماحدث بإعلانه ان كل شيء سوف يتغير بعد ان يستلم سلطاته رئيسا للدولة الأمريكية!!