أثار طلب الحكومة المصرية تأجيل التصويت على مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلين، بعد أن تقدمت به إلى مجلس الأمن الدولي، حالة من الجدل الواسع، وعلى الرغم من تمرير القرار بعد إعادة طرحه من السنغال وفنزويلا ونيوزلندا وماليزيا، والتصويت لصالحه، فإن تغير الموقف المصري يطرح سؤالًا عن سبب تراجعها فجأة. في إبريل الماضي أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية عزمها التوجه إلى مجلس الأمن لتقديم مشروع لوقف الاستيطان، عبر الدولة العربية الوحيدة في المجلس مصر، وذلك بعد مشاورات مع المجموعة العربية بهذا الخصوص. وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية لعرقلة التحرك الفلسطيني والتشويش عليه عبر الآلة الإعلامية الضخمة التي تسيطر عليها، وعن طريق اللقاءات الدولية مع مبعوثي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، استمرت القيادة الفلسطينية في مشاوراتها، حتى وزعت في أوائل ديسمبر الجاري مشروع القرار على أعضاء المجلس لرصد ردود الأفعال قبل تقديم مشروع القرار والتصويت عليه. ولأن مصر هي ممثل العرب الوحيد في مجلس الأمن، فقد قدمت مشروع القرار بعد المشاورات العربية، والتي عقدت في القاهرة بداية الأسبوع الماضي، وشارك فيها وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيراه الأردني والفلسطيني، ومندوب المغرب في الجامعة العربية، وتوصل المشاركون إلى ضرورة عرض المشروع على مجلس الأمن قبل نهاية العام، لضمان الموافقة عليه بعدما تم التنسيق مع الأعضاء الحاليين في مجلس الأمن، وقبل بدء العام المقبل ودخول أعضاء جدد قد يغيرون الكفة لصالح إسرائيل. وبالفعل وزعت البعثة المصرية الدائمة في نيويورك مشروع القرار على أعضاء المجلس يوم الأربعاء للتصويت عليه الخميس، لكن بالتزامن مع هذا التحرك المصري سعى مسؤولون إسرائيليون لرفض القرار المصري بشتى الطرق، وطلبت إسرائيل مساعدة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، فبادر إلى إجراء اتصال بالرئيس السيسي، تناول مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن، واتفق الجانبان على إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدة للتعامل مع القضية الفلسطينية لتحقيق تسوية شاملة، كما اتفق الجانبان على تأجيل التصويت على قرار وقف الاستيطان، الذي انتظرت القيادة الفلسطينية تقديمه منذ فترة، خاصة بعد تأكيدات من إدارة أوباما بتبني موقف إيجابي تجاه القرار والامتناع عن التصويت. الغريب أن موافقة مصر على تأجيل التصويت تمت دون تنسيق مع القيادة الفلسطينية والمعنية أكثر بالأمر، وأكد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكى لوكالة الأنباء الصينية "شينجوا" أن القيادة الفلسطينية ستجرى اتصالات للتباحث حول الأسباب التي دفعت مصر للإقدام على تلك الخطوة. في الوقت ذاته احتفت إسرائيل وصحفها بتأجيل التصويت، ووصفت اتصالاتها بشأن تعطيل مشروع القرار المصري ب"الدراما التي استمرت 15 ساعة"، وقالت صحيفة "هآرتس" إن جهودها تكللت بالنجاح ولو بشكل مؤقت، وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مارس ضغوطًا على السلطات المصرية، بالإضافة إلى طلب المساعدة من الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، مؤكدة أن كل هذا أدى، كما تقول هآرتس، إلى سحب مصر طلبها من مجلس الأمن، فيما وصف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان إرجاء التصويت بأنه إنجاز دبلوماسي، مشيرًا إلى أن تحقيق هذا الأمر يدل على العلاقات الجيدة بين تل أبيب والقاهرة. قبل مرور يوم واحد على طلب مصر تأجيل التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به، أعلنت 4 دول أعضاء في مجلس الأمن هي ماليزياوالسنغال ونيوزلندا وفنزويلا، القاهرة، بأنها تحتفظ بحق طرح التصويت على مشروع القرار، في حال قرار مصر عدم المضي في طرحه، وبالفعل تبنّت الدول الأربع مشروع القرار، وطلبت إعادة طرحه، بل وتم التصويت لصالحه داخل المجلس. لم تقدم القاهرة موقفًا واضحًا تجاه هذا الإجراء المفاجئ سوى خروجها بتصريحات تؤكد فيها أنها اضطرت لسحب مشروع قرار إدانة الاستيطان بسبب الضغط والمزايدات، مؤكدة أنها "رغم كل ما تقدم من مزايدات، صوَّتت مصر لصالح القرار الذي طُرح للمناقشة". بعد التصويت لصالح القرار، خرجت تل أبيت لتؤكد صراحة امتناعها عن التنفيذ، ومعاقبتها للدول التي أعادت طرح المشروع، كما هاجمت إدارة أوباما لعدم استخدام الفيتو، وأعلن مكتب رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو أن إسرائيل ترفض قرار مجلس الأمن، واستدعت السلطات الإسرائيلية السفيرين النيوزيلندي والسنغالي للتشاور بعد مشاركة بلديهما في الدعوة للتصويت على القرار، وقرر نتانياهو إلغاء زيارة مقررة في يناير لوزير الخارجية السنغالي، وأمر بإلغاء جميع برامج المساعدات للسنغال، وإلغاء زيارات سفيري السنغال ونيوزيلندا للأراضي المحتلة، بينما لا يقيم الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية مع ماليزيا وفنزويلا، ليبقى تراجع مصر، خيبة أمل كبرى، رغم الانتصار الذي تحقق بتمرير قرار وقف الاستيطان.