أتفهم الحزن والغضب الذي انتبانا بعد العمل الإرهابي الذي استهدف المصلين في الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية بالعباسية، ولكنني لا أقبل الفزع الذي حاول البعض ان يبثه في نفوسنا ويزرعه في قلوبنا بعد هذا الحادث الخسيس البشع والذي كان معظم ضحاياه من النساء والاطفال، رغم كثرة الضحايا، ورغم انه يأتي بعد ثلاث حوادث إرهابية أخري وقعت قبلها بأقل من 48 ساعة، واحد في الجيزة والآخر في كفر الشيخ والثالث في المنيا. فمن يدرك أننا نخوض حربا ضد الإرهاب ويعي بحق ما هي الحرب سوف يتوقع حدوث عمليات إرهابية هنا وهناك ، سواء داخل القاهرة أو غيرها من المدن، وليس في سيناء وحدها.. ولكن يبدو أن البعض منا نسي ذلك او لا يريد الاقتناع بهذا الأمر، ولذلك يهتز وربما يصاب بالدوار بعد كل عملية إرهابية جديدة، خاصة اذا أسفرت هذه العملية عن وقوع ضحايا كثيرين. وهذا تحديدا ما يستهدفه الإرهابيون بعملياتهم الخسيسة والوحشية.. وانهم يبغون هز ثقتنا في أنفسنا والرضوخ لهم والقبول بأن يسيطر علينا الفاشيون والمستبدون ويتحكمون فينا.. بالتالي ليس مقبولا محاولات البعض اثارة الفزع في نفوسنا عقب كل حادث أو عمل إرهابي جديد يحدث في غمار الحرب الشرسة التي نخوضها ضد الإرهاب منذ الثالث من يوليو 2013. وحربنا هذه ضد الإرهاب ستطول لاكثر من سبب.. أولا لان الإرهاب الجديد الذي نواجهه اليوم هو الأكثر توحشا من كل إرهاب سبق أن واجهناه من قبل.. وثانيا لانه الاكثر عولمة وايضا الاكثر استفادة من تكنولوجيا الاتصال وترتبط تنظيماته وجماعاته بصلات فيما بينها البعض.. وثالثا لانه يمتلك قدرات وامكانيات كبيرة من السلاح والمال.. رابعا لان تنظيماته وجماعاته قادرة علي تعويض خسائرها وتجديد شبابها بإغواء المزيد من الشباب.. وخامسا لان هذا الإرهاب يلقي دعما من دول وحكومات وأجهزة مخابرات إقليمية وعالمية. ولذلك لن تكون العملية الإرهابية الخسيسة التي استهدفت الكنيسة البطرسية هي آخر العمليات الإرهابية.. سوف يحاول الإرهابيون قتل المزيد منا وتفجير المزيد من منشآتنا الدينية وغير الدينية.. وكلنا مستهدفون لهم.. رجال الشرطة.. ورجال الجيش.. ورجال القضاء.. ورجال الإعلام.. بل وايضا المواطنون العاديون.. فإن هدفهم الاساسي هو تقويض كيان دولتنا الوطنية.. ولذلك سوف يفجرن في أي مكان وموقع يتمكنون من التسلل اليه واستغلال أية ثغرات أمنية فيه، وسيحاولون اغتيال وقتل ليس فقط بعض الشخصيات المهمة، وانما اكبر عدد من المواطنين كلما اتيحت الفرصة لهم لذلك. انها الحرب.. ويالها من حرب شرسة لاننا نحارب عدوا خسيسا يستبيح ان يفعل أي شيء ويتسم بالوحشية الكبيرة والقسوة.. وكل حرب لها ضحاياها ولها خسائرها.. وحتي نحقق النصر في هذه الحرب لابد ان نتحمل عن طيب خاطر هذه الخسائر ونقبل بتقديم التضحيات.. ألم نفعل ذلك حتي نتمكن من استرداد أرضنا السليبة التي احتلها العدو الاسرائيلي في يونيو 1967.. فما بالنا بحرب ندافع عنها عن كل كيان دولتنا الوطنية.. أو ندافع فيها عن كل أرضنا وكل حياتنا وحياة أولادنا وأحفادنا ومستقبلنا. ولنتذكر انه علي مدي نحو ثلاثين شهرا اخفق الإرهابيون رغم كل العنف الذي مارسوه والجرائم التي ارتكبوها في ان يحققوا هدفهم الرئيسي وهو تقويض كيان دولتنا الوطنية، أقدم دولة وطنية في تاريخ البشرية، والتي صنعت أول حضارة للبشر. لقد جربوا كل شيء تفجير المنشآت الشرطية ومديريات الأمن وتفجير الكنائس واغتيال القضاء ومحاولة اغتيال السياسيين ومقاتلي القوات المسلحة ورجال الشرطة وتفجير أبراج الكهرباء واستهداف السائحين الأجانب، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، وتفجير وسائل النقل العام من أتوبيسات وقطارات.. ومع ذلك اخفقوا في تحقيق هدفهم الرئيسي وهو تقويض كيان دولتنا الوطنية، رغم الدعم الاقليمي والدولي الذي يحظون به. بل ان قدرتهم علي ايذائنا تتآكل وتتراجع ولا تتزايد فإن عدد عملياتهم الإرهابية هذا العام الذي يستعد للرحيل (2016) أقل من عدد العمليات التي قاموا بها في العام الذي سبقه (2015)، وايضا الاعوام السابقة له منذ عام (2013).. وأظن أننا مازلنا نتذكر ما كانوا يفعلونه في مدننا خاصة القاهرة فور الاطاحة بحكم الإخوان الفاشي المستبد.. ولعل هذا يدفعنا لان نكون اكثر ثباتا في هذه الحرب الشرسة التي نخوضها ضد الإرهاب خاصة ان هذه الحرب لم تنته بعد.. سوف تنتهي فقط بعد ان نسحق ونقضي علي كل الإرهابيين ونصفي كل تنظيماتهم وجماعاتهم ونتخلص من شرورهم. وأنا علي يقين بأن الإرهاب الذي نواجهه لن يتمكن في تحقيق هدفه وهو تقويض دولتنا الوطنية، حتي وان كان الإرهابيون الآن يسعون الي زيادة جرعة إرهابهم وتحديدا بعد ان اخفقوا فيما رتبوا له في 11/11 بمساعدة ودعم وتمويل جهات أجنبية.. لا أقول ذلك استنادا فقط الي القاعدة التاريخية التي تقول ان الإرهاب لا يهزم دولة، أو حتي استنادا الي الخبرة التاريخية المصرية في مواجهة الإرهاب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.. وإنما استنادا الي حقيقة جديدة ايضا الآن وتتمثل في ان الجماعات والتنظيمات الإرهابية الجديدة تستهدفنا جميعا، كبارا وصغارا، رجالا ونساء، مسلمين ومسيحيين، والإرهاب لن يهزم شعبا كاملا. ولكن حتي نقلل تضحياتنا لابد ان نتصرف بما تقتضيه حالة الحرب التي نخوضها مع الإرهاب.. أي نتصرف كمجتمع يخوض حربا.. أي نعلي أهمية التماسك الوطني ونحشد كل قوانا ضد هذا العدو الخسيس الوحشي الذي نواجهه.. ونتوقف عن تلك الصراعات الضارة التي يدفعنا البعض اليها دفعا والتي تؤثر بالسلب علينا ونحن نخوض هذه الحرب الشرسة ضد الإرهاب.