تتعاقب وتتوالي الحكومات المصرية حكومة تلو الأخري، وأهالي النوبة حتي الآن لم يحصلوا علي حقوقهم، فقد بدأ التهجير القسري لأهالي النوبة منذ عام 1898 مع بدء تعلية الخزان الأولي، هؤلاء الأهالي تم تهجيرهم ثلاث مرات في خلال عشر سنوات، كلفتهم هذه الهجرة خسائر فادحة "أشخاصا وأموالا وأراضي زراعية ومواشي" والآن نفد صبرهم. منذ هذا التاريخ وعلي مدار مائة عام الأنظمة السابقة تعمدت إهمال حق النوبيين، لكن بعد ثورة 25 يناير لأول مرة الحكومة المصرية تستمع لأصوات النوبيين في جلسات مجلس الشعب السابق، وبسبب الأحداث التي تمر بها البلاد توقف هذا الاستماع، أما بعد ثورة 30 يونيو شهدت لأول مرة لجنة الخمسين تمثيلا حقيقيا للنوبيين.. ولكن هل ستكون هذه اللجان لجان استماع فقط أم أنها ستنهي حل هذه المشكلة الأزلية إلي الأبد وهل هناك إرادة سياسية تعترف بالحقوق النوبية وتؤمن بالقضية. مطالب النوبيين في الدستور الجديد.. العودة لأرض الأجداد في البداية يقول: الأديب حجاج أدول، عضو لجنة الخمسين: أنا في تفاؤل حذر، اختياري عضوا في لجنة الخمسين معناه رغبة الدولة في الاستماع والحل، ولكن حتي الآن الأمر لم يتضح، أهالي النوبة في مأساة من قبل عام 1952 وكان يطلق عليهم "منكوبي خزان أسوان« أي أن نكسة النوبة سبقت نكسة فلسطين، وبرغم أن ثورة 1952 وعدت المنكوبين بأن الخير سيأتي إلا أن المأساة مستمرة حتي اليوم، والأنظمة السابقة لم تنفذ أي وعد من وعودها. ويضيف أدول إن السبب في طول فترة المأساة ليس الأنظمة السابقة، لكن أهالي النوبة أيضاً، فهم في حالة إغماء من ضربات التهجير المتتالية، ولأنهم مرتبطون ارتباطا قويا بالبيئة النهرية فتهجير الصحراء أحدث زلزالا عنيفا في البنية الاجتماعية والنفسية لهم. ويؤكد نحن في لجنة الحقوق والحريات عندما طلبنا إضافة العرق واللون في المادة المتعلقة بتجريم التمييز واجهنا تحديات كثيرة والآن نحن نطالب بإلزام الدولة في الدستور بالاهتمام بتنمية محافظات الحدود والاهتمام بثقافتهم وعدم إقامة أي مشروع دون مشاركة أهالي المنطقة بما لا يضر بيئتهم أو ثقافتهم، وأن تعمل الدولة علي إعادة من يرغب من النوبيين إلي مناطقهم الأصلية وبرغم الموافقة علي إدراج هذه المادة - التي ستنزع الفتيل نهائيا من القضية النوبية، إلا أننا مازلنا في انتظار التصويت، فإذا منعت هذه المادة سيتحمل الجميع المسئولية لأنها ستكون "القشة التي تقصم ظهر البعير". ويضيف أدول لأن مشاكل مصر كثيرة جدا، فالثورة آثارها ستمتد للقرن القادم، وانتظر الموجة الثالثة أوائل العام المقبل، فقبل ثورة 1952 الليبرالية كانت تتقدم ضد القصر والقوي الأساسية كانت في الأحزاب وتحديدا حزب الوفد، لكن التحام الجيش مع الشعب أوقف التطور الطبيعي للحياة المدنية للشعب المصري، ولأن الأمل في الشباب والصبية القوة الأساسية للثورة فأنا متفائل علي المدي البعيد، فالثورات العظيمة لا يبدأ حصادها في اليوم الثاني، أما في المدي القصير فنحن أمامنا الكثير من المتاعب والمزالق، المستفيدون من حكم مبارك والسلفيون المتطرفون ثم التطرف باسم الإسلام ثلاث جهات مصالحها الحقيقية هي إفشال الثورة، أيضا القوي العالمية التي تعرف مصر جيدا - كما قال نابليون »من يحكم مصر يحكم العالم« - »تحرص أن ترقص مصر علي السلم« لا تنهار ولا تصبح قوة عظمي. لازال الحديث علي لسان حجاج أدول: إن أجهزة الأمن اغتالتنا معنويا واستخدمت فزاعة »الانفصال« لكي تسلبنا حقوقنا والآن نحن ننادي بالاختلاط وإقامة منطقة مركزية علي الحدود المصرية تكون مشعة تكنولوجيا وثقافيا وزراعيا وتجمع بين الجنوب الأفريقي ومصر، وأخيرا ستعمل علي تأمين الأمن القومي المصري في الجنوب. مهندس عبده سليم، رئيس المجلس الأعلي للنوبة يقول: الظروف التي تمر بها البلاد الآن لا تتحمل خلافات حول تمثيل النوبيين في الدستور، ومشكلتنا الحقيقية لا تكمن فيمن سيمثلنا وإنما تكمن في عدم استيعاب المجتمع المصري لمشاكلنا، فنحن لا ننكر أن اللغة العربية هي اللغة السائدة في المجتمع المصري ولكن الحفاظ علي الهوية الثقافية واللغة النوبية والتراث النوبي ضرورة حتمية.. أما المواطنة في الدستور فيجب أن تتحدث عن العرق . فلا تعارض بين المواطنة والخصوصية السائدة في المجتمع المصري، لأن الحفاظ علي الخصوصية يساوي في المقدار الحفاظ علي الآثار المصرية واللغة الهيروغليفية. ويؤكد عبده سليم أن النظام الاقتصادي المصري همش وأهمل المناطق الحدودية المصرية، وأن إلزام الدستور للدولة بتنمية هذه المناطق سوف يخرجها من عنق الزجاجة، مضيفا أن لجنة الحقوق والحريات وافقت بنسبة 77٪ علي إلزام الدولة بتنمية المناطق الحدودية، كما وافقت اللجنة علي الحفاظ علي تراث هذه المناطق وفقا لرأي الأهالي وأسلوب معيشتهم وحتي اختيار الشكل المعماري لمنازلهم دون فرض أي شكل معماري حديث لمنازلهم يتعارض مع الشكل الذي اعتادوا علي العيش فيه.. ولكن حتي الآن لم تتم الموافقة النهائية علي هذه المواد. أما حق العودة فالدستور لم يتطرق له حتي الآن، فهناك حقوق خاصة بمهجري الخزان وهم أكثر من 33 قرية، وهناك حقوق خاصة بمهجري بناء السد العالي عام 1964، وهؤلاء وهؤلاء لم يحصلوا من أنواع التعويض إلا "اللمم"، فما كان يحتاج إليه هؤلاء المهجرون هو التعويض الاجتماعي، فحصولهم علي أراض زراعية مثلا كان سيضمن لهم عيشا كريما وأيضا لأن التعويض المادي تم صرفه كاملا أثناء الهجرة. يقول محمد صبري، منسق عام الاتحاد النوبي للجمعيات النوبية لمدينة ومركز أسوان: المشاكل النوبية الداخلية هي الأولي بالحل الآن قررنا التوافق علي من يمثلنا في الدستور، وبرغم أن "أدول" خير من يعبر عنا إلا أننا لن نضمن أن تؤخذ مطالبه بعين الاعتبار، مضيفا الجميع يتحدث عن الهجرة الكبيرة هجرة ما بعد عام 1964 ولكنهم يتناسون هجرة عام 1898 تاريخ الشروع في بناء خزان أسوان. والحقيقة أن مهجري الخزان هم أكثر تضررا من مهجري السد العالي وعدم الحديث عنهم يعد اختزالا للقضية النوبية، فهؤلاء تم تهجيرهم ثلاث مرات حيث بدأت الهجرة القسرية في منطقة قري الشلال في عام 1898 مرورا بهجرة عام 1902 عند التعلية الأولي للخزان ثم هجرة 1912 عند التعلية الثانية ثم هجرة عام 1933.. وبرغم من ذلك إلا أن الحكومات المتعاقبة منذ أيام الخديو توفيق لم تصدر قرارا واحدا يعترف بحقوقهم وحتي الآن لم يحصل هؤلاء المهجرون علي أي تعويضات، ليس هذا فقط فحتي هذه البيوت التي حصلوا عليها دون رغبتهم لم يأخذوا صك ملكيتها حتي اليوم . وحتي بعد أن أصدرت الحكومة السابقة قرارا لهم بتمليك أراضيهم وبيوتهم إلا أن تحديد الشهر العقاري رسوم 3000 جنيه للمتر، وتحديد الأحكار رسوم 36 ألف جنيه للمنزل تمثل عقبات جمة أمام هؤلاء المتضررين. وأخيرا يؤكد صبري أن تاريخ النوبة جزء من تاريخ مصر وكتب التاريخ يجب ألا تتجاهله، متسائلا بعد ثورتين عظيمتين هل هناك إرادة سياسية تعترف بالحقوق النوبية وتؤمن بالقضية؟ مسعد هركي، رئيس المؤسسة المصرية النوبية للتنمية يقول: كان يجب أن يمثل لجنة الخمسين فقهاء الدستور فقط، وماحدث يسمي (ترضية) لكل الأطراف الموجودة في مصر، ولكن نحن حريصون أن تمر هذه المرحلة فقط لاستقرار مصر. مشاكل مصر الداخلية والمناطق الحدودية كلها تحتاج إلي تنمية ومن بين هذه المناطق النوبة، ونحن لن نتحدث خارج مصر، وحقوقنا سنحصل عليها من داخل مصر. من يريد الحديث عن حق العودة هم فقط منكوبو خزان أسوان 1902، أما مهجري السد العالي عام 1964 فلهم مطلب تمليك مساكنهم وتحديد ظهير صحراوي.. النظام السابق نفذ أول عودة لأهالي النوبة 8 كم ل 8 قري كنوز جنوب السد العالي بمنطقة وادي كركر وبعض النشطاء اتهموني بالتواطؤ مع أمن الدولة، ولأن البعض يرغب في بقاء المشكلة لأنها تحافظ علي وجوده، فالنظام السابق تلاعب بالنوبة بأبناء النوبة. منير بشير، رئيس جمعية المحامين النوبيين: مايريده كل النوبين من »أدول« هو توصيل مقترحاتهم والأخذ بها.. نحن نعرف أن الدستور يعالج مبادئ ولكن يجب أن يتناول الدستور كيفية معالجة »التهجير القسري«، فأي مجتمع له حضارة وثقافة وهوية وتم تهجيره قسريا، ثم زال السبب فله الحق في العودة للموطن مرة أخري لنفس المكان والجودة والظروف والبيئة للحفاظ علي هويته وثقافته لأن مهمة الدستور المحافظة علي هوية الشعب. ويضيف نحن نأسف حتي الآن أن ذلك لم يذكر في الدستور وإذا انتهي إعداد الدستور دون إضافة مادة تحمي المهجرين وتعيد لهم حقوقهم سنطالب »حجاج أدول بالانسحاب«. أما أحمد إسحق، رئيس لجان متابعة الملف النوبي: فيؤكد أن أهالي النوبة مثلهم مثل أهالي السويس الأفاضل ولابد أن يعودوا إلي أراضيهم في احتفال مماثل لاحتفال عودة أهالي القناة.. مضيفا: إذا ساوي الدستور بيننا وبين أهالي السويس سنضعه علي الرأس وفي حدقة عيوننا. وإذا لم يساو بيننا فهو دستور لايمثل إلا »عفار وعنكبوت« ولن يعني النوبيين إطلاقا.. السد العالي أضاف للرقعة الزراعية 2.5 مليون فدان أدخلت للدولة مليارات الجنيهات استثمرت علي أنقاض قرانا ورفات آباء وأجداد النوبيين، فلماذا النكران والجحود؟