برؤية فنان شاب صاغ ثلاث لوحات علي خشبة المسرح ، تلخص عبق التاريخ في أقاصي الجنوب المنسي، عادات وتقاليد وفنون وعلوم نفض عنها غبار السنين ، وقرر المخرج شاذلي فرح استعادة ماض تلبد في صعيد مصر فكان عرضه المسرحي "هي يا ليلة هوي" بمثابة تابلوه تراثي يتنقل بين بساتين الفن الجنوبي ، مثل التحطيب والكف والتسبيل والإنشاد الصوفي للنساء. يري المخرج شاذلي فرح أن الفرصة جاءته لينقل كل هموم صعيد مصر إلي المدينة التي يعتبرها في معزل عن ثقافات الجنوب ، ويتم تصدير القليل منها عبر درامات فنية لمجرد المتعة، لكنه يقدمها من خلال أبو الفنون وصورة حية للجمهور ليتعايشوا مع النص الذي ينقسم إلي ثلاث عروض في عرض لا يربطهم سوي خط واحد هو النحات الفرعوني. ويضيف .. أقوم برصد سنوات في عرض غنائي استعراضي بعنوان " هي يا ليلة هوي " والتي تعني فن " النميم " الأسواني وهو نوع من الأغاني في الجنوب وفي السودان يسمي فن " الدوبيت " وله مطربوه المعروفون في الجنوب . والعرض نتاج ورشة مسرحية عن فنون الجنوب نستعرض من خلاله فن التحطيب والكف والتسبيل والزواج والإنشاد الصوفي للنساء ، ومع البحث اكتشفت أن أكثر من 80٪ من الروايات والحكايات مأخوذة عن الكاتب المصري القديم مثل "شمشون ودليلة"، "سندباد"، علي بابا والأربعين حرامي"، "ألف ليلة وليلة" وتم تحويلها إلي أعمال فنية غربية وعربية ، ووجدت ضالتي الفنية لكي أقدم فنا مهموما به منذ أن وطأت قدماي أرض المحروسة منذ عدة سنوات مضت ، فقمت بالتفتيش في كتاب "الكاتب المصري القديم" لعالم الآثار الدكتور سيد كريم وأخذت حكاية "العملاق وشمس الضياء" والتي تعادل في الحكايات الأخري قصة "شمشون ودليلة" وهذه الحكاية دارت أحداثها في طيبة وأخذتها ومسرحتها من خلال أمير يقع في غرام فتاة جميلة وأثناء احتفالاتهم بعيد الربيع تحدث الأعاصير التي تحمل الجميلة إلي الجبال التي يسكنها العملاق المتوحش والتي تروضه حتي تعرف سر قوته "في قلبه" وتنتقم منه حتي تعود لأسرتها مرة أخري ، وهذه الرواية تعكس مدي قوة المرأة وأين تكمن أسلحتها وقوتها. أما اللوحة الفنية الثانية فتتمثل في مذكرات اللواء محمد صالح حرب وزير الدفاع الوطني في وزارة أحمد ماهر عام 1948 ويعود أهله إلي مدينة " دراو " واختص في مذكراته بابا كاملا عن " ياسين العبادي " والذي اشتهر بقصة ياسين وبهية " ولكن جاءت هذه الكتابات لتصف ياسين بأنه أشهر المجرمين وتم قتله علي أيدي اليوزباشي محمد صالح حرب في ذلك الوقت ، وفي هذه اللوحة نستعرض هذه الأحداث حتي نتعرف علي هذه الحقائق. وتأتي اللوحة الثالثة لتلقي الضوء علي أهالي النوبة حيث الأسطورة النوبية التي تفصل بين الخير والشر والتي تحمل اسم " أمن دوجر " وتقول الأسطورة إن النوبة في سالف العصر والأوان كانت تؤمن بأن من يعيشون فوق الأرض ينقسمون إلي أشرار وطيبين ونفس الأمر ينطبق علي من يعيشون تحت النيل وانقسموا إلي " أمن دوجر " وهم الأشرار ، " وأمن نيتو " وهم الطيبون ، وعندما بحثت في الأسطورة حول الأشرار والطيبين وحول " أمن دوجر " تحديدا وجدت الأسطورة تقول إن سيدة من اهل النوبة قررت أن تبيع ذهبها ولما عادت إلي بلدتها مرة أخري سألها أهل البلدة عن كمية الذهب التي كانت تتزين به ، فعجزت عن أن تقول لهم الحقيقة، فغزلت لهم نسيج رواية علقت بأذهانهم ومازالت تتوارثها الأجيال حتي الآن فقالت إنها كانت تجلس علي النيل فخرج لها " أمن دوجر " وسلبوها ذهبها وتحمل الرواية العديد من المفاجآت ولكننا نستعرضها كاملة علي خشبة المسرح. وأشار شاذلي إلي أن العرض مغامرة بكل المقاييس في ظل الظروف التي تمر بها البلاد إلي جانب الهروب الكبير من لقاء أبو الفنون المسرح، ولكنه قرر التحدي هو وجميع المشاركين المخرج المنفذ تامر مجدي، والفنانون المشاركون في العرض أشرف صالح، عمرو سعد، رشا سامي ، ياسر الزنكلوني، مهدي أبو شعيرة، وبمصاحبة فنان العود النوبي كرم مراد.