مأزق أوباما يتفاقم مع بوادر الإنهيار الاقتصادى "الدولة معطلة والحكومة مشلولة ..ما هذا العبث السياسي وأي تشريع يحكم هذا البلد .. الشيء الوحيد المؤكد هو أن الأوضاع ما كانت لتصل إلي هذا السوء لولا الحزبان الجمهوري والديموقراطي، فكل منهما يعرف أضعف ما في خصمه جيدا ويصر علي أن يوجه له أكثر الضربات إيلاماً، وخرجت الأمور عن نطاق تنافس سياسي إلي حد صراع مميت يتمني فيه كل طرف القضاء علي الطرف الآخر.. توقفوا عن تلك العداوة فوراً قبل أن نستيقظ علي مذبحة ستتجاوز خطوط تنافسكم السياسي-الاجتماعي". هكذا خرجت افتتاحية صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية،صباح يوم السبت الماضي، لتصب جام غضبها علي الحكومة والمعارضة علي حد سواء، بسبب عجزهما عن إقرار ميزانية السنة المالية 2014 مما أدي لأزمة ما بات يعرف في الولاياتالمتحدة بShutdown أو إغلاق الحكومة الفيدرالية بعدما أصبحت غير قادرة علي سداد مرتبات 700 ألف موظف حكومي، باتوا بين عشية وضحاها مجبرين علي البقاء في منازلهم في إجازة بدون مرتب،حيث أصبحت أمريكا نفسها علي شفا الإفلاس. الرئيس باراك أوباما، المنتمي للمعسكر الديموقراطي، مازال يرفض الخضوع لضغوط الحزب الجمهوري المنافس، الذي يربط متعصبوه أي موافقة علي الميزانية ورفع سقف الدين بإصلاح البرامج الاجتماعية التي أقرها أوباما للعام المقبل 2014 وأبرزها برنامج التأمين الصحي المعروف باسم Obamacare وكانت مطالب الجمهوريين ،المؤجلة منذ ثلاث سنوات،من خلال نوابهم المحافظين من غلاة اليمين المتشدد المعروفين ب Tea Party أو"حركة حزب الشاي"، وهي حركة يصر"جون بوينر" زعيم الجمهوريين في الكونجرس علي التحالف معها، رغم اعتراضات متزايدة من جمهوريين معتدلين. ويعود تاريخ الحركة إلي الماضي القريب، ففي ربيع عام 2009 نظم عدد من النواب البرلمانيين المحسوبين علي الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري"حفلات شاي" للاعتراض علي سياسة الدولة الفيدرالية فيما يخص استخدام أموال الضرائب للإنفاق علي البرامج الاجتماعية مثل برنامج التأمين الصحي الجديد الذي وعد به أوباما منذ أن كان مرشحاً للرئاسة عام 2008 ويُعد مصطلح"حفل شاي" رمزاً تاريخياً يشير لتمرد المستعمرات الأمريكية التي كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني عام 1773 ضد ضرائب إضافية فرضها الإنجليز علي الشاي، وفي 15 أبريل 2009 تاريخ تقديم الإقرارات الضريبية السنوية في الولاياتالمتحدة، كان هناك 750 حفل شاي تم تنظيمها في أماكن متفرقة من البلاد. وكان الميلاد الفعلي للحركة عقب تولي باراك أوباما مقاليد السلطة في البيت الأبيض في يناير 2008 وتم تعزيز أعداد المنتمين"لحفلات الشاي" من خلال شبكة من المليارديرات والمنتمين للتيار اليميني المحافظ، وفي عام 2011 أصدر الباحثان في العلوم السياسية "ثيدا سكوكبول"وزميلته "فانيسا ويليامسون"، دراسة توضح نمط الشخصية التي تحضر "حفلات الشاي"، وكانت علي النحو التالي: أبيض أنجلو-ساكسوني من ذوي الثراء الفاحش، وفي الخمسين من العمر ويمتلك عقلية رأسمالية-ثقافية ليست موجودة عند كثير من الأمريكيين، والشعور المسيطر علي هؤلاء هو أن الأموال التي يدفعونها للضرائب، تذهب لأمريكيين شباب من أصحاب البشرة السمراء أو من جنسيات أخري مختلفة، لا يجدون فيهم انعكاساً لأنفسهم أو لأمريكا التي يعرفونها، وأشارت الدراسة إلي أن أغلب أعضاء الحركة من النساء. وما بين 2009 و 2011 انضم كثير من أبناء الطبقة المتوسطة ل"حفلات الشاي"، وتم تأسيس 1000 منظمة تحمل نفس الأفكار، وتتمحور مطالبهم بشكل مستمر حول ثلاثة أشياء هي: تعديل مظلة التأمين الصحي المعروفة باسم Obamacare وتقليص عجز الموازنة، ومحاربة الفساد في صفوف النخبة الحاكمة في واشنطن، وبالإضافة إلي ذلك تكافح الحركة أيضا من أجل خفض الضرائب وحجم الإنفاق العام، وانتهاج سياسة خارجية أكثر ميلاً للعزلة عن المجتمع الدولي. في الانتخابات النصفية للكونجرس حقق أعضاء"حزب الشاي" نجاحاً ملموساً، حيث حصل 50 من أعضائه(من أصل 235 تم انتخابهم كنواب جمهوريين) علي مقاعد في البرلمان من خلال ترشحهم علي قوائم الحزب الجمهوري (اليميني)، ويشكلون فيه الجناح الأكثر تشدداً، وطبقاً لاستطلاع أجرته صحيفة "نيو يورك تايمز" وقناة CBS NEWS فإن 18٪ من الأمريكيين يرون أنفسهم في أعضاء " حركةحزب الشاي"، وخلال فترة أوباما الأولي في البيت الأبيض لم يكن نشاط الحركة علي المستوي الذي انتظره أنصارها، وكانت إعادة انتخاب الرئيس الأسمر في 2012 بمثابة ضربة قاصمة لأجندة"حزب الشاي". باراك أوباما الذي بني برنامجه الانتخابي في 2008 علي توفير مظلة التأمين الصحي Obamacare تم إقرارها رسميا في 2010 وعلي إحكام سيطرة الدولة في مراقبة الأسواق،تم إعادة انتخابه في مواجهة المرشح اليميني الأبيض "ميت رومني"،و كان نقاش الرجلين حول الضرائب في المناظرة الانتخابية التي جمعت بينهما،كفيلا بترجيح كفة الرئيس الأسمر،حيث أعلن هذا الأخير بوضوح عن إلغاء الامتيازات الضريبية الممنوحة للأغنياء، فانطوي أعضاء "حزب الشاي" علي أنفسهم أكثر فأكثر و كانوا سبباً في جنوح الحزب الجمهوري نحو سياسة راديكالية أكثر يمينية، مما أفقد غالبية الأمريكيين الثقة في الحزب وفي حلوله التي يقدمها معتمداً علي تقزيم دور الدولة. هناك خلافات داخلية في "حزب الشاي" تشرح ولو جزئياً الصعوبات التي واجهتها الحركة علي المستويين التنظيمي والسياسي في انتخابات 2012 حيث انقسم الأعضاء ما بين جناح"تحرري"، نوعاً ما،يميل إلي إلغاء دور الدولة الفيدرالية تماماً و معها الجناح المحافظ المؤيد لدورها في الرقابة والأخلاق العامة، وجناح آخر يري دور الدولة فقط في إعداد نشء متدين وعلي درجة أخلاقية عالية، فيما كان الفريقان متفقان علي خفض الضرائب والأمور الاقتصادية بشكل عام. تصلب "حزب الشاي" في مواقفه،التي وصفها أوباما ب"حرب صليبية أيديولوجيه"،قد تؤدي فعلاً لShutdownأو إغلاق الدولة الفيدرالية، في حال عدم التوصل لتسوية لإقرار موازنة عام 2014 ورفع سقف الدين، وتكمن قوة الحزب في قاعدة صلبة تنفق ببذخ لا معقول علي الحملات الانتخابية البرلمانية لأعضاء الحزب الجمهوري، مما يدفع هؤلاء بالتبعية علي التصويت بلا علي الميزانية التي يقترحها أوباما وحزبه الديموقراطي الحاكم. غير أن تلك القاعدة الصلبة تشكل سيفاً مسلطاً علي تماسك الحزب الجمهوري وشعبيته، حيث إن كثيرا من المعتدلين في الحزب يميلون إلي التصويت بنعم علي الموازنة، علي الأقل حتي لا تُصاب الدولة بالشلل، وفي الوقت نفسه يخشي هؤلاء المعتدلون من فقدان الدعم المادي الذي يقدمه أعضاء"الشاي" لهم في الانتخابات النصفية المقبلة أواخر عام 2014 حيث سيتم إعادة انتخاب 435 نائباً وسيناتورا في مجلسي النواب والشيوخ (البرلمان الأمريكي "الكونجرس" ينقسم لمجلسي النواب والشيوخ ،وتُطلق كلمة سيناتور علي عضو مجلس الشيوخ، ويتم إعادة انتخاب ثلثي الأعضاء في كلا المجلسين كل عامين)،و في مواجهة دعوات الوفاق مع أوباما والديموقراطيين التي يطلقها معتدلو الحزب الجمهوري،هناك رفض قاطع من أعضاء "حزب الشاي" الذي تنطلق مواقفه في الأساس من أيديولوجية رافضة للنخبة سواء جمهورية أو ديموقراطية.