قال الباحث الإسرائيلى آرنون سوفر، أستاذ الجغرافيا وعلوم البيئة بجامعة حيفا ورئيس مركز الأبحاث الجغرافية الاستراتيجية بها، إنه بينما يرى البعض ما يجرى فى سوريا من منظور دينى، من حيث الصراع القائم بين الأغلبية السُنية والأقلية الشيعية التى حكمت البلاد لعقود طويلة، وبينما يراها البعض الآخر من منظور اجتماعى، على غرار ما وقع فى الثورة التونسية بعد أن أشعل البائع محمد البوعزيزى النيران فى نفسه، فإن هناك بعدا آخر لا بد من إدراكه جيدا، وهو أن الثورة فى سوريا والعالم العربى بشكل عام لا يمكن فهمها دون أخذ الحقائق البيئية فى عين الاعتبار، خاصة حقيقة تصاعد نسبة المواليد وانخفاض موارد وإمدادات المياه. وأشار «سوفر» إلى أن تعداد السكان فى الشرق الأوسط زاد الضعف خلال ال 60 عاما الأخيرة، وهو ما أنذر، بالإضافة إلى نقص موارد المياه، باندلاع صراع عالمى. وأضاف: «كجغرافى وباحث فى علوم البيئة والموارد المائية تحديدا، من الواضح تماماً أن هناك صراعا مائيا سيندلع فى الشرق الأوسط». مصر حوّلت مطار «أبوسمبل» إلى مطار عسكرى تخوفاً من اندلاع صراع مع السودان وإثيوبيا وأضاف، فى دراسة نشرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» مقتطفات منها، أن وزارة الدفاع الأمريكية توافقه الرأى فى نظريته، بشأن اندلاع حرب فى المنطقة بنوع من الحذر، حيث أعلنت فى فبراير الماضى أنه فى الوقت الذى قد لا يكون فيه تغير المناخ عاملا حاسما فى اندلاع الصراع حول المياه، فإنه عامل محفز بشكل كبير فى عدم استقرار الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم. وأشار «سوفر» إلى أن ندرة المياه لعبت دورا مهما فى بداية الحرب الأهلية فى سوريا واندلاع ثورات الربيع العربى، كما أنها قد تعيد تشكيل الروابط الاستراتيجية وعلاقات المصالح فى الشرق الأوسط، بينما تترنح الأنظمة وتختفى الحدود. ويرى الباحث الإسرائيلى أن مصر تواجه الخطر الأكبر فى أزمة المياه، مدللا على صحة نظريته بالتغيرات الحادة فى المناخ، مشيراً إلى أن أى ارتفاع طفيف فى مستوى البحر، ولو بنسبة نصف متر فقط، سيتسبب فى زيادة نسبة الأملاح فى المياه الجوفية، ليجبر بعد ذلك أكثر من 3 ملايين مواطن على مغادرة مدينة الإسكندرية. وعلى المدى البعيد، بحسب سوفر، تبدأ أهمية قناة السويس فى الانحسار، بينما يذوب القطب الشمالى، وعلى الفور ستتسبب ندرة المياه فى زيادة تشدد المصريين وتكوين ميليشيات مسلحة وتعزيز السيطرة العسكرية على الدولة، إلا أن ذلك التشدد فى الإجراءات العسكرية لن يكون موجها ناحية إسرائيل، وإنما إلى جنوب البلاد وتحديدا السودان وإثيوبيا والدول الأخرى التى تتنافس على مياه النيل، وستتغاضى مصر حينها عن النظر إلى ما يجرى فى الجزء الشمالى والشرق الأدنى. وأضافت «تايمز أوف إسرائيل»: «وكدليل على أن ذلك التحول بدأ بالفعل، أشار «سوفر» إلى منطقة أبوسمبل القريبة من السودان، «حيث حولت السلطات المصرية أحد المطارات المدنية هناك إلى مطار عسكرى، وبالطبع النتيجة التى يمكن استخلاصها من هذا الأمر حاسمة وقاطعة. مصر الآن تمثل تهديدا عسكريا لدول جنوب النيل وليس للدولة الصهيونية فى الشرق». أما عن شبه جزيرة سيناء، فيشير «سوفر» إلى أن التدهور الأمنى سيزداد سوءا حينها، مشيراً إلى أن الأمر قد يصل إلى حد الانفصال عن الدولة تماما، حيث سيصعب على البدو تربية الحيوانات بسبب نقص المياه، وهو ما ينذر بتحولها إلى منطقة تهريب للأشخاص والمواد المختلفة من سيناء إلى آسيا وأوروبا.حروب المياه ستؤدى لزيادة تدهور الأوضاع الأمنية فى سيناء وستنفصل تماماً بسبب عجز البدو عن تربية الحيوانات بعد نقص المياه وعن أزمة المياه فى سوريا، أشار الباحث الإسرائيلى إلى أن 85% من سوريا صحراء أو أراضٍ شبه قاحلة، ولكنها رغم ذلك تمتلك نهر الفرات الذى يمر فى أراضيها، وتحصل منه على ما يقدر ب 4 أو 5 مليارات متر مكعب من الماء فى منابعها الجوفية. وأضاف: «لهذه الأسباب سُميت العاصمة قديما بالواحة، فطوال 5000 عام، اشتهرت دمشق بالزراعة والفواكه المجففة، ولكن منذ 1950، زاد تعداد السكان بما يقارب 7 أضعاف، وتعمل تركيا فى الوقت نفسه على الحصول على أكبر قدر ممكن من المياه. الأمر كأن تركيا تخنق سوريا، كل عام تأخذ تركيا نصف ال 30 مليار متر مكعب من الماء الموجودة فى الفرات، وهو ما يحد من نسبة سوريا فى المياه». ويرى البروفيسور إيال زيسر، المتخصص فى الشئون السورية، أن الجفاف وأزمة المياه لعبا دورا مهما فى بداية الحرب الأهلية فى سوريا، مشيراً إلى أن أزمة المياه تلك كانت بمثابة «عود ثقاب أشعل النيران فى حقل من الأشواك»، محذرا من تجدد الأزمة فى عدد من الدول فى الشرق الأوسط ومن بينها مصر.