قبل أيام سألنى سفير أجنبى فى القاهرة سؤالا مباشرا هو: من سيكون رئيس مصر المقبل بعد محمد مرسى؟!. رددت عليه بعفوية رافعا يدى للسماء بأن الله وحده هو من يعلم، ثم أعقب ذلك بسؤال، وهل يمكن أن يعود الجيش مرة أخرى إلى السلطة، فكررت نفس الإجابة السابقة، مضيفا عليها أن الأفضل بكل تأكيد لمصر أن يكمل الرئيس فترته، وإذا تم تغييره فيكون عبر صناديق الانتخاب أو التحرك الشعبى السلمى، وليس بالعنف، حتى لا تنتكس التجربة وندخل فى «الحالة الجزائرية». كنت أعتقد حتى أسابيع قليلة مضت أن سؤال «مصر إلى أين»، هو شاغل داخلى فقط، ثم فوجئت أن غالبية الدبلوماسيين الأجانب مصابون بنفس الحمى، وربما أكثر. قبل شهور التقيت بدبلوماسيين فرنسيين،وفى الشهر الأخير التقيت بدبلوماسيين من فنلندا واليابان وكوريا، والجامعة العربية بناء على طلبهم. معظمهم زارنى فى الجريدة سائلا.. مصر إلى أين؟!. آخر هذه اللقاءات كانت مع السفير الكورى فى القاهرة كيم يونج سو ومعه الملحق الإعلامى.. وحمدت الله أنه سفير كوريا الجنوبية وليس الشمالية. لو قابلت السفير الشمالى ربما أجد نفسى متهما بتهريب صاروخ بعيد المدى من أسيوط إلى سوهاج، أو يتم وضعى على قوائم الإرهاب الأمريكية، بعد إعلان بيونج يانج قبل أيام الحرب النووية على الولاياتالمتحدة. نعود إلى الجد مرة أخرى، والمؤكد أن مهمة الدبلوماسيين الأجانب الرئيسية هى أن ينقلوا لعواصمهم توقعاتهم لحل «لغز مصر». هؤلاء الدبلوماسيون يتحدثون مع الجميع، ومنهم الإعلاميون، وربما المواطنون، يريدون التقاط أى خبر قد يقودهم لمعرفة ماذا سيحدث غدا، والخوف أن تكون الفوضى فرصة لكل المخابرات الأجنبية للعبث وهو ما لمح إليه مؤخرا إيهود باراك. مصر دولة محورية ومستقبلها قضية تخص غالبية بلدان العالم. هل هذا التحرك المحموم فى القاهرة ينبئ عن أى شىء ؟!. وإلى أن نعرف نبقى مع التجربة الكورية، وخلال الدردشة مع سفيرها فقد فهمت أن ثمة تشابها إلى حد كبير بين البلدين، مصر خاضت حرب 48 ضد اسرائيل وقامت فيها ثورة عام 1952، وكوريا خاضت حرب 1950 ضد شقيقتها، وشهدت ثورة عام 1960 وانقلاب بارك تشنج فى العام التالى،عبدالناصر مات عمليا فى يونيه 1967 وجسديا فى سبتمبر 1970. فى 26 أكتوبر 1979 اغتيل الرئيس تشنغ وفى 6 أكتوبر 1981 اغتيل السادات. المفارقة أنه عندما حدث تقسيم الكوريتين كان الناتج الإجمالى القومى للشطر الشمالى يساوى أربعة أمثال نظيره الجنوبى حتى عام 1960، لكن الفارق ظل يتناقص حتى تساوى الشطران عام 1980، وبعدها بدأ يميل لصالح الجنوب.هل تعلمون إلى أين وصل الآن؟!. الناتج القومى الإجمالى لكوريا الجنوبية يبلغ حوالى 1.6 تريليون دولار ودخل الفرد فيها أكثر من 22 ألف دولار سنويا أكثر من خمسين ضعف نظيره الشمالى الذى لا يزيد متوسط دخل الفرد فيه على 900 دولار!. الشمال منذ أيام المؤسس كيم إيل سونج ونهاية بحفيده الحالى كيم أون ركز على الشعارات الجوفاء وادعى زورا أنه اشتراكى وصار يتسول المساعدات من الصين ويفتعل «معارك دون كيشوتية» للحصول على الطعام. الجنوب ركز على الإنتاج والتعددية واحترام حقوق الإنسان، ويكاد يصبح من الدول الكبرى الغنية. بيونج يانج لا تجد طعاما يكفى لسد أفواه غالبية شعبها الجائع، وسيول متفوقة باكتساح فى كل مجالات الإنتاج والأبحاث والعلوم. الشعارات وحدها مهما كانت وردية لا تطعم المحتاجين.. العمل والعلم والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان قواعد أساسية للتقدم.. فهل يدرك ذلك إخواننا فى كوريا الشمالية.. وفى كل مكان؟!.