يبدو أن العالم أصبح علي شفير الحرب في شبه الجزيرة الكورية, فلا يزال التصعيد السياسي والعسكري هناك هو سيد الموقف خلال الأيام القليلة الأخيرة, حيث هددت كوريا الشمالية بتوجيه ضربات نووية للولايات المتحدة, وأعلنت أنها في حالة حرب مع كوريا الجنوبية, وتعهدت باستئناف العمل في مفاعل يونجبيون, والذي يعد المصدر الوحيد لإنتاج البلوتونيوم لبرنامج بيونج يانج للأسلحة النووية, بما يخالف قرارات متعددة أصدرها مجلس الأمن الدولي في الماضي. جاء ذلك التصعيد بعدما فرضت الأممالمتحدة عقوبات جديدة علي كوريا الشمالية في7 مارس الماضي بسبب إجرائها اختبارا نوويا ثالثا. هذه التطورات اعقبها دعوة كوريا الشمالية للدبلوماسيين الأجانب الموجودين علي أراضيها لمغادرة بيونج يانج بحلول اليوم(10 إبريل), مشيرة إلي أنها لن تستطيع ضمان سلامتهم' لأن الحرب علي وشك ان تندلع, خصوصا وأن كوريا الجنوبية والولاياتالمتحدة مصرتان علي المضي قدما بمناوراتهما العسكرية, المقرر لها ان تستمر حتي نهاية الشهر الجاري. هذا التصعيد, الذي يثير مخاوف وهواجس عالمية من إمكانية انفجار حرب نووية لا هوادة فيها, يبدو غير قابل للإيقاف نتيجة سياسة حافة الهاوية التي تتبعها كل من بيونج يانج وواشنطن تجاه بعضهما البعض. فالرئيس الشاب لكوريا الشمالية, كيم جونج اون, يبدو عازما علي إنهاء حالة اللاسلم واللاحرب التي تسود شبه الجزيرة الكورية منذ انتهاء الحرب الكورية(1953-1950). وهي الحالة التي تسببت وفقا لكثير من المراقبين في دخول الشطر الشمالي في مأزق اقتصادي واجتماعي وسياسي وعسكري مزمن. وللخروج من هذا المأزق, يريد الرئيس الكوري الشمالي أن تعترف الولاياتالمتحدة بنظامه السياسي, وتوقف' سياستها العدائية' حياله, وتعترف ببلاده كقوة نووية, وتشجع حلفائها في اليابان وكوريا الجنوبية علي منح المساعدات الاقتصادية والمالية الضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور بشدة. ومن ناحية ثانية, لا ترغب إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تغيير منهجها المتشدد تجاه كوريا الشمالية, والتي تصنفها علي أنها احد' دول محور الشر'. ويهدف هذا المنهج إلي إجبار النظام الحاكم هناك علي التخلي عن برامجه الصاروخية والنووية تماما قبل مد يد العون إليه, أو تضييق الحصار الاقتصادي و الدبلوماسي عليه حتي ينهار ويسقط من الداخل. فالتفاوض المباشر مع كوريا الشمالية لنزع فتيل الأزمة, من وجهة النظر الأمريكية, سيجعل واشنطن تظهر في موقف الإذعان والخضوع, لما تسميه ب' استفزازات غير مقبولة من جانب كوريا الشمالية', وهو ما قد يهز من صورتها, باعتبارها القوة المهيمنة علي الساحة السياسية العالمية حاليا. كما ان نزع فتيل الأزمة الكورية في الوقت الحالي, من شانه أيضا, حسبما تشير عدد من الدوائر العسكرية والسياسية الآسيوية, أن يؤدي إلي تراجع أهمية استمرار القواعد العسكرية الأمريكية في كوريا الجنوبية واليابان, بل أنه قد يصطدم كذلك مع طموحات الصناعة العسكرية الأمريكية بشأن ترويج ونشر الأنظمة المتطورة للدفاع الصاروخي لدي حلفاء واشنطن في منطقة آسيا المحيط الباسيفيكي, خاصة في اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا والفلبين وسنغافورة. وفي ظل هذا السياق, لم يكن غريبا أن تؤجج المناورات الأمريكية- الكورية الجنوبية, المعروفة باسم' فول ايجل', والتي بدأت منذ أول شهر مارس الماضي وتستمر حتي30 إبريل الجاري, التوتر مع بيونج يانج, حيث أنها تحاكي إنزال أعداد كبيرة من القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية إذا ما اندلع نزاع. وقد زاد من خطورة هذه المناورات, من وجهة نظر قادة كوريا الشمالية, مشاركة مقاتلات الشبح( بي2) وقاذفات( بي52) القادرة علي حمل الأسلحة النووية في هذه المناورات في الثامن من مارس الماضي. وهنا, انتقلت التهديدات الكورية الشمالية بشن هجمات ضد أهداف أمريكية إلي مرحلة متقدمة, إذ نقل التليفزيون الحكومي الكوري الشمالي عن متحدث باسم هيئة أركان الجيش قوله:' نبلغ البيت الأبيض والبنتاجون رسميا أن سياسة العداء الأمريكي وتهديدها النووي سيسحقان.. بضربات نووية متنوعة, وأن العملية التي لا رحمة فيها في هذا الصدد تمت دراستها والتصديق عليها نهائيا. وأضافت رئاسة أركان الجيش الكوري الشمالي أن لحظة الانفجار تقترب بسرعة. ومع ارتفاع حدة التوتر, أشارت معلومات إلي أن بيونج يانج قامت بنصب صاروخين متوسطي المدي من نوع موسودان علي منصات إطلاق متحركة قرب ساحلها الشرقي, مما أثار تكهنات بأن كوريا الشمالية تستعد لإطلاق صواريخ يمكنها ان تطول القواعد العسكرية الأمريكية في كوريا الجنوبية( حيث تحتفظ واشنطن بحوالي28.500 جندي أمريكي) أو اليابان( التي يوجد بها نحو50 ألف جندي أمريكي). كما يمكن لهذه الصواريخ أيضا أن تصيب أهدافا في جزيرتي جوام وهاواي الأمريكيتين في المحيط الهادي, حيث ينتشر ستة آلاف, و50 ألف جندي أمريكي علي التوالي. وفي المقابل, ردت واشنطن بنشر بطارية صواريخ في جوام ومدمرتين مضادتين للصواريخ قرب سواحل كوريا الجنوبية, كما تحدثت تقارير إعلامية يابانية عن اعتزام الجيش الأمريكي نشر طائرة تجسس من دون طيار في إحدي قواعده في اليابان بهدف تعزيز مراقبة كوريا الشمالية. ومن جانبه, صرح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل بأن تهديدات بيونج يانج الحربية المتزايدة تمثل خطرا واضحا وفعليا علي الولاياتالمتحدة وحليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية. وفي ضوء ذلك, توجد العديد من السيناريوهات المحتملة لمستقبل الأزمة الكورية, أقلها حظا حدوث تهدئة مفاجئة للتوتر أو حربا برية تقليدية. فالتحركات الميدانية من جانب كل من الولاياتالمتحدة وكوريا الشمالية تشير إلي زيادة احتمالات وقوع عمل عسكري من نوع ما, صحيح ان التهديد بشن حرب نووية ربما يكون خاويا لأن تكلفته سوف تكون بالغة الارتفاع, إلا أن احتمال وقوع مواجهة عسكرية محدودة ليس قليلا حتي يستطيع الزعيم كيم جونج أون أن يثبت لشعبه انه قادر علي التعامل مع الامبريالية الأمريكية التي تعاديهم. ومما يعزز من هذا الاحتمال ان ذكري عيد ميلاد مؤسس جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية( كوريا الشمالية) كيم ايل سونج في الخامس عشر من ابريل تترافق دائما بالاحتفالات الكبيرة واستعراضات القوة العسكرية. ومن السيناريوهات الممكنة أيضا قيام بيونج يانج بتجربة إطلاق صاروخ في البحر فوق اليابان أو إجراء تجربة نووية رابعة. أما السيناريو الأخير, فهو أن يقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي مبادرة سياسية غير مسبوقة, تتمثل في إجراء مفاوضات مباشرة مع كوريا الشمالية. فهل يتحقق ذلك؟ نتمني ذلك في ضوء عدم جدوي السياسة المتشددة للولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية, والتي تظهر أنها غالبا ما أدت إلي نتائج معاكسة تزعزع من الأمن والاستقرار في العالم.