والآن متى يتكلم فاروق سلطان؟ أظن أن حكم المحكمة الإدارية ببطلان لجنة الغطرسة والإقصاء والعناد والاستئثار والغرور لصياغة الدستور يجعلنا نطرح السؤال الأهم: ومتى تتحرك المحكمة الدستورية العليا لتعلن حكمها الباتر البتَّار ببطلان انتخابات مجلس الشعب نفسه؟ (يظل احتمال الحكم بجواز الانتخابات واردا ولا اعتراض على شىء بقدر الاعتراض على التسويف والتأجيل والتسخيف على مستقبل وطن). لعل المستشار فاروق سلطان يشاهد بنفسه مجلس الشعب، وهو يجتمع من أجل صياغة وتأليف قانون على عجل، وفى يوم وليلة، خصيصا لاستبعاد شخص واحد وحيد لا غير من انتخابات الرئاسة، ولم يرَ السادة الموقَّرون فى هذا التعجل والتسرع والتقصُّد والترصد أى مشكلة إزاء ضميرهم التشريعى والبرلمانى (وسط الحفاوة والرغبة العارمة فى استبعاد عمر سليمان من الترشح، فإن هناك حالة تواطؤ على الرضا بهذا القانون مجهول المصير، لكن لا يعفى هذا أحدا من الاعتراف بأننا أمام ترزية القوانين، وقد عادوا من جديد، وهذه المرة منّنا فينا، وإن صادف تفصيل هذا القانون هوى القوى الوطنية فإن القانون القادم قد يكون ضدى أو ضدك أو ضد صديقى المحامى المرموق عصام سلطان، صاحب مشروع القانون شخصيا). الثابت هنا أن البرلمان رأى مبررا للعجلة والسرعة فى إصدار تشريع، زعمًا أنه ينقذ الثورة والبلد، كأنهم يعترفون باحتمالية فوز عمر سليمان -لدى الإخوان اعتقاد غريب ومستقر بفوز سليمان- وكأنهم لا يثقون بإيمان الشعب بالثورة، وحتى لو كفر الشعب بالإخوان فليس معنى ذلك موافقتهم على سليمان، مالُه موسى أو حمدين أو نور أو أبو الفتوح أو خالد على؟ لعلهم بذلك يحرمون المصريين فعلا من فرصة تلقين الجميع درسا فى التصميم على رفض النظام القديم. إذا كان البرلمان كذلك فى سرعته واستجابته للواقع الخطير من وجهة نظر أعضائه المتحمسين المتوضئين المؤذِّنين، فلماذا نرى من المستشار فاروق سلطان ومن محكمته الدستورية هذا التباطؤ عن البتِّ فى قضية بطلان مجلس الشعب، وهى القضية الأهم والأخطر؟ فهذا المجلس المطعون فى دستوريته وهذا البرلمان المشكوك فى شرعيته، كادت تضيع معه مصر كلها حاضرا ومستقبلا بلجنة صياغة الدستور القندهارى، التى تشكلت من نواب التوحيد والنور، ثم هو حتى الآن، وطبقا للإعلان الدستورى المشؤوم، يملك انتخاب لجنة الدستور التى يمكن أن يتحفنا فيها البرلمان بأعضاء من طالبان والتكفير والهجرة وسائقى التوك توك لصياغة الدستور، طالما امتلك التياران الإخوانى والسلفى مقاليد الأغلبية، وقد غاب عنهم تماما الفرق بين الأغلبية والفتونة! فصاروا يتحكمون فى الدستور بمنطق «موتوا بغيظكم»! ثم إن مصر يا سياة المستشار (أرشِّح لمن يُصِمُّ أذنيه عن الحقيقة ثلاثة دكاترة عباقرة فى «الأنف والأذن والحنجرة» هم أشرف رجب ومحمد الشاذلى وأسامة عبد النصير)، مصر لا تستحق أن نتعامل مع بطلان برلمانها بغرفتيه «الشعب» و«الشورى» بهذا الشكل البيروقراطى الروتينى وفوت علينا بكرة. مصر ومستقبلها وقوانينها وتشريعاتها لا تحتمل العار والعوار حين تُولَد سِفاحا من هيئات تشريعية باطلة مطعون فيها. ثم إن البرلمان نفسه أقر بأن هناك لحظات تاريخية مصيرية لا يصح فيها التقاعس والتجاهل لما يجرى فى الوطن، فهى إذن قاعدة واحدة وسابقة هامَّة تسرى على المحكمة الدستورية، كما على البرلمان. طبعا أعرف أن الانتخابات البرلمانية عزيزة جدا على قلب المجلس العسكرى الذى اكتشفنا أنه لا يحب أن نَصِفَه بالمجلس العسكرى، ويفضل أن يكون لقبه «المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، رغم أن «العسكرى» أدقّ، فهو يفصل بين التقدير والاحترام الحقيقى الخالص للقوات المسلحة، والانتقاد والهجوم على قرارات جنرالات المجلس.. نحن طول الوقت نريد أن نفصل بين هؤلاء الجنرالات والقوات المسلحة، حين نتحدث عن إدارتهم السياسية لشؤون البلاد التى هى للأسف الأسيف كارثية، بينما هم يريدون بإلحاح الإدماج بين المهمتين حتى يوقعونا فى غلط المساس بالقوات المسلحة، وهو ما لن نتورط فيه أبدا، فهى قواتنا، نحن الشعب، بينما الجنرالات بيروحوا وييجوا! أخشى أن تضع المحكمة الدستورية العليا فى اعتبارها أن المجلس العسكرى يؤمن بأن الانتخابات البرلمانية أهم إنجاز له فى المرحلة الانتقالية وفخور جدا بإجرائها وبإنجاحها، والحقيقة أننا لا نريد فعلا جرح مشاعره الرقيقة، لكن نعمل إيه إذا كان كل ما يحيط بهذه الانتخابات باطلا، من قانونها ومن أحزابها الدينية، ومن استخدام الدين والتجارة به فى الدعاية الانتخابية، ومن لجنتها العليا التى شرُفَت بالرجل المعتز بدوره والمعز ل«العسكرى» السيد عبد المعز؟!