اخبار مصر استنكرت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، رسائل طلاب «الدعوة السلفية» بالجامعة الموجهة إلى أساتذة وعمداء الكليات، التى تطالبهم ب«الاستتابة والتبرؤ من النهج الأشعرى الذى ينتهجه الأزهر وعلماؤه»، مطالبة باتخاذ موقف حاسم من هؤلاء «المتنطعين»، حسب تعبيرها، وتقديم بلاغ للنائب العام ضدهم. واعتبرت د. نصير، فى حوارها مع «الوطن»، أن «نطاعة الفكر» لدى بعض هؤلاء السلفيين تجعلهم لا يفرقون بين ما يصلح فى القاهرة وما ينفع فى «نجد»، على حد قولها، مشيرة إلى أن «الإمام الشافعى» عمد إلى تعديل أفكاره عندما انتقل من العراق لمصر.. وإلى الحوار: ■ يرى بعض «السلفيين» أن السياسة «حرام» والديمقراطية «كفر».. فما قولكم؟ - نعم، وأنا أسالهم: ولماذا دخلوا إذن مجلسى الشعب والشورى وساهموا فى كتابة الدستور؟ الحقيقة أن الديمقراطية ليست كفرا، وإنما هى نموذج للشورى فى الإسلام، ولكن -للأسف- الخطاب الدينى دخل فى مرحلة الخطر بسبب هؤلاء المتشددين. ■ لماذا؟ - لأنه لا بد أن يكون فى الخطاب الدينى قدر معقول من التخصص والعلم والمجادلة بالتى هى أحسن، غير أن الفضائيات الدينية ساهمت فى الترويج لعكس ذلك، لأنها ملأت الدنيا ضجيجا وكراهية بغير علم. ■ وما الرد الأفضل على تهديدات ورسائل «السلفيين»؟ - المفترض أن يخرج أساتذة جامعة الأزهر جميعا ببيان للرد على هؤلاء، وأن يوضحوا مدى خطورة هذه الأفكار على الإسلام، ويؤكدوا للناس صحيح الدين، لأن مثل هذه الرسائل لا تمت للإسلام بصلة من قريب أو بعيد. ولابد من التحقيق فى ذلك، لأنه تهديد صريح بهدم جامعة عريقة علمت الدنيا الوسطية والاعتدال. ■ تقصدين أنهم يبتغون هدم المناهج؟ - نعم يريدون النيل من الأزهر بالتطاول على المناهج، بينما للجامعة الحق فى اختيار المنهج الذى تدرسه للطلاب، وهو منهج الإسلام القائم على الوسطية والتسامح والاعتدال، بعيدا عن أى غلو أو تطرف. ■ وهل لدى هذه التيارات القدرة على تغيير المناهج؟ - هم ليسوا أهل علم ولا تخصص، ولا يفرقون بين أشعرية ولا سلفية ولا صوفية ولا خوارج، ولا يعرفون المنهج ولا الآلية العلمية لتدريس العلوم العقيدية. ■ وكيف تتم مواجهة مثل هذا الأمر الخطير؟ - لا بد أن تتقدم جامعة الأزهر ببلاغ رسمى للنائب العام ضد تلك التهديدات الموجهة لعمداء وأساتذة الجامعة، لأنها تعد تطاولا على هذه المؤسسة العلمية العريقة، فما حدث لا يمكن السكوت عليه أبدا، نظرا لكونه طعنا من قبل المتشددين فى المناهج الأزهرية، وهو ما يعد بكل المعايير مخططا لهدم هذا الصرح الكبير. ■ وبم تفسرين ظهور هذه الأفكار فى هذا الوقت بالذات؟ - بالطبع هم استغلوا ضعف البلاد ومرضها أسوأ استغلال، وهذا لن يدوم طويلا حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح. ■ هل للقائمين على أمور البلاد دور فى ذلك؟ - أنا ألوم على من يمسكون بزمام الأمور فى البلد لأنهم يتركون الحابل على النابل، والغث على السمين، وهى محنة لن يغفرها التاريخ لهذا النظام فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن. ■ طلاب «الدعوة السلفية» دائما يستنبطون كل فتاواهم من اجتهادات ابن باز وابن عثيمين.. فما قولكم؟ - ابن عثيمين وابن باز لهما جغرافيتهما وتاريخهما وموروثهما الثقافى والفكرى، وما يصلح فى بلادهما وزمانهما لا يصلح فى بلادنا، فالفكر «الوهابى» لا يناسبنا بأى حال، فالإمام «الشافعى» رحمه الله أعاد النظر فى فقهه عندما انتقل من العراق إلى مصر، كما أن اجتهادات فقهاء المغرب العربى مختلفة عن فقهاء المشرق، وفى هذا رحمة للأمة الإسلامية. ■ ولكن هناك إصرارا من جانبهم على تلك الأفكار؟ - هذا دليل على عدم معرفتهم بأصول المناهج التى تصلح لمنطقة ولا تصلح لأخرى، وهو ما أسميه «نطاعة» فى الفكر لدى هؤلاء، لأنهم لا يفرقون بين ما يصلح فى القاهرة وما يصلح فى نجد، والأفكار التى يحاولون فرضها هنا تدل على جهل عميق، والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال «هلك المتنطعون» وكررها ثلاثا، وأظنه كان يقصد هؤلاء. ■ ولكن دعوات «التكفير» انتشرت بشكل مريب فى الآونة الأخيرة؟ - هم لا يملكون تكفير أحد، فهم ليسوا أوصياء على الإسلام، وليس بيد أى إنسان أن ينزع عن الناس إيمانهم أو يشكك فى عقيدتهم، وجامعة الأزهر تدرس كل المذاهب. ■ وهل لأئمة المساجد دور فى التصدى لتلك الأمور؟ - بالطبع، وأنا أتمنى من كل إمام يعتلى المنبر الرد عليهم، وشرح الرأى الشرعى الصحيح فى هذه المغالطات، ناهيك عن الرد على «الهرتلة» الحالية.