يخوض الرئيس المصري محمد مرسي معركة خطيرة مع قضاة البلاد وكثيرون منهم من خصوم جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس، والتي تعقد العزم على تطهير القضاء من قضاة عينهم الرئيس السابق حسني مبارك. وعُلق العمل في عدد من المحاكم احتجاجا على الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي الأسبوع الماضي، موسعا سلطاته ومحصنا قراراته مؤقتا لتفادي دعاوى قانونية، في محاولة للإسراع بخطى التحول الديمقراطي في أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان. وأشعل الإعلان مواجهات وأعمال عنف على مدار ثمانية أيام، واتهم البعض مرسي بأنه يتقلد دور "فرعون" جديد، بعد الرئيس السابق حسني مبارك. واستمرت الاحتجاجات أمس ضد سلطات مرسي الجديدة والهائلة. ويقول عدد كبير من القضاة أن استقلالهم على المحك، وهو أمر يراه إسلاميون مدعاة للسخرية، إذ يعتقدون أن عددا كبيرا من منتقديه من القضاة انصاعوا لمبارك أو تنازلوا عن نزاهتهم من أجل مصالح شخصية منذ فترة طويلة، والآن يضعون العراقيل أمام حكم مرسي. وتعهد مرسي بالحفاظ علي استقلال القضاء في مصر الجديدة، غير أنه وزملاءه في الجماعة كانوا ضحايا العدالة في عهد مبارك، وصدرت ضدهم أحكاما بالسجن من محاكم عسكرية بموجب قانون الطوارئ، الذي عمل به لعقود طويلة بتهمة الإرهاب وغيرها، أو اعتُقلوا لأشهر أو فترات أطول دون محاكمة. وقالت "رويترز"، إن "تلك هي الذكريات الحاضرة في الذهن لجماعة ظلت محظورة إلى أن أطاحت انتفاضة شعبية بحكم مبارك الذي دام 30 عاما في فبراير 2011. ولكن ما أجج غضب الإخوان المسلمين حقا، هو الحكم الذي صدر في يونيو بعدم دستورية القانون الذي انتُخب على أساسه برلمان هيمن عليه إسلاميون، ومن ثم حُل مجلس الشعب". وترى الجماعة أن ذلك يعني أن في حقبة ما بعد مبارك ستظل الأجهزة المنتخبة تخضع لتهديد من النظام القضائي الذي لم تطاله إصلاحات. ويعترف حتى أعضاء الهيئات القضائية بأن مبارك ومن سبقه من رؤساء دعمهم الجيش، نالوا من نزاهة القضاء لعقود وتمكنوا من شراء ولاء بعض المسؤولين. ولكن نشطاء حقوقيين وآخرين يقولون إن الإعلان الذي أصدره مرسي، يبين أن مفهومه هو أن الإصلاح تغيير الأفراد وليس المؤسسات، وهو ما يفتح الطريق أمام التدخل ولكن بشكل جديد. وقال القاضي أحمد حسين إن كثيرين من القضاة ساندوا نظام مبارك واستفادوا منه، ولكن الخوف الآن من أن تسيطر جماعة الإخوان المسلمين على القضاء. وأجج الإعلان الدستوري الجدل الدائر حول المنحى الديني والسياسي الذي تسلكه مصر الجديدة. وربما يكون إعلان مرسي مصدر إزعاج أكبر، فبعد أن أشعل احتجاجات في أرجاء البلاد، تم التعجيل بالانتهاء من دستور جديد ينبغي الاستفتاء عليه تحت إشراف القضاء. وقالت هبة مورايف، من هيومن رايتس ووتش، إنه "لم يجر التفكير في الأمر مليا. ساهم في تسييس هذا الخلاف وبدلا من الحديث عن إصلاح مؤسسى وفق معايير واضحة، أضحت الآن معركة إرادة سياسية". وتضمن الإعلان الدستوري إقالة النائب العام الذي لا يحظى بشعبية. وهذه المرة الثانية التي يقيل فيها مرسي النائب العام عبد المجيد محمود، بعد أن أحبط القضاة محاولته الأولى في أكتوبر. وكثيرون من خصوم مرسي يشاركونه غضبه على النائب العام، ويحملونه مسؤولية الفشل في تقديم قضايا قوية ضد مبارك ومعاونيه، أو من اتُهموا بقتل المحتجين في انتفاضة العام الماضي، ولكن يقولون إن أمر إقالته ينبغي أن يُترك للقضاء. ويدور الخلاف الآن مع المحكمة الدستورية العليا التي اختار أعضاءها مبارك. وأكد قرار المحكمة في يونيو، والذي قاد لحل مجلس الشعب شكوك الإسلاميين. وحصن مرسي مجلس الشوري في إعلانه الدستوري، خشية أن يلحق به نفس المصير، عندما تصدر المحكمة الدستورية العليا حكما بشأنه غدا الأحد.