يستوقفك حينما تراه لأول مرة من قريب، قاض هادئ فوق المنصة، خط الشيب فى رأسه ولحيته، اكتسب القاضى وقار السن إلى جانب هيبة المنصب، لكن ما إن تخالفه الرأى حتى يتحول رئيس الجمعية التأسيسية للدستور إلى شخص آخر، لا يسمع إلا ما يريد أن يسمعه، ولا يبصر إلا ما يوافق هواه، منصة التأسيسية التى يعتليها ومن تحته من بقى وارتضى، تختلف كثيرا عن منصة يعلوها ميزان العدل. هو واحد من أبناء «المدرسة الرفاعية»، نسبة إلى المستشار يحيى الرفاعى، وهى مدرسة ترفع شعار استقلالية القضاء وفصله عن السياسة، مبدأ آمَن به المستشار حسام الغريانى طوال عمله فى القضاء الذى انتهى به رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، القاضى الذى أتم فى أكتوبر الماضى عامه الحادى والسبعين، كان يقبض بكلتا يديه على ميزان العدل خوفا من أن يميل أو يجنح به عن أمر ربه. بعض القضاة يرونه فخراً لسلك القضاء: «هو وقود وشعلة انتفاضة القضاء ضد تزوير الانتخابات البرلمانية فى 2005، عندما أحيل المستشاران هشام البسطويسى المرشح الرئاسى الخاسر ومحمود مكى وزير العدل إلى الصلاحية إثر تشكيكهما فى نزاهة الانتخابات البرلمانية عام 2005». على سمت الأبطال، وقف الغريانى فى تلك الفترة إلى جوار المشككين فى نزاهة الانتخابات، واعتصم نحو 30 يوماً تضامناً مع رفيقيه دون النظر لأى اعتبارات سياسية أو الخوف من بطش مبارك ورجاله، قاضى الحق يخشى فقط على تدنيس منصة القضاة، قيل عنه «فخر لقضاة مصر أن يكون حسام الغريانى رئيساً لمحكمة النقض، ومجلس القضاء الأعلى». قرر حين تشكلت لجنة المائة برئاسته أن يقطع أى صلة بينه وبين الإعلام. تطوع بإسداء النصح لبقية أعضاء التأسيسية: «بلاش جرايد».. ببساطة أعلن: «مفيش عمار بينى وبين الإعلام». حاول الغريانى، الذى تجاوز السبعين سنة بعام واحد، طوال الأشهر الستة الماضية لعب دور رمانة الميزان خلال أعمال التأسيسية لكن ثمة مشكلات وقعت رغم تلك المحاولات، فانسحب كثيرون من اللجنة. لم يمانع رئيس الجمعية المنوط بها وضع الدستور الجديد للبلاد أن يقبل اثنين من أهم المناصب فى زمن وصول جماعة الإخوان المسلمين، يحسبه البعض أكثر ميلاً إلى الصف الإسلامى، أعلن منذ بداية جلسات الأعمال فى «التأسيسية» التى يرأسها، أنه لا يصح تغليب مصالح الأشخاص والجماعات على مصلحة الوطن. لا تأتى المناصب فرادى، نال منصب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان بعد أسابيع قلائل من توليه رئاسة لجنة الدستور. لا يقبل بزيادة التصدعات داخل اللجنة، حافظ على تماسكها كثيراً، يعيب بعضهم عليه «تجاوزه دوره فى تنظيم الأعمال داخل اللجان إلى محاولة التدخل فى صياغة بعض المواد»، انتهت كبوات اللجنة فى مرحلة الصياغة ويكفى أن «المعبد لم يُهدم»، كما صرح عضو بالتأسيسية فى جلسة التصويت.