مع مطلع شمس غد، يغيب عن الأضواء، عدد من القضاة الذين تركت أحكامهم بصمة لا تُمحى على الحياة السياسية عقب ثورة 25 يناير، على مدار عام كامل، بنهاية العام القضائى، بينهم من أدخل الرئيس السابق حسنى مبارك سجن مزرعة طرة، ومن أتى بالدكتور محمد مرسى كأول رئيس مدنى منتخب ذى مرجعية دينية إلى قصر العروبة، ومن حكم بحل الحزب «الوطنى»، وبطلان أول برلمان بعد الثورة، وغيرها من الأحداث المصيرية. هذه الأحكام التى أغضبت البعض ودفعتهم للمطالبة بتطهير القضاء، حازت رضاء البعض الآخر، فرفعوا القضاة الذين حكموا بها إلى عنان السماء، مشيدين باستقلالهم وحيدتهم ونزاهتهم. ولأول مرة، ينتهى العام القضائى دون أن يثار حديث عن مد سن تقاعد القضاة، فمن بلغ منهم ال70 عاما سيرحل بحكم القانون. وقائمة الأسماء التى ستغيب عن منصات القضاء وعضوية المجالس العليا بالهيئات القضائية، مليئة بقضاة لن تنساهم ذاكرة المصريين. أول الغائبين، هو المستشار فاروق سلطان، رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، صاحب حكم حل مجلس الشعب ذى الأغلبية الإخوانية، ومانح د. مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، تأشيرة الدخول إلى القصر الجمهورى، ويغيب عن المحكمة الدستورية العليا أيضاً المستشار الدكتور على عوض، المنسحب من الجمعية التأسيسية الأولى للدستور، التى قضى ببطلانها بحكم من القضاء الإدارى، وفى القضاء العادى، تطول قائمة القضاة المحالين إلى التقاعد، وعلى رأسهم شيخ القضاة المستشار حسام الغريانى، رئيس مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض، لكن غيابه عن منصة القضاء يعوضه وجوده على منصة الجمعية التأسيسية للدستور كرئيس لها، يخرج «الغريانى» من السلك القضائى تاركا خلفه علامات استفهام كثيرة، بشأن التحقيقات التى جرت فى فضيحة قضية التمويل الأجنبى وسفر المتهمين الأمريكيين فيها، مع المستشار عبدالمعز إبراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة، وهى القضية المثيرة للجدل التى كثيرا ما قال «الغريانى» إن نتائجها ستعلن على الرأى العام، لكنه يرحل ويظل مصير النتائج مجهولا. ويأتى فى المرتبة الثانية من حيث الأهمية فى قائمة الراحلين عن منصة القضاء، المستشار أحمد رفعت، قاضى «محاكمة القرن»، الذى فجرت أحكامه فى قضية قتل المتظاهرين ثورة جديدة فى الميادين وتحت قبة البرلمان ضد القضاء مطالبة بتطهيره، يغادر رفعت المنصة تاركاً حكمه فى قضية مبارك وأعوانه أمام محكمة النقض، بعدما سارع النائب العام ومحامو المتهمين وأسر الشهداء للطعن عليه. ومن المجلس الأعلى للقضاء، يرحل المستشار عبدالمعز إبراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة، بعد أن أنهى حياته القضائية بمتناقضات عديدة، فهو من أشرف على أنزه انتخابات برلمانية، بحكم رئاسته للجنة العليا للانتخابات البرلمانية التى أتت ببرلمان الثورة، إضافة إلى عضويته فى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وهو - أيضا- من طالته اتهامات بالتورط فى قضية «التمويل الأجنبى» وفى السماح بسفر الأمريكيين المتهمين فيها، عندما طلب من دائرة المستشار محمود شكرى التنحى عن نظر القضية، مما دفع قضاة «تيار الاستقلال» إلى التقدم ببلاغات إلى وزير العدل والنائب العام ومجلس القضاء الأعلى، لفتح تحقيق فى الاتهامات المنسوبة إلى المستشار عبدالمعز، ودعوة قضاة الاستئناف إلى عقد جمعية عمومية، لسحب التفويض الممنوح له منها بإدارة شئون المحكمة، وإلى جانب هؤلاء، يرحل العديد من مستشارى محكمة النقض ومحكمة الاستئناف، أبرزهم نواب رئيس «النقض»، المستشارون مجدى الجندى، وعلى الصادق، المنتدب كمساعد أول لوزير العدل، ورضوان عبدالعليم، وإبراهيم الضهيرى، وإبراهيم عبدالمطلب، وكمال نصيب، وزكريا الشريف، ومصطفى كامل، ومحمد الكرداسى، وفؤاد شلبى. وفى مجلس الدولة، يرحل المستشار عبدالله أبوالعز، رئيس المجلس، بعد عام شهد خلال رئاسته صدور العديد من الأحكام التاريخية، أبرزها حل الحزب «الوطنى»، والمجالس المحلية، والجمعية التأسيسية الأولى للدستور. كما سيغادر أيضاً المستشار أحمد شمس الدين خفاجى، النائب الأول لأبو العز، وعضو لجنتى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إضافة إلى عضويته فى لجنة شئون الأحزاب السياسية، صاحبة الفضل فى ظهور الأحزاب الدينية التى خرجت لتمارس العمل السياسى فى العلن، وأبرزها «الحرية والعدالة» و«النور» السلفى، و«البناء والتنمية» . ويأتى إلى جانب رئيس المجلس ونائبه الأول، المستشار على فكرى رئيس محكمة القضاء الإدارى، الذى سيحال إلى التقاعد تاركا لمن سيخلفه حملا ثقيلا من القضايا السياسية التى ستحدد مصير مجلس الشعب المنحل، وجماعة الإخوان، والجمعية التأسيسية الثانية للدستور. وقبل أن يرحل «فكرى» بخمسة أيام، قرر تأجيل دعاوى عودة البرلمان المنحل، وحل جماعة الإخوان، وبطلان الجمعية التأسيسية للدستور التى شكلها مجلس الشعب المنحل، وفضلا عن هؤلاء، سيغادر المنصة أيضاً المستشاران سيد الطحان ورمزى أبوالخير، عضوا المجلس الخاص، أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة. وفى «النيابة الإدارية»، يرحل رئيس الهيئة المستشار الدكتور تيمور فوزى، بعد عامين تولى خلالهما رئاسة الهيئة، وسط أجواء لاحقته فيها اتهامات بعدم صلاحيته لرئاسة هيئة قضائية لحصوله على الجنسية الفرنسية، إلى جانب زواجه من أجنبية، غير أن تلك الاتهامات ذهبت أدراج الرياح مع رفض الدعاوى المقامة لإلغاء قرار تعيينه. وعلى الرغم من رحيله من رئاسة «النيابة الإدارية»، سيظل «تيمور» موجودا فى المشهد السياسى بحكم عضويته فى الجمعية التأسيسية للدستور. وفى النيابة الإدارية أيضا، يُحال أيضاً اثنان من أعضاء المجلس الأعلى للهيئة، هما المستشاران حلمى النجدى ومحمد كمال إلى التقاعد. ومع اختفاء هذه الوجوه عن منصة القضاء ستدخل أسماء جديدة سيبرز دورها ويلمع نجمها خلال العام القضائى الجديد، الذى سيبدأ رسميا فى الأول من أكتوبر المقبل، ولكنها ستتسلم مناصبها بدءا من أول يوليو. وأبرز هذه الأسماء هى المستشار ماهر البحيرى الذى سيتولى رئاسة المحكمة الدستورية العليا، كأول رئيس لا يعينه رئيس الجمهورية بعد تعديل قانون المحكمة، بحيث يجعل موافقة رئيس الجمهورية على قرار التعيين تالية ومكملة لترشيح الجمعية العمومية للمحكمة، التى تختار رئيسها من بين أقدم ثلاثة أعضاء. «البحيرى» الذى شارك فى لجنة الانتخابات الرئاسية، ربما يرأس هذه اللجنة إذا ما نص الدستور الجديد على إجراء انتخابات رئاسية بعد الاستفتاء عليه، وأبقى على النص الخاص بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وقتها سيكون «البحيرى» رئيسا لتلك اللجنة بصفته رئيسا للمحكمة الدستورية العليا. وسيلمع خلال هذا العام أيضاً اسم المستشار عدلى منصور، النائب الأول لرئيس المحكمة الدستورية العليا، والذى -وفقا للسيناريو السابق- سيكون عضوا بلجنة الانتخابات الرئاسية. ولن يمر هذا العام، إلا وقد أصبح المستشار سمير أبوالمعاطى من أشهر القضاة الذين سيلعبون دورا مهما خلال المرحلة المقبلة، بحكم منصبه الجديد كرئيس لمحكمة استئناف القاهرة. ففى ظل عدم وجود مجلس الشعب، سيتولى «أبوالمعاطى» الإشراف على الانتخابات البرلمانية التى ستجرى تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية ببطلان انتخابات مجلس الشعب، واعتبار البرلمان منعدما ومنحلا. وما زلنا فى القضاء العادى، حيث سيتولى المستشار محمد ممتاز متولى رئاسة مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض، ويترك «متولى» رئاسة لجنة شئون الأحزاب وعضويته بلجنتى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ليعتلى أعلى المناصب القضائية، وهو رئاسة مجلس القضاء الأعلى، ويخلف «متولى» فى رئاسة لجنة شئون الأحزاب نائبه الأول المستشار أحمد عبدالرحمن. وفى مجلس الدولة، ستسلط الأضواء خلال العام المقبل على مستشارين قبطيين، الأول هو المستشار غبريال جاد عبدالملاك الذى سيرأس المجلس خلفا لأبوالعز، والثانى هو المستشار فريد نزيه تناغو الذى سيرأس محكمة القضاء الإدارى، لتحمل عبء الفصل فى القضايا السياسية المهمة التى تركها له المستشار على فكرى. وإلى جانب ذلك، سيحظى كل من المستشارين حمدى الوكيل، وعصام عبدالعزيز، وجمال ندا، ومحمد قشطة، بعضوية المجلس الخاص، وإن كان النائب الأول لرئيس المجلس الجديد المستشار حمدى الوكيل سيكون أكثر ظهورا وتأثيرا خلال هذا العام، بحكم عضويته فى لجنتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فضلا عن مشاركته فى لجنة شئون الأحزاب السياسية. وفى النيابة الإدارية، سيتولى مستشار قبطى أيضاً رئاسة الهيئة لمدة شهرين، هما يوليو وأغسطس، يُحال بعدهما إلى المعاش، ليتولى رئاسة الهيئة المستشار عنانى عبدالعزيز لمدة 3 سنوات. ويطرأ التغيير كذلك على تشكيل المجلس الأعلى للنيابة الإدارية خلال هذا العام، بعد خروج عضوين منه، لينضم بدلا منهما إلى التشكيل المستشاران أحمد شقور وولاء السعدنى. وتبقى هيئة قضايا الدولة هى الهيئة القضائية الوحيدة التى لن يطالها أى تغيير خلال هذا العام، فرئيسها المستشار محمد عبدالعظيم الشيخ لم يكمل السبعين عاما، وبالتالى يظل فى موقعه حتى إشعار آخر.