عندما تزور دبى لأول مرة وتجلس فى السيارة بجانب صديقك وتقول له بحسن نية متسائلاً مندهشاً وأنت تراه محتاراً فى ركن سيارته وهناك مكان واسع فسيح يسع سيارتين: «ليه مابتركنش هنا ده فيه مكان؟!»، فينظر إليك مشمأنطاً وهو يرغى ويزبد «انت اتجننت ده مكان ركن معاقين دى فيها غرامة ألف درهم!»، بالطبع أنت كمصرى أصيل نسيت تماماً أن هناك بشراً اسمهم معاقون؛ لأنك لا تتذكرهم إلا عندما يحصدون لسيادتك الميداليات الذهبية فى أولمبياد المعاقين، وهو كمصرى وافد تعلم هناك فى هذا البلد الصغير كيف يحترم المعاق؟ أنا أتحدث عن دبى ولا أتحدث عن أوروبا وأمريكا، أتحدث عن بلد عربى صغير المفروض أنه يحمل نفس الثقافة، ولأن المسألة ليست لها أى علاقة بالإمكانيات المادية إنما هى مسألة سلوك وثقافة فمن حقى أن أقارن بدون أن أتهم بالتجنى وانتظار الرد «هم فين واحنا فين». الركن أمام البيوت فى دبى يدفع له فى الحى رسوم، إلا المعاق يتحدث إلى الحى تليفونياً فيأتون فوراً لتخصيص مركن له، الأرصفة تحترم المعاق وتقدس الكراسى المتحركة، الرصيف منخفض ولا يحتاج إلى أبطال فى قفز الزانة مثل الأرصفة المصرية التى يتعلل الحى بأننا نجعلها كذلك حتى لا تركن السيارات فوقها!!! حتى المطب هناك مجهز للمعاق وهناك جزء فى كل رصيف مثل درجة السلم يستطيع المعاق أن يطلع بالكرسى المتحرك عليه، لا يوجد أتوبيس إلا فيه السلم الذى يستقبل المعاق والمكان المخصص له داخل الأتوبيس، من يحتال ويلصق علامة معاق على سيارته يُحاسب بعنف، جميع المحلات والمولات فيها أماكن الصعود المجهزة للمعاق، باختصار المعاق فى دبى يعامل كإنسان، بل يعامل كملك متوج. لننتقل إلى مصر وبالتحديد إلى بورسعيد حيث يُستغل المعاق فى تخليص سيارات المعاقين من هناك، يُستخدم كجسر عبور وأداة نصب، يستلم «القرشين وتطلع العربية المجهزة الرخيصة باسمه ثم تنتقل الملكية لمواطن غير معاق» وبعدها يُطرد المعاق من المعادلة ولو شاهده صاحب السيارة لن يعيره اهتماماً، المعاق يبيع إعاقته، والسليم يشترى دماغه ويضحك على الحكومة التى هى الأخرى تستغل المعاق وتضحك عليه ولا تحترم النسبة الوهمية فى التعيين التى تتبخر فى كل المؤسسات والهيئات وهى مثل الغول والعنقاء والخِل الوفى. المعاق فى مصر لا حقوق له، لا وطن له، لا مستقبل له، يتحمل كارثة الإعاقة وكارثة الإهانة وكارثة الإهمال والمهانة ويعامل كسلعة وسبوبة.