حالة من السعادة المشوبة بالاستغراق في البحث عن الذات وإيجاد سبب للوجود تعيشها يومياً وأنت متابع مسلسل «الخواجة عبدالقادر» الذي أشار البعض أن به روح وفلسفة ساحر الصحراء لباولو كويلهو التي حققت نجاحاً عالمياً باهراً، جعل كاتبها من أشهر الكتاب العالميين، ولكنني أري أن المؤلف عبدالرحيم كمال لم يقتبس الرواية ولكنه تشبع بالحالة الروحانية لها وهضمها جيداً وأخرج إبداعاً خاصاً به لها روحانية ساحر الصحراء، فكلا البطلين باحث عن الحلم، ففي رواية كويهلو نحن أمام راع أندلسي شاب يدعي سانتياجو يمضي للبحث عن حلمه المتمثل بكنز مدفون قرب أهرامات مصر. والخواجة عبدالقادر خارج من إنجلترا باحثاً عن حلم الموت الذي يتحول بعد ذلك إلي حلم البحث عن الحب والتفاني في الخالق، الأول بدأت رحلته مع إسبانيا عندما التقي الملك ملكي صادق الذي أخبره عن الكنز عبر مضيق جبل طارق ماراً بالمغرب حتي بلغ مصر وكانت توجهه طوال الرحلة إشارات غيبية، وعبدالقادر بدأ رحلته من إنجلترا إلي السودان، ثم إلي سوهاج وكانت إشارته الشيخ عبدالقادر الذي يراه في الحلم، كلاهما يتعرض للعديد من المشاكل والأشخاص الذين يقفون أمام تحقيق الحلم، الأول يرافق رجلاً إنجليزياً ويبحث عن أسطورته الشخصية ويشهد حروباً تدور رحاها بين القبائل إلي أن يتلقي الخيميائي عارف الأسرار العظيمة الذي يحثه علي المضي نحو كنزه. وعبدالقادر يقابل شاباً سودانياً يكون السبب في تعرفه علي الشيخ عبدالقادر، وبطل كويهلو يلتقي فاطمة حبه الكبير، فيسير في داخله صراع بين البقاء إلي جانب حبيبته ومتابعة الرحلة بحثاً عن الكنز ولم يجد في طريقه منذ ترك إسبانيا التي كان يعيش فيها هادئاً مع معتقده الديني ومتجاوباً مع تراثه الثقافي والاجتماعي، إلا السرقة والنصب والاحتيال ممن حاول أن يطلب مساعدتهم وعونهم، والخواجة عبدالقادر يعيش قصة حب مع أخت الذي يعمل لديه وتمثل المرأة النموذج بالنسبة له، وبطل ساحر الصحراء يمد يده في دولة المغرب إلي بائع الكريستال، هذا البائع الكسول، الذي ترك التراب علي بضائعه أكواماً وأكواماً، يأتي هذا الإسباني كي يجدد شبابه، يعيد إليه رونقه وجماله ويصير هذا البائع وبقدرة قادر وبفضل الإسباني الرحال، أسطورة في البيع والشراء والخواجة عبدالقادر يمد يده إلي الطفل اليتيم محمود متقد الذكاء ويساعده ليصبح مهندساً، ترك سانتياجو إسبانيا في رواية ساحر الصحراء. ولم يجد الحب إلا في الصحراء المصرية، وترك عبدالقادر إنجلترا ولم يجد الحب إلا في سوهاج، ولكن يبقي أن الالتحام الحقيقي في العملين يكمن في أن بهجة الحياة ليست شيئاً آخر غير الموجود، وأنك عندما تريد شيئاً بإخلاص، تولد هذه الرغبة في روح العالم لتحقيقه، وأن الناس يدركون في وقت مبكر جداً مبرر وجودهم وأن الالتزام الوحيد للإنسان هو أن يحقق أسطورته الخاصة.