طالت أيام الثورة السورية، يتلقى النظام ضربات موجعة ولكنها ليست قاتلة على الأقل حتى الآن.. وهكذا يقف قسط وافر من الفنانين السوريين حائرين هل يظلون حتى اللحظة الأخيرة على تأييدهم لبشار؟ ولكن ماذا لو سقط هل تغفر لهم الجماهير؟ تتبدل مواقف وآراء النجوم فى العادة تبعًا لمؤشر النظام.. مؤخرًا تغيرت بوصلة المطرب ساموزين وبدأ فى إعلان موقفه المساند للشعب.. كان ساموزين هو أول مطرب سورى يتوجه إلى السفارة السورية فى القاهرة بعد اشتعال الثورة فى أبريل 2011 وهو يهتف «الله، الوطن، بشار وبس» وذلك ردا على المظاهرات التى أحاطت بالسفارة من السوريين المقيمين بالقاهرة وهى تهتف «الله، الوطن، الحرية وبس».. كان الصراع هو الحرية فى مقابل بشار اختار الشعب السورى الحرية بينما هتف ساموزين لبشار. لو تأملت الموقف قليلًا سوف تدرك أنه فى بداية الثورة اعتقد الكثيرون خصوصا ممن على دراية بقوة الأجهزة السورية التى تمسك البلد بالحديد والنار، أن بشار عَصِىٌّ على السقوط وأنه يحمى بقاءه من خلال سلاحين: القبضة الأمنية، والمصلحة الاقتصادية، وعندما يمتزج الخوف مع المصلحة تتضاءل مساحة الحرية ويتلاشى النضال. ما الذى تغير الآن؟ لماذا انحاز فجأة ساموزين إلى الشعب؟ هل نقحت عليه فجأة مشاعر وطنية..؟ الحقيقة لم نتعود من نجومنا على أن لديهم هذه المشاعر الجياشة، بل أتصور أن الأمر أيضًا له علاقة بالمصلحة، المؤكد أن ساموزين استمع إلى رئيس الجمهورية د.مرسى وهو يعلن فى خطابه بمجرد تنصيبه رئيسًا للجمهورية أن مصر تؤيد الشعب والثورة السوريين، ألا يكفى هذا لكى تثق تمامًا أن ساموزين حسبها على الوجه الآخر وهو مشواره الآن ونشاطه الرئيسى فى القاهرة ووجد أن الدولة الرسمية المصرية تؤيد الشعب السورى الثائر فقرر أن يختار الثورة..؟ لا شىء لدى أغلب الفنانين فى عالمنا العربى له علاقة بالموقف المبدئى بل ستجد دائمًا أن بوصلة الفنان يحركها توجُّه مصالحه ولهذا يبحث عادة عن الكفة الراجحة ليراهن عليها! رؤية ساموزين السياسية فى النهاية يبدو أنها لا تسمح له بأن يدرك أنه كما سقط بن على ومبارك وصالح والقذافى فإن مصير بشار لن يتجاوز هذه الاختيارات: السجن مثل مبارك، القتل مثل القذافى، والهجرة خارج الحدود مثل بن على وصالح، وإن كنت أرى أن بشار قد تورط أكثر فى استخدام العنف وإراقة الدماء، وأن السوريين لن يهدؤوا لو كان المقابل هو تطييب الخواطر لأن الثأر يطل من كل بيت سورى. من المستحيل أن يتكرر سيناريو بن على وصالح ويهاجر بشار مطمئنا إلى دولة عربية أو أجنبية، كما أنه لن يُقدَّم لمحاكمة مدنية مثل مبارك، وأقصى ما يطمع فيه هو محاكمة عسكرية ليصبح مصيره إما القتل بحكم المحكمة أو بأيدى الثوار، ولا يبدو أن لديه خيارا آخَر سوى مصير القذافى. لم يعد هناك مجال لرفع الشعار الذى طبقه مانديللا فى جنوب إفريقيا بالمصالحة والمصارحة والتعويض. كان مانديللا من الأغلبية السوداء التى طالبت الشعب بالصفح والتسامح بعد أن قضى نصف عمره فى السجن، وعندما يتسامح ويعفو كان يبدو وكأنه يتنازل عن ثأره الشخصى أيضا، ولهذا تبعه الآخرون بينما فى سوريا غير وارد أبدًا التسامح لا مع بشار ولا الحاشية ولا الفنانين، سواء المؤيدين لبشار أو الذين يقفون على الحياد قلوبهم مع الثورة وحناجرهم مع بشار. أتصور أن مقياس الربح والخسارة سوف يمتد إلى السوريين حيث يصبح كل شىء تحت إطار معادلة أخرى يجب أن يتم خلالها تحديد الموقف النهائى والإجابة عن سؤال: أنت مع من؟ سوف نجد فى الأيام القادمة أسماء أخرى يقع أيضًا اختيارها على الشعب فى مواجهة هذا التيار الذى يقف مؤازرًا لبشار، وهو ما دفع مؤخرًا جمال سليمان إلى أن يهاجم النظام السورى علانية بعد أن كان حريصًا على أن لا يثير غضبه. الرهان على الحاكم لم يعد مضمونًا ولكن المضمون أن يظل رهان الفنان فقط على الشعب.. لم يعد مقبولًا اليوم أن يردد فنان سورى «الله، الوطن، بشار وبس». كانت سقطة من ساموزين وعليه أن يستعير أغنية هانى شاكر «غلطة وندمان عليها» ليجعلها «سقطة وندمان عليها» لعل الجماهير السورية والعربية تغفر له.