يبدو أن مصر ستبقى تحت حكم العسكر سنوات أخرى، فلا توجد نية لدى المجلس العسكرى لمغادرة المشهد السياسى والعودة الى الثكنات الآن، ويصر على أن يبقى حاضرا ومتحكما فى مفاصل الدولة. ويري فريق من الخبراء أن المأزق السياسي الذي تعيشه مصر حاليا سببه السياسات التي أعادت البلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الوصول الى خط النهاية للمرحلة الانتقالية فالتصريحات التى يطلقها قادة العسكرى حول الجدول الزمنى لتسليم السلطة وان الجيش يريد أن يعود الى ثكناته وغير راغب فى الحكم ليست إلا نوعا من امتصاص الغضب الشعبى الرافض لاستمرارهم فى الحكم ومحاولة لكسب مزيد من الوقت وأرضية فى الحكم تدعم استمرارهم حتى نهاية 2025 وهو ما أكده هيكل في كتابه «مبارك من المنصة إلي الميدان». الجيش ينظر إلى نفسه على أنه الجسم الصلب فى الحكم الذى يصعب هزه أو إزاحته من مكانه منذ عام 1952 ولم يغير الجيش من نظرته حتى بعد اندلاع ثورة يناير التى كان يعتقد البعض أنها ستمثل نهاية الحكم العسكرى لمصر لكن الجيش لا يريد أن يعترف بتلك الحقيقة بل يمضي فى تحقيق هدفه والاستمرار فى الحكم رغما عن أنف الثوار والإرادة الشعبية. الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل اعترف فى كتابه بتلك الحقيقة، مؤكدا أن الرئيس الراحل أنور السادات قال له «أجد نفسي حائرا بشأن منصب نائب الرئيس في العهد الجديد بعد أكتوبر فالحاج حسين – يقصد حسين الشافعي الذي كان بالفعل نائب الرئيس وقتها – لم يعد ينفعني وبصراحة جيل يوليو لم يعد يصلح والدور الآن على جيل أكتوبر ولابد أن يكون اختياري لنائب رئيس الجمهورية منه ومن قادته، فجيل أكتوبر فيه خمس قيادات أولهم أحمد إسماعيل وقد توفى والثاني الجمسى والثالث محمد على فهمى قائد الدفاع الجوي والرابع محمد حسنى مبارك قائد الطيران والخامس الفريق فؤاد ذكرى قائد البحرية». هنا سأل هيكل السادات كما يقول الكتاب: «لماذا تحشر نفسك في هذه الدائرة الصغيرة بمعنى أنك لماذا تتصور أن جيل أكتوبر هو فقط القادة العسكريون للمعركة» وهنا رد السادات على هيكل: «أنت تعرف أن الرئيس في هذا البلد لخمسين سنة لابد أن يكون عسكريا وإذا كان كذلك فقادة الحرب لهم أسبقية على غيرهم». رواية هيكل عن رؤية السادات فى الحكم العسكرى كانت عام 1975 وبحساب ال 50 عاما التى تحدث عنها السادات يعنى أن العسكر باقون في السلطة حتي عام 2025 وهناك عدد من الشواهد والدلائل التى تدعم هذا الاتجاه. أولها ان «العسكرى» الذى ظل يؤكد انه سيسلم السلطة فى 30 يونيو مد لنفسه المرحلة الانتقالية 6 أشهر أخرى، بعد صدور الإعلان الدستورى المكمل الذى حول الرئيس الجديد الى رئيس شرفي يدير ولا يحكم وامتلك السلطة التشريعية بعد حل البرلمان بقرار من المحكمة الدستورية ولم يكتف بذلك بل صنع لنفسه وضعا دستوريا يجعل منه الطرف الاقوى فى الحكم ولا يملك الرئيس الجديد اى سلطة، حتى تعيين مساعديه يأتى بقرار من «العسكرى». الأخطر من كل ذلك ان انتخابات الرئاسة نفسها مهددة بالبطلان أو الإعادة من جديد، فهناك عدد من الأوراق التى يمكن ان يستغلها العسكرى لأبطال تلك الانتخابات منها مثلا قضية تسويد البطاقات لصالح الدكتور محمد مرسى والذى أبلغت جماعة الاخوان بسبب ذلك النيابة العامة حتى لا تبعد على نفسها الاتهامات والمستشار حاتم بجاتو اعترف بفتح التحقيق فى القضية وهو ما يمكن أن يستغله الفريق احمد شفيق فى تقديم طعن على نتائج الانتخابات او رفع دعوى قضائية يتم ابطال انتخابات الرئاسة. ايضا من الممكن ان يتم اسغلال احدى الدعاوى المرفوعة لحل حزب الحرية والعدالة وتقضى بحله، وبالتالى يصبح ترشيح الدكتور محمد مرسى الى رئاسة الجمهورية غير قانونى لأن الحزب الذى ترشح باسمه فى الانتخابات أصبح غير موجود من الاساس، وبالتالى تسقط انتخابات الرئاسة ويعيد العسكرى إجراءها عقب الانتخابات البرلمانية وبالتالى يصبح أمام العسكر عام كامل لتسليم السلطة وخلال تلك الفترة يمكن ان يدعم احد المرشحين المحسوبين عليه للوصول الى المنصب الرئاسى مثلما حاول ان يفعل قبل ذلك مع الفريق احمد شفيق. وحتى لو لم يستغل العسكر ذلك، فمن الممكن ان يتم تحديد مدة الرئيس الحالى بعام انتقالى واحد وإرجاء انتخابات رئاسية بعد وضع الدستور وانتخاب البرلمان الجديد وكلها اوراق من الممكن ان تدعم بقاء العسكر فى السلطة. واشنطن أيضا لم تبد أى موقف معارض للمجلس العسكرى منذ تنحية مبارك رغم الأخطاء الفادحة التى ارتكبها، فأيام الثورة كانت أمريكا تساند مبارك فى البداية وقالت إنها تثق فى قدرته على تجاوز الأزمة الراهنة لكنها غيرت لهجتها بعد أيام من الثورة حتى طالبته بترك السلطة بفضل مليونيات التحرير لكنها لم تفعل ذلك مع المجلس العسكرى وظلت تسانده على طول الخط رغم المليونيات التى خرجت ضده. الانطباع العام لدى المجلس العسكرى بأنه لن يسلم السلطة وصل إلى المبعوث الأمريكى جيمى كارتر، عندما خرج بتصريح بعد لقائه المجلس العسكري وقال إن المجلس لن يسلم السلطة فى موعدها طبقا لما تم الاتفاق عليه والجيش أيضا ينظر الى نفسه على انه الجسم الصلب فى السلطة والقادر على حماية البلد فى أى لحظة ولذلك حاول استغلال ذلك ليدعم بقاءه فى السلطة فالانفلات الأمني الحادث فى مصر الآن يستفيد منه المجلس العسكرى فقط لأنه يعطى انطباعا دائما بأن بقاء العسكر ضرورة حتى لا تنهار البلاد. الدكتور مصطفى الفقى اعترف بتلك الرؤية حينما قال فى شهادته التى حملت عنوان «سنوات الفرص الضائعة» إن تفسير الانفلات الأمنى له مدارس عديدة منها انه مدبر فى حالة عجز الرئيس السابق مبارك عن الاستمرار فى الحكم فينادى الناس بانتخاب جمال مبارك رئيسا، لدرجة أن أحد الكبار قال لو أن مصر تعيش فى غرفة مظلمة وجمال مبارك الوحيد الذى قادر على اضاءة الأنوار فلننتخبه رئيسا ليضيء الغرفة. وطبقا لرؤية الفقى الذى اكد انها أسلوب متبع داخل مؤسسة الرئاسة فإن من الممكن ان يكون العسكر قد استدعوا هذا الاسلوب بعد الثورة وأحدث انفلاتا امنيا متعمدا ليطالب الناس ببقائهم فى الحكم فى حالة انسحابه والدليل على ذلك ان الجيش نجح فى تأمين الانتخابات البرلمانية، ولم نسمع لا عن اى حوادث عنف أو انفلات امنى طوال اجراء الانتخابات وحدث هذا أيضا في الانتخابات الرئاسية بمرحلتيها. وطوال الأشهر الأولى من الثورة ظل الإسلاميون داعمين للمجلس العسكرى فلم يثوروا ضده وحموه فى مظاهرات الغضب للدرجة التى حاولوا فيها تشويه الثوار لكن العسكرى وجه لطمة اليهم بعد حل البرلمان بحجة أن القانون الذى اجريت على اساسه غير دستورى، حتى ان قيادات الاخوان الذين حصلوا على عضوية البرلمان يخوضون الآن معركة البقاء للحفاظ على شرعية بقاء البرلمان. وحتى الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور لم تخل من صبغة المجلس العسكرى الذى تحول الى الحامى لها من سيطرة الإسلاميين وهو ما يوحى بأنه لا يريد أن يترك الأمور تسير فى مصر دون تدخله فإصداره للإعلان الدستورى المكمل قبل ساعات من انتهاء الفرز فى الانتخابات الرئاسية ليؤمن بقاؤه احتوى على مادة تتيح له التدخل والاعتراض على اى مادة واذا حدث مانع لتشكيلها قام العسكر بتشكيلها المجلس العسكرى يشعر بقوته ونشوة الانتصار الآن على القوى المدنية فظل طوال الفترة السابقة يؤكد على تسليم السلطة قبل 30 يونيو ولكنة عاد ليؤكد أنه سيبقى لمدة 6 أشهر جديدة بصفته مالك السلطة التشريعية وان كل الصلاحيات فى ايدى الرئيس الجديد رغم أنه فى الواقع لا يملك ولا يحكم ولا يستطيع ان يصدر قرارا إلا بعد الرجوع الى المجلس العسكرى. وعندما سأل عدد من قيادات المجلس العسكرى عن مصيرهم بعد انتخاب الرئيس، كانت الاجابات تبدو مبهمة وغير واضحة على الإطلاق، فهم يدركون أنه من الصعب ان يتنازلوا عن السلطة، خاصة أن أى رئيس جديد من الممكن ان يمس مصالحهم الاقتصادية ومشروعاتهم ولابد ان تبقى تلك المشروعات بعيدة عن يد الرئيس الجديد.