لم نكسب معركتنا ضد التطرُّف الدينى حتى الآن. بل نحن لم نخُضْها حتى هذه اللحظة. بل لا أحد فى ما يبدو مهتمّ بأن يخوض تلك المعركة فى هذا التوقيت، ربما للانشغال بالتوافه والصغائر، وربما للإهمال، وربما للتقصير والعجز وعقم الخيال الذى يسود فى كل مؤسسات دولتنا تمامًا (أقول تمامًا). انتصر الشعب لوطنه، نعم، فى ثلاثين يونيو، ولكنه لا بد أن ينتصر لدينه ضد المتطرفين والإرهابيين والمتشددين والمتخلفين والمتنطعين. ليكن واضحًا كما كتبت وقلت وأكدت أنه لا إصلاح سياسيًّا أو اقتصاديًّا دون إصلاح دينى. والنبى لو قعدنا مئة عام فلن نتقدّم على أى مستوى فى الحرية السياسية والديمقراطية، كما لن نخطو ناحية أى تطور اقتصادى يغيِّر حياة الناس ويحسّن ظروفهم ويؤمّن مستقبلهم ما دام الشعب يعانى هذا التضليل الدينى، وما دام يتحكّم فى العقل المصرى متطرفو وظلاميو العقول من الدعاة والوعاظ، ومتى استمرت سيطرة الفهم المظهرى القشرى الوهابى على مناحى حياتنا. شوف، ومن الآخر، المصريون يعانون انحدار مستوى ثقافتهم الدينية بشكل مذهل. أولًا، لطبيعة الانهيار الثقافى والتعليمى الذى تعيشه مصر منذ سنوات طويلة. ثانيًا، لأن الشعب المصرى لا يقرأ، فى فضيحة حضارية نحاول أن نداريها عن أنفسنا خجلًا. ثالثًا، لأن المواطن يحصل على خمسة وتسعين فى المئة من معلوماته الدينية شفويًّا سواء من الوالد والوالدة، وحالهما لا تفرق كثيرًا عن أبنائهما، أو من الأصدقاء أو من خطب الجمعة أو من برامج الفضائيات أو صوتيات النت ومقاطع «يوتيوب». رابعًا، لأن الناس متربية على الحفظ والصَّمّ، فلا تفكّر ولا تناقش ولا تنقد ولا تنقض. خامسًا، لأن المواطن لم يتم تدريبه ولا تعليمه كيفية تحصيل المعلومات وتفنيدها والاستدلال واستخلاص نتائج والتصرّف بأولويات، ومن هنا كانت وما زالت مصيبتنا سوداء حيث الأولويات الخاطئة دائمًا. سادسًا، لأننا ربِّينا عيالنا على المذاكرة فى الملخصات والأسئلة النموذجية ونماذج الامتحانات، وعلى معرفة دينهم من الأحاديث التى تضعها الجماعات الإسلامية والإخوان فى هامش صفحة المذكِّرات، أو فى الإجابة عن سؤال تليفونى فى برنامج دينى أو درس جامع بعد الصلاة. سابعًا، لوجود مخطط منذ السبعينيات من القرن الماضى شارك فيه نظام السادات والجماعة الإسلامية فى الجامعات والمخابرات الأمريكية والسعودية، لنشر ودعم وتجذير الفهم السلفى المتشدد والقشرى للدين فى المجتمع المصرى (للاطلاع على زاوية من هذا المخطَّط، اقرأ مذكرات أحد المتورطين حتى ذقنه فى المخطط وهو عبد المنعم أبو الفتوح)، وتم إنفاق مئات الملايين على هذا المخطط، وقد نجح نجاحًا باهرًا فى الحقيقة. هذا الفهم القشرى السطحى المنغلق المتشدد للدين يستطيع أن يعطّل مسيرة أى إصلاح سياسى بإغلاق باب الحرية وضرب منافذ الأمل فى التغيير وتسميم أجواء الإصلاح بالتحريم والتكفير وكسب المعارك فى مواجهة المصلحين عن طريق غسل العقول وتكفير الخصوم.