استقبلت إطاحة الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين بعد عام من توليه الرئاسة بالترحاب من جانب معارضي الجماعة، إلا أنه يبدو أن تلك الاحتفالات لن تدوم طويلا. وتعد هذه لحظة حرجة بالنسبة ليس لمصر حسب، بل لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها. فإطاحة رئيس إسلامي منتخب ديمقراطيا وتعطيل الدستور هي أمور سيجري تفسيرها من قبل العديد من السياسيين الإسلاميين في برسالة واحدة فقط، مضمونها أنه ليس من الضروري اللجوء إلى صناديق الاقتراع للوصول إلى السلطة بدلا من انتزاعها بقوة السلاح. وهناك سابقة مرعبة شهدتها الجزائر، ففي عام 1991 فاز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى من الانتخابات. وبعد أيام، قام الرئيس -تحت الضغط من الجيش الجزائري العلماني- بحل البرلمان وإبطال الانتخابات. ودفع هذا الحركة الإسلامية في الجزائر إلى العمل في السر، لتعيش البلاد عقدا من الاضطرابات والتمرد لقي خلاله ما لا يقل عن 250 ألف شخص مصرعهم. ولا يزال البعض يعيشون في الصحراء الإفريقية وهم يعملون في التهريب ويقومون باختطاف الرهائن وقتلهم. "وضع شديد الخطورة" وتعد مصر مهد الإسلام السياسي، تلك الحركة التي تعود جذورها إلى حراك مناهض للاستعمار في أوائل القرن العشرين. ومنذ ذلك الحين، لا يزال هناك جدل مستمر داخل العديد من أوساط الإسلام السياسي حول ما إذا كان التنافس من أجل الوصول إلى السلطة بشرعية عن طريق صناديق الاقتراع يستحق بذل الجهد من أجله، أم أن مناوءة الحكام العلمانيين بالعنف والاستحواذ على السلطة –كما يدعو إليه الجهاديون- هو الخيار العملي الوحيد. وعندما أطاحت حركة احتجاجات الربيع العربي النظام الفاسد سيء السمعة للرئيس المصري حسني مبارك عام 2011، وأتت الانتخابات بجماعة الإخوان المسلمين بديلا عنه، جاء ذلك بمثابة صدمة أطاحت كل أفكار القاعدة والجهاديين، حيث أكدت للعالم كله أن ثمة مستقبل للإسلام السياسي من خلال طرق سلمية ديمقراطية. أما الأحداث التي تجري في القاهرة هذا الأسبوع فإنها تمثل خطورة في تقويض هذه الفكرة. "صراع مسلح" وتقول منى القزاز، وهي متحدثة باسم جماعة الإخوان المسلمين: "إن هناك مخاوف من المستقبل، فالملايين أدلوا بأصواتهم لمرسي، وكنا نعتقد أن تلك هي الديمقراطية. أما الآن، فنحن في مواجهة وضع شديد الخطورة." ويتفق محللون في مركز "Stratfor Global Intelligence" الأمريكي مع هذا الرأي. ومع أنهم يستبعدون أن تبعد جماعة الإخوان المسلمين عن طريق الديمقراطية، إلا أنهم يتنبؤون بأن "إطاحة الرئيس مرسي قد تدفع الجماعات السلفية الأكثر محافظة لأن يهجروا السياسة ويلجأوا إلى الصراع المسلح." كما يرى الباحثون أن "إطاحة الرئيس المصري الإسلامي المعتدل ستقوض جهد دولي لاجتذاب إسلاميين أصوليين نحو التيار السياسي السائد في العالم العربي والإسلامي." وأضافوا: "في السياق المصري، ستكون إطاحة مرسي بمثابة سابقة للرؤساء في المستقبل، يمكنهم من خلالها أن يتوقعوا إطاحتهم عن طريق العسكر في حال الضغط عليهم من جموع الشعب، ولن يكون ذلك في مصلحة الاستقرار المستقبلي لمصر." مشكلة محتملة وتجدر الإشارة إلى أن السلطات المصرية لطالما شنت حملات واسعة للقضاء على الحملات الجهادية التي تتسم بالعنف والتي تسعى لإطاحة الحكومة. جدير بالذكر أنه في عام 1981 اغتال جهاديون الرئيس محمد أنور السادات. كما شهد النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي اشتباكات مستمرة بين الشرطة وجهاديين، وفي عام 1997 قتل الجهاديون 58 سائحا في معبد بالأقصر. واليوم ذهب مئات الجهاديين المصريين إلى سوريا للانضمام للمعارضة الإسلامية التي تقاتل قوات الرئيس الأسد، في الوقت الذي تغتنم فيه الجماعات الجهادية المصرية السنية فرصة الاضطرابات بسبب الربيع العربي لبناء ترسانتهم وزيادة عددهم ونفوذهم. لذا إن قرر بعض الإسلاميين في مصر جعل أعمال العنف حاليا خيارهم الوحيد، حينئذ سينظر إلى أحداث هذا الاسبوع على أنها مجرد الشرارة التي أطلقتها.