البيان الذى أصدره المجلس العسكرى الخميس الماضى، نسوا أن يكتبوا فى نهايته «موعدنا المذبحة القادمة» ما دامت كل مذبحة تنتهى ببيان للمجلس الفاعل فيه مجهول، والمعلوم فقط المفعول به! ما الذى اختلف فى المذابح منذ موقعة أو مذبحة الجمل 2/2/2011، ثم وقائع مسرح البالون ثم مذبحة ماسبيرو التى لم تعلن نتائجها رغم انتهاء النيابة العامة منها منذ شهور! وللتذكرة فقط فهذه المذبحة هى التى قامت فيها مجنزرات وآليات عسكرية بالعبور فوق أجساد الشباب ذهابا وإيابا! وبعدها موقعة العباسية الأولى التى حاول الثوار فيها أن يمارسوا الضغط ليحققوا هدفا من أهداف الثورة من خلال الاقتراب من مبنى وزارة الدفاع، فأقيمت الحواجز التى منعتهم من التقدم بعد جامع النور وأطلق عليهم البلطجية المولوتوف والأسلحة البيضاء واستُشهد فيها ابن النوبة العزيز محمد محسن. وبعدها وقائع مذبحة محمد محمود التى بدأت بهجوم مباغت على مجموعة من المعتصمين من مصابى الثورة وقيل إن رئىس الوزراء السابق د.عصام شرف ووزير داخليته سمعا بالموقعة وهما داخل اجتماع لمجلس الوزراء! وبعدها موقعة شارع مجلس الوزراء التى أديرت البلطجة والعدوان على الشباب فيها من مبنى مجلس الشعب، وكانت ساحته الخارجية ثكنة عسكرية لآليات ومعدات الشرطة العسكرية، ومع ذلك فُتحت أبوابه وصعدت ميليشيات البلطجة واستخدموا كل ما طالته أيديهم من معدات المجلس حتى مطعمه لضرب الشباب، وسُحلت فتيات وثائرات رائعات بينهن طبيبات وصيدلاينيات، وللخسة والنذالة تحول الأمر إلى مشكلة لبس عباءات بكباسين! وكان الثائر الشيخ عماد عفت ود.علاء عبد الهادى أبرز شهداء مجلس الوزراء، كما كان مينا دانيال أشهر ضحايا مذبحة ماسبيرو. وأديرت المذبحة السابعة أو الثامنة فى استاد بورسعيد، وخلال الحلقات المتتابعة لهذه المذابح كانت تدار مخططات الفوضى لترويع المصريين وسرقتهم وسرقة سياراتهم واختطافهم وإطلاق سراحهم مقابل دفع الفدية المطلوبة، ثم دخلنا فى مخطط الحرائق: شركة البترول بالسويس – الحوض العائم هناك – مصانع «توشيبا العربى» والمبنى الهائل لشركة «بيع المصنوعات» انهارت أدواره العشرة، ثم فرع «عمر أفندى» بمصر الجديدة ثم حرائق فى سفاجا! ما القادم؟ أو أين نتوقع المذبحة القادمة؟ وهل القليل الذى تبقى من زمن الفترة الانتقالية -إذا كان ما تبقى منها قليلا بالفعل- هذا القليل هل لا يدفع لتسارع معدلات المذابح التى تحقق أهداف الثورة المضادة؟ أتمنى أن أعرف ما مفهوم الجنرالات لمسؤولية الحكم؟! وإذا كانت مهمتهم أن يدينوا بكل قوة ما حدث من سقوط جرحى وقتلى كما جاء فى بيانهم فمَن مهمته أن يدير ويحمى الدم المصرى؟! وهل علينا أن نصدق أنه بعد قيام الثورة اكتشفنا أن بين المصريين سلالة اسمهم البلطجية وأن المجلس العسكرى لا يعرف أنهم صنائع وصناعة نظام رئيسهم مبارك وأنه لم تصدر أوامر بحماية الثورة والثوار منهم وبما يعنى أنهم يؤدون مهمات كانت مطلوبة ومدفوعة الأجر؟ وما معنى الوقوف على الحياد بين شباب ثائر ينادى بالسلمية وبلطجية مسلحين قاموا بذبح بعض المعتصمين كما تُذبح الحيوانات؟ وهل كان يجب أن ننتظر المجلس العسكرى ستة أيام وسقوط هذا العدد من القتلى والجرحى حتى تتخذ إجراءات التهدئة بعد أن زُود البلطجية بتموين السلاح والغذاء (كما قيل كانت الوجبات تأتى لهم من دور ضيافة رسمية!)؟ ولماذا أهمل التعامل بالقانون مع المحامى حازم أبو إسماعيل وأنصاره منذ اللحظات الأولى لاعتصامهم، ومن له حق يأخذه بالقانون، ومن ليس له حق يعاقَب ويحاسَب بالقانون؟ أليس السكوت هنا جواز مرور للفوضى وللدم؟ وأيضا علامة الرضا والدعم للخروج على القانون وضرب وقتل مَن تعاطفوا وانضموا إلى المعتصمين ليزداد المشهد ارتباكا وتحقق المذبحة الأهداف المرجوة منها! فى مؤتمر الخميس، الذى كان صورة كربونية من مؤتمرات تبرئة الذات التى أعقبت أغلب المذابح، يقول السادة اللواءات إن أيديهم ليست ملوثة بدماء المصريين، وهى فى المطلق بديهية لجيش وطنى لم يكن أبدا إلا جزءا عزيزا من أبناء الشعب، ولكن مسؤولية دماء المصريين التى سالت منذ قامت الثورة معلقة برقبة من بيدهم مسؤولية الحكم ومسؤولية حفظ وحقن وصيانة هذه الدماء! وأنا أتابع وقائع المؤتمر الصحفى للمجلس العسكرى تمنيت أن يُسألوا حول جماعات الجهاد الإسلامية التى أصبحت تملأ سيناء وجميع الطرق والتسهيلات متاحة لهم للانتشار والسيطرة فى محاظات مصر وأن يرفعوا أعلامهم السوداء فى العباسية والتحرير وأن ينظموا مسيرات وراء أقنعة تزحف حول وزارة الدفاع! أمن مصر القومى مسؤولية من؟! منذ موقعة الجمل والمحاولات لم تتوقف لصناعة خداع بأن الثورة صناعة قوى خارجية، ونشرت صحف رسمية أن إيران وحماس تديران المعركة فى التحرير واشتهرت مقولة الرئيس المخلوع إنه هو أو الفوضى والتطرف الدينى.. مَن يدبر مؤامرة إتمام حرق مصر وإسقاط ثورتها وازدهار التيارات الدخيلة على الحضارة والوسطية والاستنارة الإسلامية؟! مَن مول السيارة المحمَّلة بالسلاح القادمة من الكريمات؟! ما معنى ما كُتب عن وجود متظاهرين غير معلومين؟ كيف نأمن الحياة فى بلد يضم مواطنين غير معلومين؟! وكيف يقوم المتظاهرون غير المعلوميين باختطاف واحتجاز ضابط بالقوات المسلحة وتقوم فرقة خاصة بتحريره (التحرير 2/5)؟! ومن سيقوم بتحرير المواطنين العاديين إذا قام المواطنون غير العاديين باختطافهم! لم يختلف بيان الخميس الماضى للمجلس العسكرى إلا فى ارتفاع نبرة التهديد، وأسألهم: إذا كان لمبنى وزارة الدفاع قدسية، وهو كذلك بالفعل، فهل سلامته أو قدسيته أكبر من سلامة وقدسية مصر؟ وكيف تترك هذه السيارة تنتهك وتروّع بحلقات الذبح والدم التى أديرت منذ موقعة الجمل التى ارتُكبت، رغم أن الشرطة العسكرية كانت تحيط بميدان التحرير لتؤمن الثوار؟! هل كان التأمين بالقتل وإهدار دماء الشباب هو القرار؟ كنت أتمنى من المجلس العسكرى -والإعلان الدستورى وضع بين أصابعهم جميع خيوط تحريك وإدارة المشهد السياسى والنيابى والوزارى والرئاسى من خلال صلاحيات لم يحظَ بها الرئيس المخلوع!- كنت أتمنى وأرجو أن يدير المجلس عاما ونصفا، ربما لم تشهد مصر أخطر منهما وأبعد أثرا فى حاضرها ومستقبلها، بقدرة وأمانة وبراعة وتجرد وحنكة ورشد المقاتلين الذين أستؤمنوا على وطنهم.. ولكن جميع معطيات المشهد وذروته -ما حدث فى العباسية على الأقل- حتى الآن تقول إنهم خذلوا الملايين الذين حلموا بالأمان والاستقرار وبالعيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، هزموا كل ما نادت به الثورة وناقضوا وخرجوا على تاريخ العسكرية المصرية فى احتراف وصناعة النصر والعزة والزهو القومى! وإلا لقادوا الثورة والثوار ومصر الجديدة إلى نصر جديد عزيز لا يقل فى تاريخ مصر عن قيمته وعظمة نصر أكتوبر.