يقول الباحث العراقي د.عبد الجبار الرفاعي، في كتابه "إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين"، إن حاجة الإنسان إلى المقدس أبدية. أضاف أنه كما أن الحياة لا تطاق من دون مقدس كذلك لا تطاق حينما تتسع حدود المقدس فتبتلع كل ما هو دنيوي وتخلع على كل ما هو دنيوي لباسا دينيا. جاء ذلك في كتاب "إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين" الصادر عن (الدار العربية للعلوم ناشرون) في بيروت و(مركز دراسات فلسفة الدين) في بغداد في 302 صفحة كبيرة القطع. استهل الرفاعي كتابه بالقول "تتبدى الرموز والإشارات والعلاقات والثيمات والتعبيرات المقدسة والمفاهيم والرؤى الدينية في مجالات حياتنا بأسرها ولا يفلت منها أي حقل ثقافي أو معرفي أو فني أو أدبي أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي فهي تمتزج بكل شيء وتتجلى في الأزياء واللباس والطعام والشراب ومختلف أنماط العلاقات البشرية واللغة والنصوص الشفاهية والمدونة. "وحتى لو تعمد شخص استبعادها فإنها تبقى مضمرة ولا تختفي بل يستبطنها قلمه أو لسانه عبر استبدالها بألفاظ لا تحيل إلى تلك المضامين مباشرة لكنها تظل كامنة مستترة فيها." أضاف يقول أن المجتمعات الغربية "التي عملت منذ فترة طويلة على نفي الدين وتعبيراته من عالمها لم تستطع اجتثاث رموزه المكتظة بها القلائد والحلي والألبسة والتماثيل واللوحات الفنية والإشكال والرسوم المعمارية للمباني. وما زال الشعر والنثر والفلسفة وغيرها من المعارف الإنسانية تستخدم مصطلحات ميتافيزيقية وألفاظا تحيل إلى ميثولوجيا وأفكار مقدسة. "وربما لا تعثر على فيلسوف أو مفكر أو أديب أو فنان أو مصلح في التاريخ القريب للغرب لم يشتغل على تأويل النصوص المقدسة واستنطاقها إثباتا أو نفيا. ومن النادر أن نجد إنتاجا معرفيا أو إبداعيا لم يقارب موضوعة الميتافيزيقيا وما تشي به من مقولات أو يقف منها موقفا محايدا من دون أن يغور في مدياتها ويسعى لتفسيرها وتبريرها أو تفكيكها وتقويضها، بل أن اشهر المفكرين المناهضين للدين اتخذت الظواهر الدينية مساحة هامة من كتاباته وشدد على ان تحرير الأرض يبدأ من تحرير السماء." وقال إن التدليل على هذا لا يتطلب سوى إلقاء نظرة عاجلة على الفكر الغربي الحديث والمعاصر ليتضح مدى انشغاله بكل ما يرتبط بالظواهر الدينية والاستغراق في تأويلها وفهمها من مداخل متنوعة "فتارة تجري مقاربتها انثربولوجيا في انثروبولوجيا الدين وأخرى سوسيولوجيا في علم اجتماع الدين وثالثة سيكولوجيا في علم نفس الدين ورابعة لسانيا ودلاليا في الهرمنيوطيقا والسمنطقا الدينية.. إلخ. "ولا تكف العلوم الإنسانية الراهنة عن اجتراح قنوات ومسالك جديدة لدراسة تمثلات المقدس في الوعي والسلوك وما يفيض به ويضمره اللاوعي الجمعي والفردي من الإلهام والانكشاف والإشراق والشهود والاتحاد والوحدة والجذبة والرعشة والسكرة والنشوة والصحوة وغيرها من الحالات والتجارب الروحية. إما بحث و تحليل اثر الدين كعامل فعال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية فهو احد أهم مشاغل ورش البحث ومختبرات العلوم الاجتماعية."