"سلامٌ عليك أسيرًا.. سلامٌ عليك شهيدًا.. سلامٌ عليك بطلًا".. هكذا رثى خليل الحية، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، زعيم الحركة يحيى السنوار، الذي ارتقى شهيدًا مقاومًا مشتبكًا حتى آخر أنفاسه مع جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي. وعلى أريكةٍ في بيتٍ بحي تل السلطان جنوبغزة، كُتب سطر النهاية في حياة السنوار، كان المشهد الأخير لزعيم حركة "حماس"، يُقاتل حتى الرمق الأخير من حياته حتى ولو بعصاه، التي ألقاها في وجه مروحية مدججة بالقنابل والذخيرة القاتلة. وقبل ثلاث سنوات من الآن، كان يحيى السنوار قد أبان عن الموت الذي يخشاه لنفسه، حينما قال: "إن كنا نخشى الموت فنحن نخشى الموت على فراشنا كما يموت البعير.. نخشى أن نموت في حوادث الطرق أو بجلطة دماغية أو بسكتة قلبية.. لكننا لا نخشى أن نقتل في سبيل ديننا ووطننا ومقدساتنا.. ودماؤنا وأرواحنا ليست أغلى من دماء أصغر شهيد قدم روحه". وكما استهللنا موضوعنا برثاء من خليل الحية للسنوار، نتوقف هنا عند أول كلمة "سلامٌ عليك أسيرًا"، وهو بيت القصيد في ما نسرده من قصةٍ حول نبوءة يحيى السنوار لنفسه قبل 20 عامًا. فقد كان يحيى السنوار أسيرًا بالفعل داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأمضى ما يقرب من ربع قرنٍ من عمره داخل غيابات السجون الإسرائيلية، حيث اعتًقل بدايةً من عام 1988 وحُكم عليه بالسجن المؤبد قبل أن يُفرج عليه بعدها ب23 عامًا، لتبدأ بعدها قصة جديدة له مع الاحتلال. اقرأ أيضًا: خاص| حركة حماس: لم نعلن خليفة يحيى السنوار في غزة حتى الآن مفارقة في استشهاد يحيى السنوار والمفارقة أن تاريخ الإفراج عن يحيى السنوار من داخل سجون الاحتلال ضمن صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط هو 18 أكتوبر 2011، وهو نفس التاريخ، الذي أعلنت خلاله حركة "حماس" استشهاده في 18 أكتوبر 2024، وذلك بعد يومٍ واحدٍ من إعلان إسرائيل ذلك، واحتفاء قادتها أنهم "قتلوا يحيى السنوار". كان يحيى السنوار واحدًا من بين 1027 أسيرًا أفرجت عنهم إسرائيل ضمن صفقة الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط، والتي عُرفت فلسطين بصفقة "وفاء الأحرار". لم يكن خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية من الجامعة الإسلامية بغزة قد درس فنون القتال في كليته أو تعلم خطط المعارك وأساليب الساسة بين جدران جامعته، لكنه جمع بين القيادة العسكرية والسياسية داخل حركة حماس، ووصل إلى أن تزعم الحركة سواء في قطاع غزة أو على مستوى الحركة ككل، وصولًا إلى كونه عقلًا مدبرًا لعملية "طوفان الأقصى". ولكن دراسته الجامعية وحصوله على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية كان سببًا في أن يكون كاتبًا فصيحًا لتحمل كلماته، التي كتبها داخل سجن بئر السبع الإسرائيلي روايةً حملت اسم "الشوك والقرنفل" ح ويقول يحيى السنوار في طليعة روايته، التي صدرت عام 2004، وهو داخل سجن بئر السبع الإسرائيلي، قبل 20 عامًا، "هذه الرواية كُتبت في ظلمة الأسر في سجون الاحتلال في فلسطين، دأب الشعرات لنسخها ومحاولة إخفائها عن عيون الجلادين وأيديهم الملوثة، وبذلوا جهدًا جبارًا في ذلك، عملٌ كعمل النمل لإخراجها إلى النور". نبوءة يحيى السنوار لنفسه وفي سرد حمل من الفانتازيا وقراءة المستقبل في آن واحد، تنبأ السنوار بمصيره قبل 20 عامًا، في محاكاة لحديثٍ إلى أمه يقول فيه: "هل تذكرين كيف ربيتمونا على حب فلسطين والقدس والجهاد والتضحية؟". ويروي قائلًا: "الآن جاء الموعد يا أماه، فلقد رأيت نفسي أقتحم عليهم موقعهم، أقتلهم كالنعاج ثم استشهد، ورأيتني بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يهتف بي مرحى بك". نبوءة حوّلها السنوار إلى واقع وحقيقة، بدايةً من تنفيذه مخطط عملية طوفان الأقصى، رفقة عناصر المقاومة، فاقتحمت المقاومة الفلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي مواقعه في الأراضي المحتلة وأسرت عددًا منهم، بينهم جنود في جيش الاحتلال، قبل أن يستمر لأكثر من عامٍ كاملٍ في مواجهة مفتوحة مع الجيش الإسرائيلي، إلى أن ارتقى شهيدًا مثلما تمنى، دون أن يُلقي الشيطان في أمنيته.