زيادة أسعار البنزين والسولار ورفع تعريفة الركوب بالمحافظات - تغطية خاصة    ارتفاع البلطي.. أسعار السمك اليوم الجمعة في سوق العبور    وزير الإسكان: إتاحة أراض ب20 مدينة جديدة لذوي الهمم    وزير الدفاع الأمريكي: اغتيال يحيى السنوار فرصة "استثنائية" لإنهاء الحرب    وزير خارجية إسرائيل: جوتيريش لم يرحب باغتيال السنوار    الاتحاد الأوروبي يصدر بيانا موجها إلى إسرائيل بشأن هجماتها على قوات اليونيفيل    زيادة أسعار المحروقات.. تحرك عاجل للتموين بشأن محطات بيع الوقود    نقيب الزراعيين: أسبوع القاهرة للمياه نجح في تأكيد موقف مصر بشأن سد النهضة    الاحتلال يعلن إصابة 3 جنود بمواجهات فى لبنان ونقلهم لتلقى العلاج    7 مباريات فى الجولة الثالثة من دوري الكرة النسائية اليوم والزمالك راحة    المنيا يلاقي التليفونات والأسمنت يواجه الواسطى بجولة نارية بدوري القسم الثاني    ارتفاع حديد عز والاستثماري.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2024    تكاثر للسحب المنخفضة على سواحل الإسكندرية وتوقعات بسقوط أمطار    النشرة المرورية.. سيولة وانتظام فى حركة السيارات بشوارع القاهرة والجيزة    المعمل الجنائي: لا إصابات في حريق شقة سكنية بفيصل    التحفظ على سائقي سيارة تسببا في إصابة 9 أشخاص بالجيزة    حبس لصوص المنازل والمدارس في القاهرة 4 أيام    واشنطن بوست: السنوار لم يكن العائق الوحيد أمام وقف إطلاق النار ونتنياهو أعاقه مرارا    مدير «ثقافة أسوان» تكشف تفاصيل مهرجان تعامد الشمس على قدس الأقداس بمعبد أبوسمبل    «عبد الغفار» يؤكد أهمية تقييم التكنولوجيا الطبية بإصلاح السياسات واتخاذ القرارات الصحية    أخبار الأهلي : تفاصيل قرعة الدوري المصري موسم 2024-2025    تجهيزات خاصة لحفلات "الأندرجراوند" بساقية الصاوي    "مال أبونا لا يذهب للغريب".. دار الإفتاء تكشف حكم الشرع في هذه المقولة    جوميز يصدم ثنائي الزمالك بقرار جديد قبل لقاء بيراميدز في السوبر المحلي    كورقة للتفاوض.. جيش الاحتلال قد يحتفظ بجثة السنوار    غارتان على منطقة المواصي غرب رفح الفلسطينية    سر حمل يحيى السنوار «علبة حلوى صغيرة» معه قبل مقتله.. تفاصيل جديدة    شولتس: ألمانيا يجب أن تضمن عدم اتساع الحرب في أوكرانيا إلى الناتو    وزير التموين: لا مساس بسعر الخبز البلدي المدعم بعد تحريك أسعار السولار    بعد قرار «التنظيم والإدارة»| تفاصيل جديدة بشأن ترقيات 2024 للموظفين وزيادة الأجور    بعد تحريك أسعار الوقود.. ننشر تعريفة الركوب الجديدة لسيارات الأجرة بالقليوبية| تفاصيل    أسعار الذهب اليوم 18-10-2024 في مصر.. كم يسجل عيار 21؟    وفاة الشاعر أحمد علي موسى    اليوم.. تامر عاشور يحيي حفل غنائي بمهرجان الموسيقى العربية    بعد مفاوضات بيراميدز والزمالك.. إبراهيم سعيد يوجه نصيحة لمحمد شريف    لا يسخر قوم من قوم.. تعرف على موضوع خطبة الجمعة اليوم مكتوبة    ورشة عمل عن إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية والورقية لطالبات الأقصر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 18 أكتوبر    أسماء تشكيل هيئة مكتب أمانة حزب مستقبل وطن بكفرالشيخ    شيرين عبدالوهاب ترد على معجب طلب يدها للزواج .. ماذا قالت؟    طالب يصيب نجل عمومته بخرطوش في سوهاج    محمد فاروق: الاستعانة بخبير أجنبي لإدارة لجنة الحكام بشروط.. وجاهزين لإدارة السوبر المصري    اليوم، إطلاق 6 قوافل طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 32 مسجدًا بالمحافظات    اخترق موبايله على الهواء.. مستشار الأمن السيبراني يصدم حمدي رزق| شاهد    عبدالجليل: الزمالك سيواجه صعوبات أمام بيراميدز.. واتمنى أن يكون نهائي السوبر بين القطبين    أزهري: الزواج الشفهي بدون ورقة أو مأذون حلال    الوحدة المحلية بدمنهور تنظم قافلة سكانية وتثقيفية لدعم الصحة النفسية والمجتمعية    الصيادلة: أزمة نواقص الأدوية تنتهي تماما مطلع نوفمبر.. ولا زيادات جديدة بالأسعار    لطفي بوشناق: مصر وتد الأمة العربية.. عشت بها وأكلت من خيرها    محافظ الإسماعيلية يشهد احتفالية العيد القومي ال 73    إنهاء كافة الاستعدادات للاحتفال بمولد العارف بالله إبراهيم الدسوقي    لولو بتحب مها.. محمود شاهين يكشف سبب بكاء إلهام صفي الدين بحفل زفافه    سنن النبي يوم الجمعة .. 7 أمور اغتنمها قبل الصلاة وبعدها    أستاذ باطنة: ارتجاع المريء يتحول لمرض مزمن فى هذه الحالة    نشرة التوك شو| تصفية السنوار وأصداء الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير    وزارة الرياضة: وجدنا مخالفات في بعض الاتحادات تم تحويلها إلى النيابة    بطريرك الروم الأرثوذكس يختتم زيارته الرسمية بقبرص.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى مناسبة العام 6266 الزمن فى مصر القديمة.. وسيلة التواصل مع السماء
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 29 - 09 - 2024


د. حسين عبد البصير
يُعد عام 6266 فى التقويم القبطى استمرارًا لتقليد مصرى قديم يعود لأكثر من ستة آلاف عام، ويُعرف أيضًا بتقويم الشهداء.
يعتمد ذلك التقويم الذى بدأ مع فترة حكم الإمبراطور الرومانى دقلديانوس، الذى ارتبط عهده باضطهاد المسيحيين فى مصر، على دورة الشمس ويُقسم السنة إلى 13 شهرًا؛ إذ تتكون الأشهر الاثنا عشر الأولى من 30 يومًا، والشهر الأخير يُسمى «نسئ» ويضم 5 أو 6 أيام.
وما يزال التقويم القبطى يُستخدم إلى اليوم لتحديد تواريخ الأعياد المسيحية القبطية والأحداث الزراعية فى مصر.
ويبدأ العام القبطى الجديد فى الأول من شهر توت، الذى يوافق عادةً 11 سبتمبر فى التقويم الميلادى.
بالنسبة للمزارعين المصريين، فإن ذلك التقويم يُعد أداة مهمة لمتابعة دورات الزراعة ومواسم الحصاد؛ إذ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفيضان نهر النيل.
ويُعتبر عام 6266 القبطى رمزًا لاستمرار التراث المصرى العريق؛ وهو يعكس التقاليد الدينية والزراعية التى حافظت على ذلك النظام الزمنى الفريد عبر العصور، مما يُظهر تداخل الحضارة المصرية القديمة مع المسيحية فى مصر.
يُعتبر التقويم المصرى القديم أحد أهم الإنجازات التى قدمتها الحضارة المصرية القديمة للعالم. ومع ذلك، فإن تراجع استخدامه كان نتيجة لمزيج من العوامل السياسية، الثقافية، والدينية التى جعلت التقاويم الأخرى أكثر ملاءمة للعصور الحديثة
والتقويم المصرى القديم هو واحد من أقدم التقاويم المعروفة فى التاريخ، وقد اعتمد على دورة الشمس لتحديد أيام السنة. ورغم ذلك، فإن هذا التقويم لم يعد يُستخدم رسميًا فى الحياة اليومية أو الرسمية فى مصر.
هناك عدة أسباب لعدم استخدامه فى الزمن الحالى، وقد ساهمت التغييرات الثقافية والدينية والسياسية عبر العصور فى استبداله بتقاويم أخرى، مثل التقويم اليوليانى، ومن بعده التقويم الميلادى والقبطى والهجرى.
ظل التقويم المصرى القديم، المعروف أيضًا بالتقويم الشمسى، قيد الاستخدام فى مصر القديمة لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وكان معتمدًا فى الحياة اليومية والزراعية والدينية.
لكن مع الفتح الرومانى لمصر فى القرن الأول قبل الميلاد، تم إدخال التقويم اليوليانى إلى البلاد، والذى كان يواكب السنة الشمسية بشكل أدق من التقويم المصرى القديم.
ومنذ ذلك الوقت، بدأ التقويم المصرى القديم يفقد مكانته تدريجيًا، حيث اعتمد الرومان التقويم اليوليانى رسميًا فى الإمبراطورية الرومانية، ومن ثم أصبح التقويم الأساسى فى مصر.
وبعد انتشار المسيحية فى مصر فى القرون الأولى الميلادية، استُخدم التقويم القبطى الذى تم تطويره اعتمادًا على التقويم المصرى القديم، لكنه أُدخل عليه بعض التعديلات لمواكبة السنة الشمسية والاحتياجات الدينية.
وعلى الرغم من أن التقويم القبطى ما يزال يُستخدم إلى اليوم فى الكنائس القبطية وفى الزراعة، فإن التقويم المصرى القديم اختفى تمامًا من الحياة اليومية والرسمية بحلول القرون الأولى الميلادية ويرجع ذلك لأسباب عدة:
عدم دقة الحسابات الفلكية: على الرغم أن التقويم المصرى القديم كان دقيقًا فى تحديد مواسم الزراعة والفيضان، فإنه كان يعتمد على سنة تتكون من 365 يومًا فقط، دون احتساب السنة الكبيسة. بمرور الوقت، تسبب ذلك فى انحراف كبير فى التواريخ، مما أدى إلى عدم تطابق التواريخ الفلكية مع الفصول الطبيعية.
التغييرات السياسية والدينية: مع دخول الرومان إلى مصر وفرض التقويم اليولياني، تم تهميش التقويم المصرى القديم. وبعد انتشار المسيحية، ازدادت الحاجة إلى تقويم يتناسب مع الأعياد الدينية المسيحية، مما أدى إلى تبنى التقويم القبطي، الذى حل محل التقويم المصرى القديم بشكل تدريجي.
التغيرات الثقافية: بعد الفتح العربى لمصر فى القرن السابع الميلادي، أصبح التقويم الهجرى هو التقويم الأساسى المستخدم فى الحياة الرسمية. أسهمت تلك التغييرات السياسية والدينية والثقافية فى ترك التقويم المصرى القديم بشكل نهائى.
العودة إلى استخدام التقويم المصرى القديم
من الناحية النظرية، يمكن إعادة استخدام التقويم المصرى القديم، لكن الأمر يتطلب تعديلًا كبيرًا لجعله يتماشى مع الحياة العصرية. أولًا، يجب معالجة مشكلة السنة الكبيسة التى لم تُحتسب فى التقويم المصرى القديم؛ إذ كانت السنة مكونة من 365 يومًا فقط.
لإعادة استخدامه، يجب تطوير نسخة جديدة تأخذ بعين الاعتبار التقدم الفلكى الحالى. وعلى المستوى العملى، العودة إلى استخدام ذلك التقويم قد تكون تحديًا كبيرًا، حيث تعتمد الأنظمة الحكومية والتعليمية والاقتصادية فى مصر اليوم على التقويم الميلادى.
وحتى فى الزراعة، التى كان التقويم المصرى القديم يناسبها تمامًا، يعتمد المزارعون الآن على التقويم القبطى الذى يتضمن حسابًا أكثر دقة للمواسم الزراعية.
إذا قررنا العودة إلى استخدام التقويم المصرى القديم، سوف تكون هناك تغييرات كبيرة على عدة مستويات:
التكيف مع الحسابات الفلكية الحديثة: يجب تعديل التقويم المصرى القديم ليشمل السنة الكبيسة، وهو ما يتطلب إعادة ضبط التواريخ بحيث تتناسب مع الحسابات الفلكية الدقيقة التى نستخدمها اليوم.
تغيير شامل فى الأنظمة الإدارية: إذا تم العودة إلى استخدام التقويم المصرى القديم، فسيكون من الضرورى إجراء تغييرات واسعة فى الأنظمة الإدارية والبيروقراطية التى تعتمد على التقويم الميلادي. على سبيل المثال، سيتم تعديل التواريخ الرسمية مثل تواريخ الميلاد، والعقود، والأعياد الرسمية، والمدفوعات، مما قد يخلق حالة من الالتباس فى الحياة اليومية.
سوف يحتاج الأفراد والمؤسسات إلى إعادة برمجة جداولهم الزمنية والأنظمة الإلكترونية لتتوافق مع التواريخ الجديدة، وسوف يتطلب هذا موارد كبيرة وتخطيطًا دقيقًا.
تحديات فى التعليم: سوف يتعين على النظام التعليمى إدخال تغييرات فى المناهج الدراسية المتعلقة بالتقويم والتواريخ، حيث سيتم تعليم الأطفال التقويم المصرى القديم بدلًا من التقويم الميلادى أو الهجرى. كما سوف يتطلب هذا توعية عامة بمفهوم التقويم المصرى وكيفية حساب السنة والشهور والأيام.
مواسم الزراعة والفيضان: العودة إلى التقويم المصرى القديم قد تكون مفيدة فى الزراعة، خاصة أنه كان قائمًا على دورة فيضان نهر النيل. ومع ذلك، يجب تعديل التقويم ليواكب تغيرات المناخ الحالى والطرق الزراعية الحديثة، حيث أن فيضان النيل لم يعد يحدث بالطريقة ذاتها بسبب السد العالى والتغيرات البيئية.
تأثير ثقافى ودينى: بالنسبة للمجتمع المصري، العودة إلى استخدام التقويم المصرى القديم قد تكون رمزية فى إعادة إحياء التراث الحضاري.
ومع ذلك، سيواجه هذا تحديات دينية، خصوصًا من حيث توافق التقويم مع الأعياد الدينية المسيحية والإسلامية التى تعتمد على التقويمات الميلادية والهجرية.
الانتقال إلى التقويم الجديد: أى عملية انتقال من التقويم الميلادى أو الهجرى إلى التقويم المصرى القديم ستكون بطيئة ومعقدة. من المرجح أن يتم اعتماد كلا التقويمين فى نفس الوقت لفترة انتقالية لضمان سلاسة التغيير. ولكن على المدى الطويل، قد يكون من الصعب استبدال التقويم الحالى تمامًا، خصوصًا أنه معتمد عالميًا.
يُعتبر التقويم المصرى القديم أحد أهم الإنجازات التى قدمتها الحضارة المصرية القديمة للعالم. ومع ذلك، فإن تراجع استخدامه كان نتيجة لمزيج من العوامل السياسية، الثقافية، والدينية التى جعلت التقاويم الأخرى أكثر ملاءمة للعصور الحديثة.
على الرغم من إمكانية العودة إلى استخدامه بشكل رمزى أو فى مجالات محددة مثل الزراعة أو الاحتفالات الثقافية، فإن الاعتماد الكامل على هذا التقويم فى الحياة اليومية سيواجه تحديات كبيرة. لو تم ذلك، سيحدث تحول كبير فى البنية الاجتماعية والثقافية لمصر، مما سيؤدى إلى تغييرات عميقة فى النظامين الإدارى والتعليمي.
تقويم الشهداء
تقويم الشهداء، أو ما يعرف ب»التقويم القبطي»، هو تقويم مصرى يُستخدم منذ آلاف السنين، ويعود أصله إلى الحضارة المصرية القديمة. وتم تعديل ذلك التقويم وتطويره عبر العصور ليصبح التقويم الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مصر، وهو التقويم الذى يعتمد على حساب السنة الشمسية. ومع ذلك، يرتبط هذا التقويم بتاريخ مؤلم ودامٍ عندما تم اعتماده بشكل نهائى فى عام 284 ميلادي، فى عهد الإمبراطور الرومانى دقلديانوس. عرف ذلك العام ب«عام الشهداء»، نسبة إلى الاضطهاد الشديد الذى واجهه المسيحيون فى مصر خلال فترة حكم دقلديانوس، حيث تعرض الآلاف من المسيحيين للقتل والتعذيب بسبب تمسكهم بإيمانهم.
عندما أصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية الرومانية فى القرن الأول قبل الميلاد، خضعت للعديد من التغيرات السياسية والدينية. تميزت تلك الفترة بتبنى الرومان لسياسة دينية تعترف بالعديد من الآلهة الوثنية، وكان يُنظر إلى الإمبراطور نفسه على أنه إله.
ومع صعود المسيحية وانتشارها فى مصر، التى كانت آنذاك إحدى أهم المحافظات الرومانية، بدأت تتشكل موجات من الاضطهاد ضد المسيحيين. وعلى الرغم من التعايش النسبى بين الديانات فى بدايات حكم الرومان لمصر، فإن انتشار المسيحية واجه مقاومة قوية من السلطات الرومانية.
فقد اعتُبرت المسيحية تهديدًا للنظام الإمبراطورى الوثني، خصوصًا أن المسيحيين رفضوا عبادة الإمبراطور كإله. مهد ذلك التوتر الدينى والثقافى الأرضية للاضطهادات التى وقعت فى عهد دقلديانوس.
دماء وتضحيات
يُعتبر الإمبراطور دقلديانوس (حكم من 284 حتى 305 ميلادية) من أعظم الأباطرة الرومان من حيث إعادة الاستقرار للإمبراطورية الرومانية. كان دقلديانوس إداريًا محنكًا، واستطاع تقسيم الإمبراطورية إلى نصفين (شرقى وغربى) لتسهيل إدارتها.
ومع ذلك، كان أيضًا قاسيًا فى معاملته للمسيحيين. وفى بداية حكم دقلديانوس، لم تكن هناك اضطهادات مباشرة ضد المسيحيين، بل على العكس، كان يميل إلى سياسة التسامح النسبى.
غير أن ذلك الموقف تمامًا تغيّر فى السنوات اللاحقة. فى عام 303 ميلادية، أصدر دقلديانوس مرسومًا قضى بحرق الكنائس، وتدمير النصوص المقدسة، وإجبار المسيحيين على تقديم الأضاحى للآلهة الرومانية.
من يرفض ذلك كان يُعذب أو يُقتل، وبذلك بدأت فترة طويلة من الاضطهاد الوحشي، سميت ب«الاضطهاد العظيم» أو «اضطهاد دقلديانوس».
عانت مصر، التى كانت معقلًا رئيسيًا للمسيحية فى الإمبراطورية الرومانية، بشكل خاص من ذلك الاضطهاد. قام القادة الرومان فى الإسكندرية وفى باقى مصر بتنفيذ أوامر دقلديانوس بصرامة شديدة، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المسيحيين.
وكانت مواقف المسيحيين ثابتة، ورفضوا التنازل عن دينهم، مما دفع بالسلطات الرومانية إلى استخدام أساليب قمعية متوحشة. وحُكم على العديد من المسيحيين بالتعذيب والموت فى السجون، وتم تقطيع أجسادهم، وحرقهم، وصلبهم، ورميهم للأسود فى الساحات العامة.
وتعد مصر واحدة من أكثر المناطق التى شهدت سقوط أكبر عدد من الشهداء المسيحيين فى تلك الفترة. وقد أُطلق على ذلك الاضطهاد فى الكنيسة القبطية «عصر الشهداء»، حيث أصبحت أسماء مثل القديس مارجرجس، والقديسة دميانة، والبابا بطرس الأول، رمزًا للتضحيات المسيحية فى مواجهة الاضطهاد الرومانى.
على الرغم من أنه كان أحد أعظم الأباطرة الرومان من حيث الإدارة والإصلاحات، فإن دقلديانوس سيتذكره التاريخ المسيحى باعتباره واحدًا من أكثر الحكام قسوة ووحشية ضد المسيحيين.
كان دقلديانوس يعتقد أن اضطهاد المسيحيين سوف يؤدى إلى استعادة القوة والتماسك داخل الإمبراطورية، غير أن العكس هو ما حدث. بدلاً من القضاء على المسيحية، زادت الاضطهادات من انتشارها وتوطيد إيمان المسيحيين.
العديد من الشهداء أصبح الذين قُتلوا فى عصر دقلديانوس رموزًا للإيمان والثبات، وألهموا أجيالًا لاحقة من المسيحيين.
فى عام 284 ميلادية، وهو العام الذى اعتلى فيه دقلديانوس العرش، تم اعتماد بداية تقويم جديد، وهو تقويم الشهداء. كان ذلك التقويم بمثابة توثيق للأحداث الدموية التى مر بها المسيحيون فى مصر، وتكريمًا للشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الإيمان.
اختارت الكنيسة القبطية ذلك العام كبداية لتقويمها، تكريمًا للدماء التى أُريقت فى سبيل المسيحية.
إن التقويم القبطى هو تقويم شمسى مثل التقويم المصرى القديم، ويتألف من 12 شهرًا، كل منها يحتوى على 30 يومًا، إضافة إلى شهر صغير يسمى «النسئ» مكون من 5 أو 6 أيام. يبدأ التقويم فى الأول من شهر توت، الذى يوافق 11 أو 12 سبتمبر من كل عام.
وما يزال ذلك التقويم مستخدمًا إلى اليوم فى الكنيسة القبطية لتحديد مواعيد الأعياد والمناسبات الدينية.
بالإضافة إلى استخدامه الدينى، فإن تقويم الشهداء له جذور ثقافية عميقة فى المجتمع المصرى. فقد تزامن بداية العام القبطى مع موسم فيضان النيل، الذى كان يمثل حياة المصريين القدماء.
وبالتالي، استمر المصريون فى الاحتفال ببداية العام القبطى كعيد قومى حتى بعد تحولهم إلى المسيحية. يُعرف ذلك العيد فى التراث الشعبى باسم «عيد النيروز»، وهو احتفال برأس السنة القبطية.
وفى عيد النيروز، يحتفل المصريون بتجديد الحياة، حيث كان الفيضان يُجدد خصوبة الأراضى الزراعية. وفى نفس الوقت، يُكرم المصريون الشهداء المسيحيين الذين قدموا حياتهم فى سبيل الإيمان. كانت هناك أيضًا تقاليد زراعية واحتفالية مرتبطة بهذا العيد، مثل ارتداء الملابس الجديدة وتناول الأطعمة الخاصة، وهو ما يعكس التداخل العميق بين التقاليد القبطية والمصرية القديمة.
يُعتبر اليوم تقويم الشهداء جزءًا لا يتجزأ من التراث القبطى والمصري. ما تزال الكنيسة القبطية تستخدمه لتحديد أعيادها ومناسباتها الدينية. كما أن عيد النيروز ما يزال يحتفل به فى مصر، وإن كان فى نطاق أضيق مقارنة بالماضي.
ويُمثل التقويم القبطى أيضًا رمزية وطنية لدى المصريين؛ إذ يعكس التضحية من أجل الإيمان والتمسك بالهوية الدينية والثقافية. حتى بعد مرور أكثر من ألفى عام على تلك الأحداث، يظل تقويم الشهداء شاهدًا على إحدى أكثر الفترات دموية فى تاريخ مصر، ومع ذلك يعتبر رمزًا للأمل والصمود.
إن قصة تقويم الشهداء هى حكاية مصرية تحمل فى طياتها معانى الفداء والتضحية، حيث امتزجت الدماء والتقاليد الدينية لتشكل هوية مسيحية مصرية فريدة.
وعلى الرغم من أن الإمبراطور دقلديانوس سعى إلى محو المسيحية وإعادة عبادة الآلهة الوثنية، فإن عهده أصبح مرتبطًا بواحدة من أهم الفترات فى التاريخ القبطى والمصرى على حد سواء.
تحوت واختراع التقويم
الإله تحوت المعروف أيضًا باسم توت هو أحد أهم الآلهة فى الحضارة المصرية القديمة، ولعب دورًا بارزًا فى تطوير المعرفة، العلوم، والكتابة. يعد تحوت إله الحكمة، والكتابة، والرياضيات، وله ارتباط وثيق بتقويم المصريين القدماء.
بحسب الأساطير المصرية، يُنسب إلى تحوت اختراع التقويم المصرى، الذى كان له تأثير كبير على حياة المصريين وارتبط بدورات الشمس والنجوم.
كان المصريون القدماء يعتمدون على الطبيعة فى فهم الزمن وتنظيم حياتهم الزراعية والاجتماعية. وفى ذلك السياق، يُقال إن الإله تحوت هو من اخترع التقويم، خصوصًا تقويم ال 365 يومًا الذى استخدمه المصريون لتنظيم حياتهم الزراعية ومواقيت الأعياد.
وبحسب الأساطير، لعب تحوت دورًا كبيرًا فى تنظيم السنة عبر تقسيمها إلى 12 شهرًا، وكل شهر يحتوى على 30 يومًا، إضافة إلى خمسة أيام نسئية تُضاف فى نهاية السنة.
ويُروى أن التقويم المصرى كان يعتمد فى البداية على السنة القمرية، ولكن بفضل تحوت، تم الانتقال إلى التقويم الشمسى، وهو ما أعطى المصريين دقة أكثر فى التنبؤ بالفيضان وتوقيت المواسم الزراعية.
لقد قيل إن تحوت هو الذى اكتشف أن السنة الشمسية تزيد عن 360 يومًا بخمسة أيام، وهو ما أضافه المصريون فى نهاية كل سنة.
لم يكن دور تحوت مقتصرًا على إيجاد التقويم فقط، بل ارتبط أيضًا باختراع الكتابة التى كانت تُعتبر هبة من تحوت للبشر.
كان يُعتقد أن تحوت قد علم المصريين الكتابة والهجاء، وهو الذى اخترع الكتابة الهيروغليفية التى استُخدمت فى تسجيل الأحداث وحساب الزمن.
ولذلك السبب، كان تحوت يُعتبر إله الكُتّاب والعلماء، وأى عمل كتابى أو حسابى كان يُعد تحت رعايته.
بالإضافة إلى دوره فى الحساب والكتابة، كانت هناك قصص أسطورية تشير إلى دور تحوت كحَكَم بين الآلهة. يُقال إنه كان الإله الذى ساعد فى حل النزاعات بين الآلهة المختلفة، وبذلك كان له دور رئيسى فى تحقيق التوازن فى الكون. ارتبط تحوت بالعدالة والنظام، ما جعله أحد الآلهة المهمة فى الأساطير المصرية.
هرمس وإدريس
مع مرور الوقت وامتداد تأثير الحضارة المصرية إلى الحضارات المجاورة، انتقلت فكرة تحوت إلى الثقافات الأخرى تحت مسميات متعددة. فى الحضارة اليونانية، ارتبط تحوت بالإله هرمس، الذى كان يُعتبر إله الحكمة والكتابة والرسائل.
تم الربط بين تحوت وهرمس بسبب التشابه فى الأدوار التى لعبها كلا الإلهين فى أساطيرهم، خصوصًا فيما يتعلق بالمعرفة والكتابة. وفى الحضارة الهلنستية، ظهر مزيج بين الشخصيتين فيما يُعرف ب«هرمس الهرامسة» أو «هرمس مثلث العظمة» (Hermes Trismegistus)، وهو شخصية أسطورية تُجمع بين حكمتى الإلهين تحوت وهرمس.
أصبح هرمس الهرامسة شخصية رمزية تُعبر عن الحكمة الخالدة والمعرفة السرية، وله تأثير كبير فى الفكر الغنوصى والفلسفات الروحية التى ظهرت لاحقًا فى العصور الوسطى. أما فى الثقافة الإسلامية، فقد تم الربط بين تحوت وشخصية النبى إدريس، الذى ذُكر فى القرآن كأحد الأنبياء الذين أُعطوا العلم والحكمة.
يُعتقد أن إدريس هو نفس الشخصية الأسطورية التى ارتبطت بتحوت وهرمس، وتم اعتبار إدريس النبى هو الذى نقل العلوم والمعارف إلى البشرية. هناك تقليد قديم يشير إلى أن إدريس هو أول من استخدم الكتابة وأول من اهتم بالحساب والزمن.
تحوت، أو هرمس، لم يقتصر دوره على مصر أو اليونان فقط، بل استمر تأثيره فى الحضارات والثقافات اللاحقة.
فى العصور الوسطى، كانت كتابات «هرمس الهرامسة» مصدر إلهام للعديد من الفلاسفة والمفكرين الذين اهتموا بالعلوم الغامضة والسحر. نُسب إلى هرمس كتابات تتعلق بالفلسفة الهرمسية، والتى ركزت على الأسرار الكونية وعلاقة الإنسان بالكون.
فى تلك النصوص، ظهر تحوت كإله للمعرفة السرية والعلوم الغامضة.
كان يُعتبر كاتبًا للأسرار التى تُمكن البشر من فهم النظام الكونى والعلاقات بين السماء والأرض. وكان للإله تحوت، بصفته إله الحكمة والكتابة فى مصر القديمة، تأثير عميق ليس فقط على الحضارة المصرية ولكن أيضًا على الحضارات اللاحقة.
من خلال دوره فى اختراع التقويم والكتابة، ساهم تحوت فى تنظيم الحياة والزمن للمصريين القدماء. ومع انتقاله إلى الحضارات الأخرى تحت مسميات مثل هرمس وإدريس، استمر تأثيره فى تشكيل الفكر الفلسفى والروحى عبر العصور.
إن عيد رأس السنة المصرية القديمة، المعروف باسم عيد «وِبت» أو «وِبت رِنبت»، كان واحدًا من أهم الاحتفالات التى عاشها المصريون القدماء على مدار تاريخهم الطويل. استمر ذلك العيد من عصر المصريين القدماء وإلى الآن فى شكل عيد النيروز الذى يُحتفل به فى التقويم القبطي. كانت الاحتفالات مرتبطة بالتقويم المصرى القديم، خصوصًا بالتقويم الزراعى الذى كان محور الحياة اليومية والدينية لدى المصريين.
تجديد الكون فى عيد رأس السنة المصرية
عيد رأس السنة المصرية كان يحتفل به فى أول أيام شهر «توت»، وهو الشهر الأول فى التقويم المصرى. كان الاحتفال برأس السنة مرتبطًا بشكل مباشر بظهور نجم الشعرى اليمانية (سيريوس) فى السماء مع شروق الشمس، والذى كان يُعتبر مؤشرًا على فيضان النيل، وهو الحدث الأهم الذى كان يضمن استمرار الحياة الزراعية فى مصر القديمة. كان الفيضان يعد علامة لبداية السنة الزراعية الجديدة؛ إذ كانت مياه النيل تغمر الأراضى الزراعية وتعيد إليها الخصوبة.
كان الملوك المصريون القدماء ينظرون إلى رأس السنة كفرصة للتقرب من الآلهة والتأكيد على ارتباطهم بالسلطة الإلهية. كانوا يقومون بطقوس دينية كبيرة داخل المعابد المختلفة، خصوصًا معبد الإله آمون فى الكرنك أو معبد الإلهة إيزيس فى فيلة.
كانت الطقوس تشمل تقديم القرابين والصلوات للآلهة لضمان نجاح السنة الجديدة وتحقيق الاستقرار والازدهار فى البلاد.
إحدى الطقوس الشهيرة التى كان يؤديها الملوك المصريون القدماء فى ذلك العيد هى طقس «تجديد الملكية»، حيث كان الملك يكرر تجديد تعهده بالحكم العادل ويعيد تأكيد دوره كوسيط بين الآلهة والشعب.
من أبرز مظاهر احتفالات الملوك بعيد رأس السنة كانت العروض الملكية والمواكب الضخمة التى تخرج فى شوارع المدن المصرية، وخصوصًا فى العاصمة.
الملوك كانوا ينظمون مواكب ضخمة تتضمن الجنود والعربات الحربية، حيث كان الملك يجوب الشوارع فى عربته، مرتديًا أفضل الأزياء الملكية ومُحاطًا بالحرس والعائلة المالكة.
كانت تلك العروض تُظهر هيبة الملك وقوته، وتأكيدًا على استمرارية حكمه، كما كانت تعبيرًا عن استعداده لحماية البلاد فى السنة الجديدة. وفى بعض الأحيان، كان الملك يقوم بإطلاق مرسوم عفو عن بعض السجناء، كنوع من إظهار الرحمة تجاه الشعب.
بجانب الطقوس الملكية، كان عيد رأس السنة يشهد احتفالات دينية ضخمة داخل المعابد. كان الملك والملكة ورجال الدين يقومون بتقديم الذبائح والقرابين للآلهة، بالإضافة إلى أداء الطقوس الدينية الخاصة مثل «طقوس الخلق» و»تجديد الكون».
كانت تلك الطقوس تُعتبر وسيلة لضمان أن تستمر الحماية الإلهية على الملك وعلى البلاد فى السنة القادمة. كانت تلك الاحتفالات تتضمن غالبًا تقديم «خبز الحياة» والتماثيل الذهبية الصغيرة للآلهة كرموز للحماية والازدهار.
بالنسبة لعامة الشعب، كان رأس السنة المصرية القديمة مناسبة عظيمة؛ لأنه يتزامن مع فيضان النيل. كان الفيضان يعنى أن الحقول سوف تغمرها المياه وسوف تعود إليها الخصوبة، مما يبشر بموسم زراعى وفير.
كان المصريون القدماء يحتفلون بتلك المناسبة عبر التجمعات الكبيرة بالقرب من النيل؛ إذ يقيمون احتفالات جماعية تتضمن الموسيقى والرقص وتقديم القرابين الصغيرة للنهر.
كان الطعام والشراب جزءًا لا يتجزأ من احتفالات المصريين القدماء برأس السنة. كانت الأطعمة المقدمة فى ذلك العيد غنية ومتنوعة، وتشمل الفواكه والخضروات التى كانت تتوافر بعد الحصاد الصيفي.
وكان المصريون يصنعون أنواعًا من الخبز الخاصة برأس السنة. وفى الريف، كانت العائلات تتجمع معًا لتناول وجبات كبيرة تحت السماء المفتوحة، بينما كان الموسيقيون والراقصون يقدمون عروضهم فى الأسواق والميادين.
بجانب الطقوس الدينية والعائلية، كانت هناك احتفالات شعبية جماعية تشمل إقامة الأسواق الخاصة بتلك المناسبة. فى تلك الأسواق، كان المصريون يبيعون ويشترون كل أنواع البضائع، بما فى ذلك الحلي، والملابس، والمواد الغذائية.
وكانت تلك الأسواق تشهد حضورًا كبيرًا من التجار والحرفيين، الذين كانوا يعرضون منتجاتهم، وخصوصًا الحرف اليدوية التى كانت تُعتبر جزءًا من الهدايا التى يتم تبادلها فى تلك المناسبة.
كان المصريون يعتبرون المسرح جزءًا مهمًا من احتفالاتهم. خلال عيد رأس السنة، كانت تُقام عروض مسرحية تُجسد الأساطير المصرية الشهيرة، مثل أسطورة إيزيس وأوزيريس. كانت تلك العروض فرصة للمصريين للتفكر فى القيم الدينية والروحانية، بالإضافة إلى استمتاعهم بالعروض الترفيهية.
أما الفرق الراقصة فكانت تقدم عروضًا شعبية فى الشوارع والمعابد، وكان الراقصون يلبسون أزياء ملونة ويرقصون على أنغام الموسيقى التقليدية المصرية.
فى المنازل، كان الناس يحتفلون بعيد رأس السنة بإعداد الولائم، وكانت العائلات تتجمع لتبادل الهدايا والتهاني. كان المصريون يتمنون لبعضهم البعض عامًا جديدًا مليئًا بالخصوبة والبركة، وكانت العائلات تُقدم الطعام للفقراء كجزء من طقوس العيد.
كان عيد رأس السنة فرصة أيضًا للتواصل الروحى مع الأجداد. كان المصريون يؤمنون بأن الأجداد الراحلين كانوا يحضرون مع الاحتفالات فى ذلك اليوم المبارك.
لذا؛ كانت تُقام طقوس خاصة لتقديم القرابين للأجداد فى المقابر والمعابد؛ إذ كانوا يأملون أن يمنح الأجداد بركتهم وحمايتهم للعائلة فى السنة الجديدة.
بعد الفتح الرومانى، استمرت الاحتفالات برأس السنة المصرية القديمة بشكل أو بآخر، لكن مع بعض التغيرات. فى الفترة القبطية، تم استبدال التقويم المصرى بتقويم الشهداء (التقويم القبطي) ليكون عيد رأس السنة هو عيد النيروز.
كان النيروز يُحتفل به بنفس الروح؛ إذ حيث كان يُعد عيدًا للأمل والخصوبة والازدهار. يظل المصريون يحتفلون بذلك العيد إلى اليوم، خصوصًا الأقباط، حيث يحتفلون بالنيروز باعتباره عيدًا للشهداء الذين ضحوا بحياتهم خلال فترة الاضطهاد الرومانى.
كان عيد رأس السنة المصرية القديمة أحد أهم الأعياد التى احتفل بها المصريون القدماء.
وكان يرمز إلى بداية جديدة مليئة بالأمل والخصوبة. من الطقوس الملكية الضخمة إلى الاحتفالات الشعبية البسيطة، كان العيد يعبر عن علاقة المصريين العميقة بالطبيعة والدين.
وعلى الرغم من تغير العصور والأنظمة، بقيت روح ذلك العيد حية فى الثقافة المصرية، حيث يحتفل به المصريون إلى اليوم فى شكل عيد النيروز، مستمرين فى إحياء ذكرى جذورهم الحضارية القديمة.
دائرة البروج
لا يعد الزودياك (Zodiac) أو دائرة البروج جزءًا من الأنظمة الفلكية فى العالم الحديث فقط، بل كان نظامًا ارتبط بالحضارات القديمة، ومنها الحضارة المصرية. فى مصر القديمة، كانت الأمور الفلكية والفهم المتقدم للسماء والكواكب والنجوم جزءًا لا يتجزأ من تفكير المصريين. وقد مثل الزودياك بالنسبة لهم مفتاحًا لفهم الزمن، ووسيلة لربط الأحداث الكونية مع الحياة اليومية والدينية.
المصريون القدماء كانوا يمتلكون رؤية مميزة ومعقدة عن الزمن، حيث اعتبروه ليس فقط شيئًا خطيًا يتدفق من الماضى إلى الحاضر ثم المستقبل، بل كان لهم مفهوم دورى وفلسفى عميق عن الزمن. كان الزمن بالنسبة لهم دوريًا ومرتبطًا بالتجديد والتكرار.
تجسد ذلك المفهوم الدورى للزمن فى فيضان نهر النيل السنوي، الذى كان يرمز لتجديد الحياة وتجديد الخصب فى الأراضى الزراعية. وكان للزمن عند المصريين طابع أبدي؛ الزمن الحقيقى الذى كانوا يقدرونه هو الزمن الذى يمر على الأرواح والآلهة.
لذا، كانت الحياة الدنيا مجرد مرحلة مؤقتة على الطريق إلى الأبدية. كانت الآلهة يحتلون مركزًا مهمًا فى فهم الزمن؛ إذ كان الإله «رع» يمثل الشمس التى تجدد العالم كل يوم بعد الغروب. كما كان الإله «تحوت» (إله الزمن والكتابة) يلعب دورًا مهمًا فى تحديد الفترات الزمنية والتقويمات.
كان الزودياك أو دائرة الأبراج معروفًا عند المصريين القدماء؛ إذ لاحظوا أن حركة الشمس والكواكب والنجوم تؤثر على الحياة الأرضية. يتألف الزودياك من مجموعة من الكواكب التى تمر بها الشمس فى مسارها السنوي.
طور المصريون القدماء تقاويم معقدة تعتمد على حركة النجوم، وكان لهم فهم متقدم للفصول السنوية وتأثيرات تلك الكواكب على الحياة اليومية.
كان المصريون مهتمين بشكل خاص بموقع النجوم، لا سيما نجم الشعرى اليمانية (سيريوس)، الذى كان يرتبط بفيضان النيل وبداية السنة الزراعية. كان ظهور ذلك النجم مؤشرًا لبداية فيضان النيل، وبالتالى بداية الحياة الجديدة للمصريين.
كان الزودياك يمثل ليس فقط معرفة فلكية، بل كان يعكس علاقة المصريين بالزمن والدورات الكونية الكبرى.
لم يعتبر المصريون القدماء الزمن مجرد عنصر خطى يتدفق بلا نهاية، بل كانوا ينظرون إليه كدورة تتكرر مرارًا وتكرارًا.
كانت الفلسفة المصرية القديمة تعتمد على فكرة الخلود والتجديد الدائم. تعكس تلك الرؤية اعتقادهم العميق فى الحياة بعد الموت، وفى الانتقال إلى عالم الآخرة الذى لا يتوقف.
لم يكن الزمن عند المصريين مقيّدًا فقط بالأحداث الطبيعية مثل شروق الشمس أو فيضان النيل، بل كان له معنى فلسفى أعمق.
كان الزمن يعتبر وسيلة لتحقيق الخلود من خلال العلاقة المستمرة بين الأحياء والآلهة والأرواح.
تجسدت تلك الفكرة فى المعتقدات الجنائزية والطقوس المرتبطة بالحياة الآخرة.
كان الزمن يلعب دورًا كبيرًا فى الفنون المصرية القديمة. فى الرسوم والنقوش الموجودة فى المعابد والمقابر، نلاحظ تمثيلات للآلهة والشخصيات الملكية وهى تكرر أفعالًا معينة أو تحتفل بمناسبات معينة. كان الفن المصرى القديم يتعامل مع الزمن ليس كشيء يتلاشى مع مرور الأيام، بل كعنصر أبدى يظل حاضرًا من خلال الرموز والطقوس.
كان الزودياك حاضرًا فى الفن المصرى القديم أيضًا. فى معابد مثل دندرة، نجد نقوشًا فلكية تصور دائرة البروج والنجوم. لم تكن تلك النقوش مجرد أعمال فنية، بل كانت تمثل رؤيتهم العميقة للعالم الكونى والزمن.
كما أن الأهرامات والمعابد الكبيرة كانت بمثابة محاولات لتمثيل الأبدية فى الحجر، حيث كانت تعتبر مواقع زمنية مقدسة تربط بين العالم الأرضى والعالم الإلهي.
كان الزمن عنصرًا محوريًا فى الدين المصرى القديم. كان الآلهة يُعتبرون حكام الزمن ودوراته. كان هناك آلهة معينة مرتبطة بشكل مباشر بالزمن، مثل الإله تحوت، الذى كان إله الحكمة والكتابة والزمن.
كان تحوت يُعتبر مخترع التقويم وحامى الزمن والكاتب الذى يسجل أيام البشر وأفعالهم. وكانت لتحوت أهمية خاصة فى علاقة المصريين بالزمن، حيث يُنسب إليه دور تسجيل حياة الإنسان وحساب وقته على الأرض، كما أنه كان يسجل أسماء الملوك والملكات ويضمن استمرار الحكم الملكى بشكل صحيح ودوري.
يأتى ارتباط تحوت بالزودياك من دوره كمنظم للكون وضامن لتوازن الفلك والزمن. أيضًا، كانت الآلهة مثل «ماعت»، إلهة العدالة والنظام، مرتبطة بتوازن الزمن. كانت ماعت تمثل النظام العالمى الذى يجب أن يسود الكون، والذى كان الزمن جزءًا أساسيًا منه. كان الملوك المصريون يؤمنون أنهم يخدمون ماعت من خلال تحقيق العدل والحفاظ على توازن الزمن فى حكمهم.
من الناحية العملية، كان الزمن مرتبطًا بشكل مباشر بتنظيم الحياة اليومية فى مصر القديمة. اعتمادًا على الفصول وتغيراتها، كان الفلاحون يعلمون متى يزرعون ومتى يحصدون.
التقويم المصرى القديم، الذى يعتمد على السنة الشمسية، كان يستخدم لتنظيم النشاط الزراعى والطقوس الدينية. لكن، بجانب التقويم الشمسي، كان المصريون يستخدمون تقويمًا نجميًا يعتمد على موقع النجوم الرئيسية فى السماء.
كانت تلك المعرفة الفلكية أساسية لضمان استمرارية الحياة فى مصر، حيث كان من المهم جدًا معرفة موعد فيضان النيل، الذى يمثل الحياة نفسها.
من مصر القديمة، انتقلت فكرة الزودياك إلى حضارات أخرى، حيث أصبحت جزءًا من الأنظمة الفلكية والدينية فى الشرق الأوسط واليونان. فى اليونان، ارتبط الإله المصرى تحوت بالإله «هرمس»، الذى كان أيضًا إلهًا للحكمة والكتابة والزمن.
تُعرف تلك العلاقة بين الإلهين باسم «هرمس المثلث العظمة» (Hermes Trismegistus)، حيث تم دمج الفكر المصرى القديم مع الفكر اليونانى والروماني. فى الفلسفة الهلنستية، كان الزودياك يُعتبر عنصرًا أساسيًا لفهم الكون وترتيب حياة البشر وفقًا لحركة النجوم.
ومع أن فكرة العودة إلى النظام الفلكى المصرى القديم تُعتبر اليوم مجرد اهتمام أكاديمى لدى بعض المهتمين بتاريخ الفلك؛ إذ تغيرت الأساليب والتقنيات الفلكية.
ومع ذلك، ما يزال الفلك والزودياك يحتفظان بمكانتهما الثقافية والفنية؛ إذ يظهران فى الأبحاث والكتب التى تستعرض الأمور الفلكية القديمة والفن المصري.
لقد كان الزودياك والفهم الفلكى للزمن عند المصريين القدماء عنصرين أساسيين فى حياتهم الواقعية والدينية والفلسفية.
وكانت رؤية المصريين للزمن كدورة مستمرة تتجدد مع فيضان النيل وظهور النجوم، وتعكس فلسفتهم العميقة عن الخلود والحياة بعد الموت.
وتركت تلك الرؤية أثرًا واضحًا على فنهم ودينهم وتفكيرهم الفلسفي، وانتقلت لاحقًا إلى حضارات أخرى.
لم يكن الزمن مجرد وسيلة لقياس الأيام عند المصريين القدماء، بل كان جوهرًا فلسفيًا وروحيًا يربط بين الحياة الأرضية والعالم السماوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.