اتخذت التطورات على صعيد العدوان الإسرائيلى على لبنان منحى تصعيديًا خطيرًا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بعد إعلان إسرائيل رسميًا تصفية واغتيال زعيم حزب الله اللبنانى حسن نصر الله خلال قصف استهدف بنايات بضاحية بيروت الجنوبية. وانصب تركيز المحللين على قراءة التطورات الجارية فى ضوء تداعياتها على مسار العدوان الإسرائيلى على لبنان. فهل يؤدى اغتيال نصر الله إلى وقف الحرب أم ينذر بالانفلات إلى حرب إقليمية مفتوحة؟ أما بالنسبة للجانب الإسرائيلى فلا يبدو أن اغتيال نصر الله سيمثل نهاية للحرب، إذ كانت تصفية زعيم الحزب جزءا من مخطط كامل لاقتلاع قواعد الحزب فى لبنان ومنعه من الوجود السياسى والميدانى فى البلاد مستقبلا. اقرأ أيضًا| حزب الله ينعى قائده وغارات جديدة تزلزل الضاحية ووفقًا لمشروع نفذه معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلي، ونُشر عام 2021 بعنوان «الحرب القادمة فى الشمال: السيناريوهات والبدائل الاستراتيجية والتوصيات»، فجنوب لبنان يمثل أحد أخطر دوائر التهديد تجاه إسرائيل. ونظرًا لقربه المباشر من الحدود فإن «قوة الرضوان» بحزب الله يتاح لها التسلل وشن هجوم برى يستهدف تجمعات سكانية وأصولا عسكرية فى الجليل كما يملك الحزب أكثر من 150 ألف صاروخ متنوع المدى مما يهدد كل المدن الإسرائيلية. وأُدرج لبنان مع سوريا ضمن «الدائرة الأولى» من التهديد داخل جيش الاحتلال، بينما أُدرج العراق ضمن «الدائرة الثانية»، فيما أُدرج إيران واليمن ضمن «الدائرة الثالثة». وظل الكابوس الذى يخشى منه الخبراء العسكريون الإسرائيليون هو حدوث حرب متزامنة متعددة الجبهات فى الدوائر الثلاثة بالتزامن مع اشتعال غزة والضفة الغربية، ضمن ما أطلقوا عليه «حلقة النار» الإيرانية. والهدف من الحرب وفق هذا السيناريو هو هزيمة حزب الله عسكريا فى لبنانوسوريا من خلال تدمير قدراته العسكرية وبنيته التحتية، وتنفيذ عملية برية تصل إلى بيروت لإحداث تغيير استراتيجى فى الوضع داخل لبنان. وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كتب فى مذكراته التى نشرها عام 2022 بعنوان «بيبي: قصة حياتي»: «إن الخطر الأكبر على وجود إسرائيل لا يكمن فى الدول العربية، إنما فى إيران.. أنا على استعداد لخوض حرب تقليدية مع إيران من أجل تجنب الحرب مع إيران المسلحة نوويًا»، وهو ما يتضمن استهداف المشروع النووى الإيرانى وتحطيمه. أما من جانب حزب الله، فبحسب المحللين أدركت الجماعة أن سياسة ضبط النفس والردود المحدودة على كسر قواعد الاشتباك شجعت تل أبيب على التمادي، وأيقنت أن الخوف من التصعيد نحو الحرب الشاملة يعنى فقدان زمام المبادرة. لكن الحزب الذى تعرض لضربات مؤلمة متتالية بدءا من استهداف وتصفية قياداته بشكل متلاحق فى ضربات دقيقة ثم تفجير اجهزة الإرسال والنداء قبل نحو أسبوعين بما أسفر عن إصابة الآلاف من أعضائه، ربما لن يكون قادرا على التصعيد أمام إسرائيل. وقال تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن اغتيال نصر الله يعد أقوى مؤشر على أن الجماعة مخترقة تماما بواسطة أجهزة المخابرات الإسرائيلية. ومن جهتها، قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن القواعد التقليدية المعروفة التى لطالما حكمت الردع بين حزب الله وإسرائيل قد تدمرت تماما. فكان ثمة تفاهم أن كبار الشخصيات فى الجماعة المسلحة لن يتم استهدافهم. ونقلت رويترز عن محللين إن قتل نصر الله سيوجه ضربة قوية للجماعة اللبنانية المدعومة من إيران التى يقودها منذ 32 عامًا. وقال مهند الحاج علي، نائب مدير الأبحاث فى مركز كارنيجى للشرق الأوسط فى بيروت إنه حتى استبدال نصر الله سيكون تحدياً أكبر الآن من أى وقت مضى منذ سنوات، بعد سلسلة من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التى أدت إلى مقتل كبار قادة حزب الله وأثارت تساؤلات حول أمنه الداخلي. وأضاف: «سيتغير المشهد برمته بشكل كبير، اذ كان نصر الله بمثابة الغراء الذى جمع منظمة متوسعة». ومن جهتها، قالت لينا الخطيب، الزميلة المشاركة فى معهد تشاتام هاوس للسياسات فى لندن أن «حزب الله لن ينهار إذا قُتل نصر الله أو أصيب بالعجز، لكن هذا سيكون بمثابة ضربة قوية لمعنويات الحزب. كما أنه سيؤكد تفوق إسرائيل الأمنى والعسكرى وإمكانية الوصول إليها». وأعلن حزب الله مسئوليته عن عدة هجمات صاروخية على إسرائيل فى الساعات التى أعقبت هجوم بيروت، فيما قال محللون إنها محاولة لإظهار أنه لا يزال بإمكانه تنفيذ مثل هذه العمليات».