كل التقديرات تشير إلى أن الدورة الجديدة للأمم المتحدة ستكون «دورة فلسطين» فى ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية من جانب، وفشل مجلس الأمن فى القيام بدوره بسبب الانحياز الأمريكى لإسرائيل من ناحية ثانية، ثم - وهذا هو الأهم - تنامى التأييد الدولى لقضية فلسطين سواء من الشعوب أو الحكومات من جهة ثالثة. الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى تمثل كل أعضاء المنظمة الدولية كانت قد استبقت بدء الدورة الجديدة بقرار تاريخى يستند إلى الفتوى المهمة التى أصدرتها محكمة العدل الدولية. وأكدت فيها عدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، ليجىء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حاسمًا وبأغلبية كاسحة ليطلب اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنهاء الوجود الإسرائيلى على كل الأرض الفلسطينيةالمحتلة فى غزة والضفة والقدس الشرقية خلال 12 شهرًا. كما يفرض القرار منع استيراد أى منتجات من المستوطنات الإسرائيلية، وكذلك منع إرسال السلاح لإسرائيل إذا توافرت شبهة استخدامه فى الأرض المحتلة. وكما استبقت دول العالم بدء الدورة الجديدة للأمم المتحدة بهذا القرار التاريخى، استبقت إسرائيل الحدث الدولى بالعدوان الهمجى على لبنان الشقيق، الذى كان أحد أهدافه الأساسية أن ينقل مركز الاهتمام العالمى من فلسطين إلى المسرح الجديد لجرائم الحرب الإسرائيلية على أرض لبنان، ورغم بشاعة الجرائم الإسرائيلية التى استهدفت المدنيين قبل المقاتلين من «حزب الله»، ورغم عدم التوازن فى القوة العسكرية فقد كان رد المقاومة اللبنانية حاسمًا فى أن إيقاف حرب الإبادة على الشعب الفلسطينى فى غزة هو السبيل لاستعادة الهدوء على كل الجبهات. بعد أيام قليلة من الصمت السياسى والتشجيع الإعلامى من دول الغرب وفى المقدمة أمريكا، كان التيقظ لخطورة الموقف والتحذيرات المتوالية بأن التصعيد نحو حرب شاملة لن يكون فى مصلحة إسرائيل. ولم يتعامل نتنياهو بجدية مع هذه التحذيرات إلا بعد أن وصله التحذير الأهم والأخطر مع وصول الصاروخ الباليستى إلى تل أبيب مستهدفًا مقر المخابرات الإسرائيلية، لتبدأ المشاورات المحمومة حول وقف إطلاق النار فى ظل تأكيد كل الإطراف «ما عدا الطرف الإسرائيلى بالطبع»، بأن الحرب الشاملة ليست خيارًا مطروحًا بالنسبة لهم، وبأن جريمة إسرائيل المروعة فى غزة لا يمكن السماح بتكرارها فى لبنان. وأيًا كانت نتائج محاولات التهدئة على الجبهة اللبنانية، ومع الأخذ فى الاعتبار أن نتنياهو سيظل مخلصًا لفكرة الهروب من حرب إلى أخرى.. فإن الحقيقة الأساسية ستبقى أن فلسطين ستظل هى العنوان الدائم والحد الفاصل بين الحرب والسلام فى المنطقة، وأن إنهاء حرب الإبادة فى غزة هو مفتاح التهدئة على كل الجبهات، وأن تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنهاء الوجود الإسرائيلى كقوة احتلال على الأرض الفلسطينية خلال عام هو المهمة الأساسية التى أصبح على مجلس الأمن تنفيذها أو إعلان فشله النهائى كأداة لحفظ السلام والأمن فى العالم بسبب ممارسات القوى الكبرى، التى رأيناها تعطل العدالة وتشل الإرادة الدولية لتحمى دولة مارقة تمارس الإبادة الجماعية وترتكب كل جرائم الحرب فى فلسطينولبنان ثم تنجو - حتى الآن - من العقاب. فى كل الأحوال.. ستكون «فلسطين» هى عنوان هذه الدورة للأمم المتحدة، وستكون إسرائيل - رغم كل الانحياز الغربى - هى المطلوب الأول للعدالة السياسية والقانونية، وسيكون النظام العالمى كله فى اختبار «قد يكون الأخير» لقدرته على البقاء أو الانهيار الكامل إذا استمر فشله من خلال فشل مجلس الأمن ليس فقط فى تنفيذ قرارات دول العالم فى الجمعية العامة، بل فى تنفيذ قراراته هو كما حدث مع قرار إيقاف حرب الإبادة فى غزة!! فى كل الأحوال.. تفشل كل المحاولات والمؤامرات، وتظل فلسطين هى القضية وتفشل محاولات تصفيتها بالصفقات والتطبيع المجانى المشبوه، أو بالإبادة الجماعية والقتل والدمار، حتى لو تأخر القصاص أو امتد العدوان إلى لبنان وحتى لو أدى التراخى فى تطبيق العدالة أن يقف مجرم حرب ليتحدث أمام الأمم المتحدة!!