شهد الأسبوع الماضي جملة من التحولات والتطورات المتلاحقة جراء تمدد الحرب التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة قبل عام تقريبَا، بعد أن اتجهت الأنظار على نحو أكبر باتجاه الجبهة الشمالية لدولة الاحتلال فى جنوبلبنان، في أعقاب تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية «البيجر» التي يستخدمها عناصر حزب الله اللبناني، وما تبع ذلك من اغتيال قائد «قوة الرضوان» وهى وحدات النخبة بالحزب إبراهيم عقيل، الأمر الذى طرح تساؤلات عديدة حول جدوى غياب الرد الإيراني على إسرائيل بعد أن جرى استهداف عمقها وضرب أذرعها بالمنطقة. ◄ طهران تختفى خلف مفاوضات وقف الحرب للتهرب من الرد ◄ الضربات الأخيرة على حيفا جزء من ردوده على خسائر الفترة الماضية وعمد حزب الله اللبنانى على أن يكون تحركه فرديَا، إذ استهدف، الأحد، قاعدة ومطار «رامات ديفيد» الواقعة جنوب شرق حيفا بعشرات الصواريخ، وقال إن ذلك يأتى ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التى استهدفت مختلف المناطق اللبنانية والتى أدت إلى سقوط العديد من المدنيين، فيما قالت قوات جيش الاحتلال إن سلاح الجو ينفذ غارات تستهدف مواقع إطلاق صواريخ جنوبىلبنان، فى إشارة لمعرفته بمواقع إطلاق الصواريخ والتعامل معها. ■ ضربات حزب الله إسرائيل ◄ تفاصيل الضربات وبعيداً عن تفاصيل الضربات العسكرية التى لم تتوقف بين إسرائيل وحزب الله منذ انطلاق الحرب على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر الماضي، فإن هناك واقعاً جديداً تشكل على الأرض الآن يتمثل فى إقدام دولة الاحتلال على ضرب ما يسمى ب«محور المقاومة» متمثلاً فى إيران وأذرعها بالمنطقة، دون أن تتعرض لردود مماثلة للحماقات التى ارتكبتها، بخاصة فى أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية، وهو ما يمنح الاحتلال إشارات خضراء للاستمرار فى خططه الساعية لتوسيع دائرة الصراع اعتماداً على ضعف الأضرار التى يتلقاها وتتأثر بها من خلفه الولاياتالمتحدة التى تستريح للوضع القائم. تتناثر الأحاديث حول مساعى إيران وحزب الله تفويت الفرصة على إسرائيل للانجرار إلى حرب شاملة الآن وفقا لرغبة الأولى، ويعد ذلك مبرراً لضعف الردود أو غيابها فى أحيان أخرى، غير أن ذلك خلق تغييرًا فى موازين القوى بالمنطقة لصالح معسكر إسرائيل والولاياتالمتحدة والقوى الغربية المتحالفة معهما، على حساب المعسكر الشرقى الذى تقوده روسياوالصينوإيران ما يؤشر على أن الاحتلال قد يمضى فى جرائمه وهو يدرك بأنه سيحقق انتصارات لا محالة. يمكن القول بأن إسرائيل سعت طيلة السنوات الماضية لأن تصور إلى أن هناك «بعبع» يقابلها فى جنوبلبنان ومن خلال دولة إيران وكذلك فى اليمن وتسعى لأن تشكل قوة ضاربة للتعامل معه بينما هى تدرك بأنها تمتلك الإمكانيات التى تؤهلها لتطويع هذا البعبع بما يخدم قوتها المزعومة فى حين أنها لم تواجه بردود قوية تختبر قدرتها على التعامل مع توالى الضربات الموجهة إليها فى آن واحد، وهو ما يجعل منطقة الشرق الأوسط تدفع ثمن التصعيد الكلامى والأحاديث الرنانة دون أن يكون ذلك مبنيَا على أسس راسخة يمكن أن تشكل نقطة انطلاق للتعامل مع خطط الاحتلال التوسعية. ◄ اقرأ أيضًا | 4 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال وسط وجنوبغزة ◄ رد نصر الله وسبق أن هدد أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، فى مطلع أغسطس الماضى ب«رد حقيقى ومدروس جداً» على اغتيال القائد العسكري البارز فى الحزب، فؤاد شكر، الذى اغتالته إسرائيل بضربة جوية استهدفت مبنى فى منطقة حارة حريك، بضاحية بيروتالجنوبية، مشيراً إلى أن الرد سيكون مختلفاً عن سياق العمليات العسكرية، ولم يكن الرد بالقوة التى يمكن أن تدفع إسرائيل لخسائر فادحة أسوة بخسارة شكر، إذ أعلن الحزب ضرب قاعدة غليلوت الإسرائيلية التى كانت هدفا رئيسياً وأساسياً للحزب، مؤكداً أن قواته أطلقت أكثر من 300 صاروخ كاتيوشا، وقلل الاحتلال من تأثيراتها فيما اعتبرها حزب الله ضربة ناجحة. أقر الأمين العام لحزب الله اللبنانى حسن نصر الله فى خطاب له أن الحزب تلقى «ضربة كبيرة»، وتوعد إسرائيل «بحساب عسير وقصاص عادل»، متهمًا إياها بتجاوز «كل الضوابط والخطوط الحمراء»، وذلك فى أعقاب تفجيرات أجهزة الاتصال التى يستخدمها حزبه، والتى أسفرت عن 37 قتيلا و3539 جريحًا، حسب وزير الصحة اللبنانى فراس الأبيض. وقال إن يومى الثلاثاء والأربعاء كانا «أياما ثقيلة ودامية وامتحانا كبيرا»، مشددا على أن «هذه الضربة الكبيرة والقوية وغير المسبوقة لم تسقطنا ولن تسقطنا»، وتوعد زعيم حزب الله إسرائيل «بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون»، مشيرا إلى أنه لن يحدد مكان أو زمان أو شكل الرد. ◄ صواريخ فادي وقال الباحث فى الشؤون الإقليمية، أحمد سلطان، إن الضربات الأخيرة لحزب الله على حيفا تعد جزءاً من ردوده على الخسائر التى تعرض لها خلال الفترة الماضية، ويحاول من خلالها إرسال مجموعة من الأسئلة مفادها أنه لديه المقدرة على تنفيذ بعض التهديدات التى أعلنها سابقَا فى الوقت الذى يرفض فيه أيضَا الانخراط فى التصعيد بشكل كامل، مشيراً إلى أن إقدام أجهزته الإعلامية على تصوير ميناء حينما وعدد من الهيئات والشركات العسكرية الإسرائيلية يهدف من خلالها التأكيد على قدرته الوصول إليها. وأضاف أن حزب الله استخدم فى ردوده الحالية صواريخ فادى وهى ليست دقيقة بشكل كبير لكنها أبعد فى المدى ويمكن أن تصل إلى نحو 50 كيلو مترًا بما يؤكد على أن الحزب بإمكانه الإضرار بميناء حيفا ومعامل تكرير البترول، وأنه لن يكون لقمة سائغة بالنسبة لإسرائيل، مشيراً إلى أن حزب الله يعلم أن معركته مع إسرائيل قادمة وليست فى الوقت الحالى ويحاول أن يتجنب تدمير بنيته العسكرية وهو يستعد لأى معارك متوقعة مستقبلاً. ◄ حالة غضب وأشار إلى أن تصعيد حزب الله حاليًا سيكبده العديد من الخسائر فى مقدمتها خسارة قاعدته الشعبية فى الضاحية الجنوبية وفى حال دخل فى حرب شاملة مع دولة الاحتلال فإن الخسائر ستكون مدمرة وهو لا يريد تدمير هذه الحاضنة، وفى الوقت ذاته فإن رده السريع الآن دون أن يكون مصاحبَا لخسائر كبيرة هو رسالة ليس فقط لإسرائيل ومن خلفها الولاياتالمتحدةالأمريكية لكنه رسالة أيضَا إلى إيران فى ظل حالة الغضب داخل فصائل محور المقاومة من التراخى الإيرانى والتلويح كل فترة بأن طهران سترد دون أن يحدث ذلك بل إنها تنخرط فى مفاوضات يقودها عدة وسطاء بينها وبين إسرائيل من خلال الولاياتالمتحدة ودول أوروبية وعربية للاتجاه نحو التهدئة وليس توسيع رقعة الصراع، وبالرغم من ذلك فإن إسرائيل لا تلتزم ووجهت ضربات موجهة لحزب الله. وشدد سلطان على أن دولة الاحتلال تهدف إلى إضعاف حزب الله من خلال توجيه ضربات تكتيكية دون أن تتحول إلى استراتيجية شاملة للصراع وأن الحزب فى المقابل كان يريد أن يلتقط الأنفاس بضربة محدودة توجهها إيران إلى إسرائيل رداً على مقتل إسماعيل هنية لكن ذلك لم يحدث وظلت طهران تنخرط فى المفاوضات وسمحت للاحتلال بالتمادى فى ضرباته بالضاحية الجنوبية. وذكر أن هناك مشروعين توسعيين بالمنطقة يهدفان للسيطرة عليها، أولها المشروع الإيرانى والثانى الذى ترعاه الولاياتالمتحدة وتقوده إسرائيل، وأن ما يحدث الآن هو صراع بين هذين المشروعين المتناقضين وكل منهما يرى خصمه عدواً يجب أن يقضى عليه، ويعمل على إضعافه بكافة السبل، وأن إسرائيل تهدف فى الوقت الحالى لاستغلال ضعف إيران وتدرك أنها إذا نجحت فى أن يحل الدمار الشامل فى المنطقة فإنها سوف تتجه لتوقيع اتفاقيات سلام دون أن تضطر لأن تقدم تنازلات جديدة، كما أن ذلك يخدم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى يرعى المشروع التوسعى ويريد أن يطيل أمد بقائه فى السلطة، وفى الوقت ذاته فإن ما يحدث حاليَا يخدم الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تريد أن تتعامل مع أى دولة مارقة فى المنطقة والتفرغ للتنافس الجيوستراتيجى مع الصين، وهى تدعم إسرائيل فى مسعاها نحو جر المنطقة بأكملها إلى صدام. ◄ تأخر طهران ومن جانبها قالت الدكتورة نانيس فهمي الباحثة المتخصصة فى شؤون الأمن الإقليمي، إن إيران تأخرت في ردها على إسرائيل منذ وقت اغتيال إسماعيل هنية قبل شهرين تقريبَا، رغم أن الحادث وقع على أراضيها وبصورة تنتهك سيادتها واستقرارها ومكانتها، وأن مبررات منح الفرصة لمفاوضات وقف إطلاق النار فى قطاع غزة كانت الستار الذى تخفت خلفه طهران للبقاء فى الوضعية الراهنة. وأوضحت أن إيران جرى تحجيمها من خلال العقوبات الكبيرة التى جرى فرضها عليها من جانب فرنسا وألمانيا والولاياتالمتحدة بتهم إمداد روسيا بالصواريخ البالستية كما أن التحركات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وإرسال تعزيزات عسكرية سواء كان ذلك من خلال حاملات الطائرات أو الغواصات التى كشفت عن أماكنها كان ذلك بمثابة رد استباقى على إيران لإثنائها عن الرد، إلى جانب الضغوط الدبلوماسية التى جاءت على حكومة جديدة تولت فقط منصبها منذ شهر ونصف ولديها اتجاه إصلاحي، بالإضافة إلى بعد عسكرى آخر يرتبط بحديث الحرس الثورى حول ضرورة أن يكون الرد مفاجئاً وقويا وهو ما يجعلنا أمام ردود متوقعة إما من خلال المسيرات الإيرانية مثلما استهدفت العمق الإسرائيلى فى إبريل الماضى أو عبر وكلائها فى المنطقة.