أصبح الفهم ثقيلاً. كيف تسلل الموساد إلى أجهزة البيجر الخاصة بحزب الله فى لبنان، وعبأها بشحنات صغيرة ناسفة انفجرت فى وجوه وأيدى المستهدفين أعضاء الحزب. والرسالة هى: نستطيع الوصول إليكم فى عقر داركم، ونختار الوسيلة المناسبة لقتلكم، سواء بالغارات أو المسيرات أو القنابل الموقوتة أو البيجر. وأيضاً: وصل «الفُجر» الإسرائيلى ذروته، دون رادع أو حساب أو مساءلة، فى ظل العجز المخجل للنظام العالمى وفى قلبه الأممالمتحدة، وكأنها رسالة للدول الباطشة، أن تفعل ما تشاء بالدول الضعيفة، دون خشية من أحد، والانتقام من الدول والشعوب العربية والإسلامية ووضعهم فى خانة «العجز». وكل الجرائم الإسرائيلية المعلومة تُقيد ضد مجهول. لم يخرج بيان إيرانى واحد، يوضح كيف تم قتل إسماعيل هنية فى معسكر أمن تابع للحرس الثورى، وتاهت الحقيقة فى التسريبات التى تعلق الحادث فى رقبة إحدى دول الجوار، ثم فى أحد المعسكرات داخل إيران، وتوالت التصريحات غير الرسمية، مثل تفجيره بالريموت أو قنبلة تم زراعتها فى سرير نومه، وقيد الحادث ضد مجهول. وكان الرد على الضربة المهينة هو «غارات التصريحات الكلامية»، تهدد وتتوعد بالرد الحاسم، ولم يحدث رد ولن يحدث، ولن تورط إيران نفسها فى حرب لا تقدر عليها. وتوالت عمليات اصطياد عناصر حماس وحزب الله وقتلهم، رغم الإجراءات التأمينية الضخمة التى يحيطون أنفسهم بها، ولم تمنع أيدى الموساد القذرة من الوصول إليهم فى المعسكرات الآمنة وفى غرف نومهم. أصبح الفهم ثقيلاً. وصارت الصدور عارية وتتلقى الرصاص فى صمت وعجز، ولا تنفعها دروع ولا إجراءات مشددة، ولا أسماء مستعارة يتخفى وراءها قادة حماس وحزب الله، متصورين أن تغيير الأسماء والصفات كفيل بالحماية. قتل فؤاد شكر فى معقل حزب الله، وقتل إسماعيل هنية فى ثكنة الحرس الثورى الإيراني، وأشارت أصابع الاتهام إلى الاختراق، دون أن تحدد العناصر المتورطة، وكيف استطاعت إسرائيل أن تصل إليهم وتجندهم، حتى يمكن تحديد الأسباب وتلافيها مستقبلاً. والسؤال هنا: هل تعجز إسرائيل عن الوصول إلى مكان الرهائن فى غزة والسنوار، رغم قدرتها على اختراق الأنظمة الأمنية المحكمة لحزب الله والحرس الثورى الإيرانى ؟ المؤكد أن نتنياهو لا يريد تحرير الرهائن ولا الوصول إلى نفق السنوار، حتى لا تنتهى المهمة وتبدأ سلسلة محاسبته والعقاب وكشف أسرار المقابر الجماعية والفشل العسكرى فى غزة، ومن الأفضل له أن تظل الأوضاع مشتعلة والحرب مستمرة. نتنياهو يشتت الانتباه فى حروب على كل الجبهات، وتتراجع قضية غزة عن صدارة الاهتمامات، ويعجز النظام الدولى عن ردعه وصارت الأممالمتحدة مثل الرجل العجوز العاجز عن إدارة تركة النزاعات الدولية المشتعلة، تحت مظلة التأييد الأمريكى بالتصريحات والسلاح.