كفى بها ونعمة أن يَمُنّ عليك المولى عز وجل بزيارة المقام الشريف لتجد نفسك فى لحظة مهيبة وقد دخلت إلى الروضة الشريفة، ومُنحت نعمة الصلاة فى صحنها. شعور لا يضاهيه أى شعور، فبينما أنت تخر ساجدًا بين يدى مولاك فإذ بروحك ترتقى لتحلق فى رحاب ربانية ليس كمثلها شىء. ما أن تنتهى صلاتك ستقودك قدماك لتجد نفسك وقد وقفت أمام القبر الشريف، حيث يرقد الجسد الطاهر، لن تتمالك نفسك وستجرى الدموع على وجنتيك، وسيجرى ذكر سيد الخلق على لسانك تناديه وتناجيه بعبارات اليقين «السلام عليك يا أيها النبى، السلام عليك يا سيدى يا رسول الله، أشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة». فى رحاب حضرة النبى تُحلق الأرواح فى أنوار نبوية يكاد سنا ضيائها يذهب بالأفئدة. ستنتهى الزيارة والرحلة ولكن حالة الوجد والأشواق ليس لهما نهاية، ستعود أدراجك إلى مصر حاملًا محبة جلال سيدنا النبى لتكتشف أن تلك المحبة وقد تحولت إلى سياق اجتماعى يشيع البهجة والسلام والطمأنينة، فى مصر نُحب سيدنا النبى، وسيدنا النبى يحب مصر. فى حضرة سيدنا النبى يعيش العاشق المشتاق جنته على الأرض، فى حضرة سيدنا النبى تنكشف الغمة، حضرة سيدنا النبى دليل ونبراس، فإذا كانت محبته -صلى الله عليه وسلم- أذكارًا وترانيم، فإنها قد تحولت على أرض مصر إلى دستور للمحبة. يقول العارفون إن العبد إذا أحبه ربه ألزم لسانه بدوام الصلاة على سيدنا النبى، وقبل أن يصلى لسانك فليخضع قلبك بالصلاة حقًا وصدقًا ويقينًا. ليس مشروطًا أن تحفظ صيغًا محددة لتلك الصلاة. فقط استدعى واستحضر محبة سيدنا النبى إلى وجدانك، لتجد قلبك وقد خفق وصلى وسلم وبارك على أشرف الخلق قبل اللسان، استحضر المحبة وعش فى رحابها تطب دنياك وآخراك، اللهم صل وسلم وبارك على حضرة سيدنا النبى الفاتح لما أُغلق والخاتم لما سبق. ناصر الحق بالحق والهادى إلى صراطك المستقيم وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم. فى مصر تكاد لا تنقطع الصلاة على أشرف المرسلين عن ألسن المصريين على مدار الساعة، لقد تحول الذكر النبوى إلى عادة لغوية يومية تكشف عن درجة عالية من العشق قد تمكنت من قلوب المصريين. فى مصر يبدأ المصريون يومهم بالصلاة على سيدنا النبى طلباً للرزق والبشارة والتيسير. فى مصر يتوسل المصريون إلى ربهم بالصلاة على سيدنا النبى، يدركون المقام، ويحفظون للمقام مقامه. فى مصر يدفع المصريون بالصلاة على سيدنا النبى فإذا ما بينهم من شحناء أو غضب عابر وقد راحت إلى حالة من العفو والصبح. فى مصر تسكن محبة الرسول قلوب الجميع. قبل فترة حكت لى سيدة فاضلة كانت أحوال الدنيا قد تبدّلت عليها من غنى إلى حاجة وعوز وقد تعبت وأُرهقت لدرجة أنها استدانت لتذهب تبث شكواها إلى رسول الله أمام قبره الشريف، ذهبت إلى المقام الشريف وعنده بكت بكاءً شديدًا وقالت جملة واحدة بالعامية «أنا اتبهدلت يا رسول الله». ولأن اللجوء كان صادقًا فكانت الإجابة سريعة.. تقول السيدة ما إن عادت وهى فى المطار حتى فوجئت باتصال يدعوها لعمل كانت ترجوه رجاءً كبيرًا حتى يقيها من تبدل الحال القاسى الذى جرى عليها.. وقد كان. فى حضرة سيدنا النبى وفى استحضار سيرته ومسيرته حياة مختلفة لا يراها ولا يدركها إلا من ذاق حلاوة فضل الصلاة على رسول الله. لقد نزل عليه الصلاة والسلام نورًا ربانيًا أضاء الظلمات وتمم مكارم الأخلاق، لقد كان بحق منحة للإنسانية بأسرها ونموذجًا حيًا للكبرياء والشموخ مقرونًا بالصفح والعفو والتسامح، ونموذجًا لعزة النفس، العزة بالله ولله وفى الله.