والحكمة يا صديقى كامنة فى عقول التجارب، تجدها بين المثقفين والأدباء، تشعر بها عندما تحاور عواجيز المهنة- أى مهنة- التعليم مثلا، أو الزراعة أو الصناعة أو الإعلام، أو حتى فى مجال الأمن.. ولذا أطلقنا مسميات من شأنها توصيف الواقع، مثل خبير، وحكيم، وعالم ودارس، ومجرب، ومعلم.. تتذكرها عندما تخطئ، أو كلما فعلت خطأ من وجهة نظرك.. لكنك احيانا تدرك انك بحاجة إلى نصيحة، من هؤلاء الحكماء، سواء السابقون، أو الحاليون الذين تعلموا من دروس الحياة واثقلتهم التجارب، لكن العجيب والغريب والمستعجب ان تكابر فلا تقبلها، أن لا تحاول حتى سماعها، تظن انك أكبر من ذلك، أَعقل وأَذكى وأَفهم ممن تحاوره، تشعر وقتها ان كلماته بلا فائدة، وبلا قيمة، فأنت المخضرم فى مجالك والأذكى بين أقرانك، والمدلل من رؤسائك.. فلتعلم وقتها انك بدون ان تشعر استكثرت على نفسك المكانة والمكان، وعشعش فى عقليتك إطراء المرتزقة، والوصوليين، وخال عليك تعبيرات ومجاملات، من شأنها الولوج بك فى مستنقع الهاوية.. وانا لا اقول كلاما من عندياتى، ولا افتح مندلا أو أعلم غيبا، بل هو واقع نعيشه ودنيا نحياها، ومحن مرت علينا، فاكتشفنا ان التواضع شيم الرجال، قبل ان يكون دينا نفخر به، والحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها فهو احق الناس بها، والنصيحة من الدين، والدين هو المعاملة.. فكم اخجلنى هذا الرجل البسيط الذى يقوم بجمع القمامة فى شارعنا بمنطقة إمبابة، عندما اعطانا درسا فى الأخلاق انا وبعض الجالسين، قائلا: بعد اذنكم خمسة بس انضف المكان، فقال له أحدنا: هو انت مش شايفنا قاعدين وبنتكلم فى حاجات مهمة، ليرد عليه: يا ابنى امبابة دى شافت أبطال وعملوا اللى انتوا بتتحاكوا بيه دلوقتى بس يا خسارة ماتوا وادفنوا والناس حتى مش بتترحم عليهم، بيوتكم وولادكم أولى بالوقت اللى بتضيعوه مع بشر بينسوا قبل ما يهضموا الأكل اللى بتاكلوه سوا.. كلماته كانت بسيطة، لكنها لاذعة، كانت تحمل فى طياتها رسائل، لعلنا نتعلم منها قبل ان نضيع وقتا ثمينا دون جدوى، فقطار العمر يمضى، ونحن لم ندرى، هل قمنا بواجباتنا نحو أولادنا وبيوتنا، هل استثمرنا أوقاتنا فى صالح أعمالنا، هل كنا جزءا من كتابة تاريخ المرحلة، أم اننا بعد وفاتنا بأيام سنكون نسيا منسيا مثل ملايين الآخرين.