هيا فرج الله لقب وليد عوني ب "ابو" الرقص المسرحي الحديث في العالم العربي، حيث أسس فرقة التانيت للرقص المسرحي الحديث عام 1979 في بلجيكا، وكانت المحطة الثانية في حياة عوني في مصر التي قضى فيها عشرين عاماً، ففى 1990 و1991 قام بإخراج وتصميم عرضين لفرقة باليه أوبرا القاهرة هما "إيقاع الأجيال"، "ليالي أبو الهول الثلاث"، كما صمّم وأخرج عرض «زنقة الناموس» لفرقة الباليه التونسي، وفي عام 1993 كُلّف رسمياً من قبل وزير الثقافة المصري فاروق حسني بتأسيس أول فرقة للرقص المسرحي الحديث في مصر والعالم العربي تتبع دار الأوبرا المصرية، حيث قدمت أول عروضها «تناقضات». و بدأت بعد ذلك رحلة انطلاقته فى مصر ليضع بصماته الخاصة، في السطور التالية يتحدث وليد عونى الفنان الشامل عن الرقص المعاصر، وعن مهرجان المسرح التجريبي بمناسبة تكريمه بالدورة 31 و التى تبدأ فعالياتها بعد أيام قليلة. كيف استقبلت خبر تكريمك من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي؟ بالتأكيد انطباعى عن تكريمي من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي هو شعور فى منتهي السعادة والتقدير لأنه فى رأيى الخاص حان وقت التكريم والاحتفاء بمسيرتى الفنية على مدار 20 عام بالمسرح و10 سنوات بالمهرجان التجريبي، لأننى قدمت عروض افتتاحية للمهرجان على مدار عدة سنوات، وحصلت على جوائز من خلاله، لأن قناعاتى هى ان التكريم يكون بعد مسيرة طويله للفنان وليس فى بداياته. ماذا يمثل لك المهرجان التجريبي بشكل خاص؟ وصلت مصر فى فترة التسعينيات تقريبا، وكان أول عرض شاركت به في المهرجان ليس كعرضا افتتاحيا ولكن في المسابقة هو عرض (تناقضات) وقدمته عام 1992، و وقتها لم أكن على وعى ودراية كاملة بقيمة المهرجان، وكنت أعمل بدار الأوبرا المصرية، و وقتها استغربت من وجود مهرجان بهذا الحجم وهذا الكم الهائل من الفنانين العالميين المشاركين، وكان هناك حالة من التقدم الثقافى وهجوم ثقافي عالمى على الساحة المصرية، و وقتها كان فاروق حسنى وزير الثقافة المصرية الذى استطاع أن يضع مصر على الخريطة العالمية، وبالفعل نجح فى ذلك، وكانت تجربة مميزة بالنسبة لى لأنني شاركت حتى قبل تأسيسى لفرقة الرقص المعاصر بمصر، وهذا ساعدنى كثيرا على اكتشاف عمق وتطور الثقافة المصرية، ولذلك تشجعت على ترك المعيشة بأوروبا والاستقرار بمصر. إذا فى رأيك فترة التسعينيات شهدت تطورا وحراكا ثقافيا كبيرا أكثر من الفترة الحالية بالرغم من التطورات والتكنولوچيا التى يعيشها هذا الجيل؟ أرى أن المستوى الثقافي والفنى يتخذ مفهوم واتجاه مختلف تماما، ليس مستوى منحدر و إنما مستوى يهتم بالذكاء الاصطناعى، فبعد الألفية أصبح هناك تغير وليس تطور ولا تدهور، وهو تغير مفاهيم ورؤى مختلفة تماما ومتأثرة بالعالم الغربى، وذهبت الأجيال لمفهوم التحديث وليس مفهوم ما بعد الحداثة، لأنه حتى هذا المفهوم لم يصبح له قيمة و وجود، وبالنسبة لمصر أرى أن المسرح القومى أو المسرح العادى انتشر أكثر بين الجامعات والمؤسسات الثقافية، وصار أوسع من الاهتمام بالاتجاه التجريبي، فالعروض التجريبية أصبحت أقل. ماذا عن مفاجأة عرض الافتتاح و ما هي استعداداتك له؟ فى الحقيقة قدمت الكثير من العروض عن القضية الفلسطينية، وبالطبع يعرف الفنانين عن أعمالى، وعندما طلبت منى إدارة المهرجان تقديم عرض عن القضية لم أتردد، فهذه القضية بالأخص من بداية ظهورنا للحياة وهى لازالت مستمرة حتى الآن، فأول قضية بالشرق الأوسط هى قضية فلسطين وبالتأكيد أثرت فينا، وعندما ذهبت إلى أوروبا للعمل ككوليجراف أول عمل قدمته هو عرض يحمل اسم (الرقم التاسع)، وكان يتخلله مجازر صبرا وشاتيلا ومشاهد النزوح والتهجير، والفنان يتأثر بالوضع السياسي كثيرا. وعندما وصلت إلى مصر وبعد مرور 50 سنة على النكبة قدمت عرض (أغنية الحيتان) وأري أن الفنان له كلمته الحرة والقوية أكثر من أى قلم أو أى مقال أو شئ آخر، وخصوصا أننا نعيش في زمن السوشيال ميديا وأصبحنا نعيش كل الأحداث مباشر فى أي وقت وفي كل مكان وتنقل لنا الأحداث من قلب الوقائع بحقيقتها دون أي تزييف. لذلك عندما طلبوا منى تقديم عرض عن فلسطين شعرت بالخوف لأنه إحساس متناقض أن أقدم عرضا وفي الوقت نفسه يكون هناك أطفالا تقتل ونساء تغتصب ورجال تنزح من بيوتها، ولكن هذا الذى استطيع تقديمه أن أذهب إلى الرمزية، فلا أستطيع أن أتدخل تدخل سياسي مثلا، لذلك أعمل على تقديم ذلك من خلال لوحات فنية واستعملت أصوات فيروز وأم كلثوم. الرقص المعاصر فن مختلف و راقى، هل ترى أنه نال حيزًا من الاهتمام فى الفترة الأخيرة؟ المسرح بشكل عام تطور ولكنى كنت أتمنى أن يتطور الرقص المعاصر بشكل أكبر، فالرقص الحديث له تابعيته وله جمهوره المهتم به، ولكن كنت أتمنى أن يذهب لأبعد من ذلك ويكون له مهتمين ومصممين، فعالميا له قيمته وانتشاره كفن أساسي ولكن فى مصر لازال محدود لعدة أسباب ومنها عدم استغلال مثلا السوشيال ميديا فى الترويج لهذا النوع من الفن تحديدا. ما الذى تتمناه من خلال هذه الدورة من المهرجان؟ أتمنى النجاح بالتأكيد لأن هذه الدورة تحديدا هي استثنائية، لأن اللجنة العليا للمهرجان ركزت تحديدا على أهمية التجريب وبحثت فى الكثير من العروض لتستقر على عروضا قادمة من خارج مصر تحمل المعنى الحقيقي للتجريب، وأتوقع أنه سيكون هناك نجاح وإقبال وشغف من الجمهور، وأتمنى أن تحصل مصر على جائزة في هذا العام. ما هى نصيحتك للشباب المسرحيين الجدد؟ أتمنى أن يصبح الشباب محليين الفكر ونهتم بالإرث الثقافى والهوية الثقافية الشرقية المصرية ونذهب بعيدا بأفكارنا الفنية ولكن نتمسك بالهوية، وأرى أن العالم بالفعل أصبح صغيرا جدا والتطلع للأفكار الخارجية أصبح سهل ويساعد على الحصول على أفكار جديدة ومتطورة، فأتمنى التحديث وليس طمس الهوية، والفنان الحقيقي دوره هو الحفاظ على الهوية. اقرأ أيضا: «المرأة والأداء الجسدي الراقص» في ندوة بالمهرجان القومي للمسرح المصري